🌲9- لمساته كالحروق🌲
أطار الحصان الأحمر عرفه الأصفر في الهواء وصهل غاضبا لليد الحازمة التي تحد من سرعته ,
هدأته ستاسي قائلة:
" اهدأ يا ديابلو ".
ولكنه استمر في جر شكيمة اللجام.
فكرت ستاسي ربما يهدئ من توترها أن انطلقت بالحصان . لقد دفعت ستاسي ضريبة مشاداتها مع كورد بعد ظهر ذلك اليوم من صبرها وأعصابها . مضي أسبوعان منذ عهد إليها كورد بترتيب احتفالات المزاد , وكان إعداد الأنشطة المختلفة عملا مرهقا يستغرق النهار كله . خاصة لمن لم يقم بمثل هذه المهمة من قبل , علي الرغم من المعونة التي تلقتها ستاسي من زوجات العمال الدائمين قي المزرعة . كانت ستاسي راضية عن العمل الذي قامت به حتى تلك اللحظة .ولديها شعور بأن كورد راض أيضا عن عملها . رغم أنها لم تكن تهتم برأيه كما قالت لنفسها . ولكن بعد ظهر ذلك اليوم عندما كانا يستعرضان بعض المراسلات بشان الاعداد للمزاد سألها كورد عن بروفة المطبعة لقائمة المبيعات. لم تكن ستاسي تعلم عنها أي شيء واعترفت بذلك.انها مازالت تذكر تعابير وجهه الثائر وهو يسمع كلماتها.وأثارتها ذكري كلماته اللاذعة. كان في استطاعتها أن تشرح له عدم خبرتها في إعداد مثل هذه الحفلات. ولكن أهانته لها جرحتها في أعماقها مما جعلها تخشي المزيد من الاستهزاء. إذا كان كورد من القسوة بحيث لا يمكن أن يمتلك, ولومن بعيد, ما يشبه القلب!
كان كورد يتغيب تقريبا كل يوم منذ لقائهما الذي عهد أليها فيه بترتيبات الحفل,وأحيانا كان يجتمع بها أثناء النهار , ولكن حديثهما كان محددا بموضوع المزاد . ولم تكن ستاسي تعلم ما إذا كان السبب وهو وطأة العمل في المزرعة, أم أنه كان يتجنب قضاء أي وقت معها . مرت ليديا مرورا عابرا عدة مرات بحثا عنه, وفي بعض الأحيان كانت تتنازل وتسأل ستاسي عن مكان كورد موحية لها بأنه يساعدها في إجراءات طلاقها . وكانت عادة تجده في مكان ما لأن ستاسي كانت تراهما معا كثيرا من النافذة ,وكورد يخفض رأسه ليستمع إلي عبارة هامسة من المرأة ذات الشعر الفاحم بينما تضع هي ذراعها علي ذراعه باستئثار . كان من الطبيعي أن تتراجع عن النافذة وهي تشعر بالذنب , ووجهها يحمر خجلا كما لو كانت ضبطت متلبسة بالتصنت علي حديث خاص . وفي أحيان أخري كانت تراقبهما حتى يختفيا عن نظرها قبل أن تعود إلي عملها وهي تعاني من شعور غريب بالانقباض.
كانت متأكدة أن غياب كورد في المساء بسبب ليديا . ومن الغريب أن ستاسي وجدت نفسها تارة تفتقده , وتارة أخري تخشي حضوره , ولكنها رفضت أن تخوض في أسباب تقلب عواطفها .
انضم إليها جيم كونورز في عدة أمسيات علي الشرفة . وكانا يثرثران وهما يكتشفان اهتمامات كثيرة مشتركة . كانت ستاسي ترتاح لبساطة راعي البقر الشاب بضحكته الحاضرة , وصحبته التي لا تطلب منها شيئا . وكانت علاقتها به تختلف اختلافا شاسعا عن علاقتها العاصفة بكورد هاريس , كانت تشعر بالراحة والطمأنينة مع جيم لم تكن تقلقها كل كلمة صغيرة تتفوه بها وكيف سيفسرها . كان جو صداقتها المريح الذي يحيط بها عندما تكون مع جيم يذكرها بطريقة اعتمادها علي كارتر ميلز.
