🌲12_عينان من حديد🌲
جاء النداء من التل :
" مرحبا "
نظرت ستاسي فرأت كارتر يتجه إليها بساقيه الطويلتين .
أجابت بابتسامة :
" مرحبا بك ".
قال كارتر معاتبا :
" كان يجب أن أعرف أنني سأجدك هنا . ألا تعرفين كم الساعة الآن ؟ إنك تعملين منذ الثامنة صباحا ".
أجابت ستاسي متجاهلة تأنيبه :
" الساعة الآن السابعة والنصف فقط, وأمامي بعض الأعمال لإنهائها قبل الغد, وقد قررت لندا وديان إعداد الموائد الليلية بدلا من الغد . وفكرت أن أعاونهما. هل أحضرت الأشياء التي طلبتها سيدة غرايسون من موللي؟"
" وأوصلتها لها أيضا ولكنها طردتني قبل أن أتذوق صلصله الشواء الشهيرة . ماذا بقي لأفعله ؟"
نظرت ستاسي إلي الموائد بتوتر وأجابت :
" لا شيء . سيفضح الغد كل أخطائي ".
داعبها كارتر :
" أين الفتاة المتحمسة ؟ لقد انقضي النهار , دعينا نعد مشروبا مثلجا".
ضحكت ستاسي علي الرغم من توترها . كانت محتاجة للراحة وشعرت بالألم عندما تخيلت ماذا كان سيصبح حالها هذا الأسبوع لو لم يحضر كارتر , ولاحظت الخطوط الجديدة حول شفتيه , ولكن ظاهريا , لم يتغير موقف كارتر منها , ولم يشر لما حدث في أمسية الأربعاء المشئوم.
سألها كارتر بهدوء وهو يشد علي ذراعها :
تندمين لاقتراب النهاية ؟"
تنهدت ستاسي :
" لا . سأكون أحسن حالا بعيدا عن هنا ".
وأضافت لنفسها : ومعي ذكري كورد .
عاد الاثنان إلي الشرفة . وجلست ستاسي بينما دخل كارتر لإحضار المشروبات . نظرت ستاسي حولها في عبوس للمكان الذي كان بيتها في الأسابيع الماضية , ووجدت نفسها تنظر بإمعان للربوة التي تعلو المنزل . وسمعت جرس الهاتف يرن وكارتر يجيبه . فوقفت كالمخدرة ومشت إلي التل والمدفن الذي يعلوه . لم تسمع كارتر يناديها ولم تره وهو يحمل المشروبات في يديه إلي الشرفة .
لم تتوقف حتى وصلت إلي الباب الحديدي للمقابر واتجهت مباشرة إلي القبر الذي يحمل الاسم الينا تيريزا هاريس... ركعت أمام المقبرة ومدت يدها تتحسس الكلمات برقة . تساقطت دمعتان على خديها وهي تحاول أن تجد العزاء عند من أحبهم كورد . وتملك الحزن والأسى قلبها وهي تستند إلي الحجر الرمادي الصامت .
ورن في أذنها صوت كورد ولكن هذه المرة بدا حقيقيا حتى أنها استدارت لتراه . لابد أن عينيها تخدعانها . فها هو كورد واقف أمامها , لابد أنها تحلم , فقد كان بريق عينيه غريبا . وفجأة شعرت ستاسي بحلول الظلام . نظرت إلي مكان الشمس فوجدت ضوءا قرمزيا يشير إلي أصيلها . لم تكن تحلم ! إذا فكورد فعلا هو الذي يقف أمامها . تغير تعبير وجهها وهي تقف أمامه , فأعاد ذراعه التي كان قد مدها إليها إلي جانبه.سألها كورد وقد بقي شيء من الرقة في صوته وهو يتطلع إلي نظرة الألم علي وجهها:
"ماذا تفعلين هنا؟"
" جئت لكي ..."
كادت أن تنطق بالحقيقة ثم نظرت بعصبية إلي الحجر الذي يعلو قبر دونا الينا ثم إلي الحجر الذي بجانبه , وقالت بلا اقتناع :
" مقبرة والدك ! تذكرت والدي وفكرت أن مجيئي هنا سيقربني منه ".