كارتر ... كان يبدو علي بعد أحقاب منها . هل كانت معه حقا منذ مدة قصيرة ؟ كانت قرأت بين السطور تيارا من القلق عليها لم تستطع ستاسي أن تتجاهله . كانت تعلم أنه ينتظر منها ردا, ردا لا تستطيع أن تعطيه . وكان من الصعب عليها حتى أن تتذكر شكل كارتر كل ما تستطيع تذكره هو صورة مشوشة لشعر أصفر قصير وعينين زرقاوين لامعتين . وقد بلغ من عدم وضوح الصورة أنه قد يكون في خيالها صورة جيم وليس كارتر . ربما كان التشابه بين الاثنين هو السبب في انجذابها نحو جيم . ربما كانت أحسن حالا لو أنها لم تأت إلي هنا , ولكن في هذه الحالة ما كانت لتقع في غرام هذه البلاد الخشنة المتوحشة . حتى في هذه الظروف كانت ستاسي تستمتع بقربها من هذه المناظر الطبيعية . لقد غاب الزحام والضباب وضجيج حركة المرور الذي لا ينتهي , وحل محله الفضاء الشاسع والهواء المنعش ونداءات مخلوقات الله الخافتة.
ألقت ستاسي نظرة علي الشمس الغاربة ثم امتطت جوادها المستريح مرة أخري واتجهت به إلي بيت المزرعة . وكانت تعلم أن عليها العودة قبل مغيب الشمس تماما .
وصلت ستاسي إلي الاصطبلات بسرعة فنزلت وقادت حصانها الطيع خلال بوابة السياج إلي منطقة الاصطبلات , أخذت تدندن فرحة فلم تشعر باقتراب هانك المسن.
قال هانك :
" إنك بالتأكيد مرحة للغاية ".
أجفلت للصوت المفاجئ ثم قالت مؤنبة وهي تضحك ضحكة مهزوزة :
"هانك ! يجب ألا تفعل ذلك ! لقد أفزعتني حتى وقف شعري!".
ابتسم قائلا :
" تبدين سعيدة راضية حتى خيل لي أنه من القسوة إفساد هذه الصورة الجميلة ".
لمعت عيناها البنيتان وداعبته قائلة :
"كنت أظن أن الأيرلنديين هم الذين قبلوا حجر المداهنة . يبدو أن لكم حجرا مثله هنا ".
أجاب هانك :
" هراء ليس هناك شيء من الادعاء حين يقول المرء لفتاة جميلة أنها جميلة , لتصدق ما عليها ! أن تنظر إلي المرآة , وتري نفسها".
شعرت بالدفء لمحبة الرجل الكهل الواقف بجانبها .ولأشعة الشمس المتألقة الحانية . وغمرتها رغبة ملحة أن تفرد ذراعيها وتحيط بهذه الأرض الخشنة الموحشة التي أسرتها تماما. بدلا من هذا رفعت وجهها للنسيم الرقيق واستنشقت العبير المعطر الذي يحمله وصاحت:
" كم أحب هذه الأرض!".
ثم تنهدت في ندم :
" سأكره أن أترك كل هذا وارحل".
علق هانك علي كلامها قائلا:
" ظننت أنك لا تحبين هذا المكان؟"
وأدار رأسه ليخفي وميض عينيه.
" لم أر أي شيء مثل هذا المكان . في بعض الأحيان أجده قاسيا وموحشا, ولكن يبقي فيه جماله . كلا يا هانك أنا لا أحبه فقط , إنني أهيم به ".