لم تعرف ستاسي إذا كان قد قبل تفسيرها . وأمسك بذراعها وقادها خارج المدافن بدون أي تعليق . ونظرت ستاسي في وجهه بقلق . لم ينم وجهه عن أفكاره ولم تحتمل صمته فقالت :
"كيف عرفت مكاني ؟"
أجاب بسخرية :
" رآك صديقك تتجهين إلي هنا ".
قالت بضعف:
"أوه !"
عندما وصلا إلي شرفة بيت المزرعة ترك كورد ذراعها في نفور , وناولها كارتر مشروبها وعيناه تفحصان وجهها الشاحب .
سألها كارتر بهدوء :
" هل أنت بخير ؟ أين كنت ؟"
أومأت ستاسي بالإيجاب ردا علي السؤال الأول قبل أن يقاطعها كورد إذ رشف رشفة من كوبه ثم قال باستهزاء:
" كانت تتخذ من مقبرة والدي بديلا عن مقبرة والدها". راقب كارتر ستاسي بإمعان رافضا هذا التفسير , ولكن كورد لم ينته من كلامه واستطرد قائلا:
"إن الاستسلام للإشفاق علي النفس يعتبر ترفا لا يسمح به في هذا البلاد , علي الأقل بالنسبة لمن يعيشون فيها"
نفذت قسوة عينا كورد إلي قلب ستاسي وتصاعد الدم إلي وجهها , أما كورد فاستدار وسار إلي المنطقة الكائنة شمال الاصطبلات حيث تتم الترتيبات لحفل الشواء . وتبعته ستاسي مع كارتر . لم يتكلم أي منهم . كان كورد يتجاهل وجودها خلفه , ولم ينظر كارتر إليها إلا مرة واحدة .
مر ثلاثتهم أمام صف طويل من الموائد إلي حيث أقيمت حفرة طويلة أشعلت فيها النيران . كان هناك رجل يضيف الخشب علي النار . ابتسمت ستاسي عندما عرفت أنه هانك .
راقبت ترتيبات الشواء المبتكرة باهتمام , وتغلب فضولها على إحساسها بالتوتر فسألت :
" هل هذه أسرة قديمة تلك التي تضعون عليها اللحم؟"
أجاب كورد باسما:
" إنها أسرة الجيش . إننا نلف أرجل الذبائح بصفائح للاحتفاظ بالحرارة ويتناوب العمال العناية بالنار أثناء الليل وسقي اللحم بالصلصة ".
نظرت ستاسي لكميات اللحم الكبيرة وهتفت :
" ياللسماء ! إن هذا الطعام كثير جدا ؟"
قال هانك :
" إن شهيتنا نحن أهل تكساس عارمة. إننا لا نلهو بشطائر صغيرة كأهل الشرق . فإذا جلست هنا وراقبت النار سأنجز إعمالا أخري "
ثم أضاف لكارتر:
"تعال معي لتعاونني فلم اعد شابا كما كنت"
ثم مضي في الظلام . خافت ستاسي إذ فهمت نية هانك في تركها وحدها مع كورد. كانت تعلم أن كارتر ينظر إليها في انتظار أن تقول إنها لا تريده أن يذهب. ولكنها لم تستطع أن تتكلم فذهب خلف هانك.
قطع كورد الصمت بقوله :
"حسنا. سترحلين بعد يوم. اعتقد انك تتلهفين علي الرحيل"
أجابت ستاسي بهدوء وصدق:
"حقا لا. لقد استمتعت بوجودي هنا"
فكر كورد في ردها ثم قال:
" تصورت انك تسعدين بالعودة إلي حيث تنتمين ".
تصلبت لكلماته , وعاد لها غضبها لادعائه بمعرفة ما هو أفضل لها . كظمت غيظها وظلت تنظر إلي النار .
سألها كورد :
" هل حددت وكارتر موعدا للزفاف ؟"
أجابت :
" لا . ربما حددنا الموعد بعد عودتنا ".
فقد أملت عليها كبرياؤها أن تدعه يظن بأنها ستزف إلي كارتر .
" سوف ترسلين لي بطاقة دعوة ؟"
أجابت :
" بالطبع . وهل سترسل لي دعوة لزفافك ؟"
سأل كورد وهو يقف ببطء :
" زفافي؟"
أجابت بخفة :
" نسيت أنني يجب ألا أعرف , ولكن لماذا أردت إخفاءه عني ؟ فوجود ليديا المستمر هنا يظهر أن في الأمر أكثر من مجرد الحب القديم ".