" إذا كنت تحبين هذا المكان لهذه الدرجة فلماذا تتركينه ؟ لم لا تنتقلين إلي مكان بالقرب من هنا؟"
أجابت ستاسي وهي تهز شعرها البني هزة رقيقة :
" ليس هذا نفس الشيء"
" ما هو السحر الخاص بهذا المكان في أي حال؟"
أجابت مفسرة في تردد:
" إنه شيء مختلف . الشمس لن تغرب كما تغرب هنا . ولن يكون لون التلال كلونها هنا".
نخر كالحصان قائلا:
" الشمس تغرب بنفس الطريقة في كل مكان".
ثم استدار لوجهها المغتبط بدون أن يحاول إخفاء لمعة عينيه وأضاف:
" وماذا عن السيد ؟"
سألته ستاسي وهي تتصلب بمجرد ذكر كورد هاريس الغامض:
" ماذا تعني ؟"
" أليس هو جزءا من كل هذا؟"
" بالطبع لا! إنه ..."
ابتسم هانك وهو يسرع بالكلام قبل أن تنطق ستاسي بالاعتراض:
" إنه السبب الوحيد في رغبتك في البقاء هنا . دعك من خداع نفسك بأن سبب وجودك هنا هو ارتباطك بالعمل تعويضا عما سبب حصانك من خسائر"
صاحت ستاسي:
" إنه لن يتركني أذهب ".
أجاب هانك:
" أنت التي لا تتركين نفسك لتذهبي . واجهي الأمر يا فتاة , إن كل ما يملكه ضدك هو قلبك أنت . إنك تحبينه وأنا أعلم هذا منذ مدة طويلة ".
استوعبت كلماته الخشنة وقالت بضعف:
" لا".
" أحسب أنه قد آن أوان المصارحة . إذا كانت لديك أية شجاعة فعليك أن تعترفي بحبك بينك وبين نفسك"
وقفت ستاسي صامتة بعد أن ابتعد هانك . تحب كورد هاريس ؟ مستحيل ! كيف ؟ لقد كان أكثر عجرفة ووقاحة وبغضا من أي شخص عرفته . إنها تبغضه ! تدافعت الذكريات في ذهنها , تذكرت سرعة نبضها عندما يدخل الغرفة , العذاب والألم اللذان تعاني منهما عندما يبتسم ابتسامته الساخرة , حرق جلدها كلما لمسها . وكانت ستاسي تئن وهي تتذكر الشعر الأسود بخصلته التي لا تثبت في مكانها بل تتدلي علي جبينه الملوح والعينين الداكنتين اللامعتين اللتين أنذرتاها مرات كثيرة بأنهما ستلتهمانها بنارهما. وعظام الوجنتين المحددتين في رقة وعليهما شبح لحية.
استدار الحصان في صبر نافد , فقادته إلي حظيرته كالمخدرة وتعثرت أكثر من مرة وهي في طريقها , وفقدت القدرة علي التركيز في أي شيء إلا صورة كورد هاريس المحفورة في ذهنها . كانت تحبه ! وذلك العذاب الذي يتملكها كلما كان قريبا منها , لم يكن إلا لرغبتها في حبه . وسمحت ستاسي لنفسها بأن يغمرها وعيها بهذا الحب وهي تطلق حصانها في حقله . هل كانت عمياء حتى أنها لم تفهم هذا من قبل؟ وامتلأت نفسها بهجة
أنت تقرأ
🌲مزرعة الدموع 🌲جنيت ديلي
Romanceالعنوان الأصلي:No Quarter Asked " تجري الرياح بما لا تشتهي السفن " هذه الحكمة البليغة , كثيرا ما توقع الإنسان في لعبة التحدي , فيقطف نتائج لم يكن يتوقعها .لم تجري الرياح في تكساس كما اشتهت ستاسي الجميلة التي هجرت حياة المدينة بحثا عن الوحدة في أقاصي...