بدا على وجه كورد تعبير الاهتمام وقال:
" فهمت , أعتقد أن ليديا قالت لك ".أجابت :
" تقريبا ".
وقالت لنفسها : كادت أن تكتب ذلك على الحائط.
وأضافت لكورد :
" والآن وقد تخلصت من مسؤوليتك عني , تستطيع أن تذهب في طريقك وأنا في طريقي ".
استدار لها مندهشا فقالت :
" إنني أعلم أيضا بأمر رسالة والد كارتر ".
" والد كارتر ؟ وكيف عرفت ؟"
" لقد تركت الرسالة في أحد أدراج المكتب . لقد بذلت أقصي جهدك حتى تضعني تحت عينك الحارسة . لسوء الحظ أنك لم تخبرني . إذ لو فعلت ذلك ربما كنا أكثر تفاهما ".
بدا كورد مبتهجا مما ضايق ستاسي وقال:
" لم يخطر ذلك ببالي . لقد كنت فتاة عنيدة جدا . وإنني أرجو أن ينجح كارتر في محاربة أفكارك المركزة حول ذاتيتك ".
قالت في تحد :
" إن كارتر يفهمني ".
ضحك كورد قائلا :
" بالطبع , ولكن لسوء الحظ أنه ليس أكثر سيطرة عليك ".
قالت ستاسي وفي صوتها نبرة حزن :
" لو كان الأمر كذلك لما جئت إلي هنا , ولما حدث كل هذا ".
" هل ... لم يكن ليحدث ".
ثم صمت .
وأعلن حفيف الأغصان عن عودة هانك وكارتر . سألها كارتر :
" هل أنت مستعدة للعودة ؟"
قال كورد وهو يقف ويمد يده لستاسي قبل كارتر :
" فلنعد . سيكون الغد يوما طويلا ".
غصت ساحة بيت المزرعة بسيارات من كل نوع . وكان المزاد قد انتهي منذ ساعتين وبدا رحيل السيارات .
لاحظت ستاسي المائدة التي كانت مكدسة بالطعام من قبل . لم يتبق إلا القليل من الكميات الضخمة من اللحم والفاصوليا والبطاطا والخبز , فتنفست الصعداء لدقة حسابهم لشهية الضيوف . وبدأت زوجات العمال في تنظيف الموائد من بقايا الطعام .
سألتها موللي وهي تملأ الأكواب بالشاي المثلج :
" هل انتهيت من العمل اليوم ؟"
فضحكت ستاسي قائلة :
" لقد فصلت من عملي الآن وأمرت بالانضمام للهو ".
قالت موللي وهي تضع ذراعها في ذراع ستاسي وتبعد بها عن المائدة :
" حسنا . لم يبق إلا الجيران الآن . ستشاهدين حفلا جيدا من الطراز القديم ".
جاء صوت ضاحك من خلفهما :
" هاي . أين تأخذين مضيفتي ؟"
وقفت ستاسي وقد شحب وجهها للهجة التملك , وارتجف قلبها عندما وضع يده علي كتفها .
صاحت ماري :
" كورد ! حان الوقت لتصاحب ضيوفك . لقد قضيت النهار كله مع تلك الجياد ".
أجاب باسما لستاسي :
" أري أنك أنقذت ستاسي . لقد قمت بعمل رائع يا ستاسي . يؤسفني إنني لم أقل هذا من قبل , ولم أعاونك . غير أنك لم تحتاجي المعاونة ".
تلعثمت ستاسي واحمر وجهها لثنائه:
" أشكرك , ولكن الجميع ساعدوني , وأنا متأكدة أنهم ستروا الكثير من أخطائي ".
قالت موللي :
" إنك في غاية التواضع . فالناس يحبونك من قلوبهم لرقتك ويفعلون أي شيء من أجلك ".
دمعت عينا ستاسي لهذه الكلمات وأجابت برقة :
" لقد أشعرتموني كلكم بأنني بين أهلي ولن أنساكم أبدا ".
اشتدت قبضة يد كورد على كتف ستاسي فاستدارت لتنظر إلى وجهه الأسمر,كانت نظراته حائرة متسائلة ثم قال للمرأتين الأخريين بكآبة:
" إن الحفل الليلة بمثابة حفل وداع لستاسي .فسترحل في الصباح".
وانهالت عليها الاعتراضات واستولي عليها الأسى, ليتهم يعلمون إنها لا ترغب في الرحيل!
وسألتها ماري:
"لماذا ترحلين هكذا سريعا؟ ظننت انك ستبقين أسبوعا أخر"
" أن كارتر مضطر للعودة في أول الأسبوع فقررنا الذهاب معا"
وتجاهلت ستاسي البرودة التي سرت في أوصالها عندما رفع كورد يده عن كتفها . ثم أضافت:
"نستطيع أن نتقاسم القيادة ولن تطول رحلتنا"
سألت موللي وهي تنظر إلى كورد في تجهم :
" ستذهبان وحدكما ؟"
قال كورد ساخرا:
"انك تظهرين كبر سنك يا موللي. تذكري أن هذا الجيل متحرر. وتقاليدنا تعتبر موضة قديمة بالنسبة لهم. عن إذنكم فقد حان الوقت للاندماج مع الضيوف الآخرين"
شعرت ستاسي بالمرارة في كلام كورد على الرغم من لهجته المداعبة, ولكنها كانت ثابتة وهي تواجه المرأتين متجاهلة كورد وهو يتحرك وسط الجموع.
سألتها ماري بخفة وسط صوت القيثارات والكمان :
" هل قررت الزواج من كارتر؟"
أجابت بدون تفكير :
" لا"
تمتمت موللي :
" تكلمنا عنه وهاهو ".
ثم لامته قائلة :
" ستأخذ فتاتنا المفضلة معك غدا ".
أحاط ستاسي بذراعه وقال:
" كيف أنفرد بها إذا لم افعل ؟ ثم إن تغيير المناظر مفيد ".
لم تلحظ ستاسي النظرة المتبادلة بين الأم وابنتها وهي تنظر لعيني كارتر .
ابتسم قائلا :
" سأرقص مع مضيفتنا إذا لم تمانعا ".
ورقصا بضع خطوات قبل أن يتكلم :
" ماذا حدث هناك ؟ لقد رأيت كورد يمشي قبل وصولي . ماذا قال مما جعلك تبدين هكذا ؟"
قالت في شرود وقد رأت كورد يراقبهما :
" ليس بسبب ما قال . إن السبب هو أنني لا أريد أن أرحل , وأعلم أن هذا هو الصواب "
" ستاسي . هل أنت متأكدة من أنك تحبينه ؟ لو كانت لي أية فرصة ..."
وذهب عنه حذره وأمسك بكتفي ستاسي قائلا:
" تزوجيني يا عزيزتي . أستطيع أن أسعدك وأنت تعلمين ذلك ".
هزت رأسها وقالت بتردد :
" لا يا كارتر "
جاء صوت كارتر يائسا وملحا :
"إنه يكبرك كثيرا . كيف تعلمين أنك لا تضعينه مكان الأب الذي فقدته ؟ ولو لم أدعك تأتين إلي هنا لكنا زوجين الآن . ألا ترين يا ستاسي أنك تحتاجين مرساة فلأكن أنا المرساة . قولي أنك ستتزوجينني يا ستاسي ... قوليها الآن قبل أن تندمي بقية عمرك ".
صاحت ستاسي في محاولة لمقاومة إقناعه :
" لا . لا "
كررت الرفض بكل تأكيد وتركت ذراعيه ثم استدارت للجموع الراقصة السعيدة أمامهما , وأسرع كارتر قائلا :
" فكري يا ستاسي . كيف تتأكدين ؟"
سمعا صوت رجل يقول:
" هاأنت يا ستاسي . لا تعلمين أنه لا يليق بالمضيفة أن تهرب وسط الحفل ؟"
عرفت قوام بيل بوكانان السمين وسط دموعها . وقالت في تأثر :
" دكتور!"
أنت تقرأ
🌲مزرعة الدموع 🌲جنيت ديلي
Romanceالعنوان الأصلي:No Quarter Asked " تجري الرياح بما لا تشتهي السفن " هذه الحكمة البليغة , كثيرا ما توقع الإنسان في لعبة التحدي , فيقطف نتائج لم يكن يتوقعها .لم تجري الرياح في تكساس كما اشتهت ستاسي الجميلة التي هجرت حياة المدينة بحثا عن الوحدة في أقاصي...