الفصل السادس

781 28 0
                                    

🌲6- العقاب الجميل🌲

عملت ستاسي في اليومين التاليين على أن تتجنب لقاء كورد هاريس. ونجحت في هذا بمعاونة المزارع نفسه، الذي بدا انه أيضا لا يرغب في صحبتها. حفرت بحذائها في الأرض الرملية , وأخذت تنظر حولها في تردد. جاء أوان الحديث معه ولم تكن تتطلع إلى هذا أبدا. فقد استعادت قواها تماما وأرادت أن ترتب لعودتها للكوخ.كانت قد أتمت حزم حقائبها بعد الغداء، وكان أمامها أن تبحث عن كورد وهي مهمة غير مستساغة لها بالمرة . مشي كلبها الكبير إلى جوارها وهي تخطو أمام باب المكتب المفتوح . وبنظرة إلى الداخل تحققت من شعورها الداخلي بأنه غير موجود. وتنهدت في أسي ومشت إلى الاصطبلات. نظرت عبر المباني وفكرت بتجهم ؛ ربما كان في مكان ما علي الجبال. لمحت حصانا وراكبه يركضان عند الحظائر . ولم تعرف ستاسي الرجل فانتظرته وقد أثارت سرعته فضولها.وسمعت اصواتا تصيح قرب الاصطبلات فاستدارت لترى سبب الضجة.ولكن المباني حجبت عنها الرؤية. وتوقف الراكب عند باب الحظيرة ونزل عن الحصان .
" ما الخبر؟"
قال راعي البقر بصوت خافت:
"معذرة يا آنستي ولكني ذاهب لاستدعاء الطبيب"
وبدأ يسرع في طريقه .
هتفت ستاسي وفي ذهنها صورة مخيفة لكورد يرقد على الأرض مغشيا عليه :
" ماذا حدث ؟ من الذي أصيب ؟"
أجاب الرجل وهو يسرع نحو باب المكتب وستاسي تتبعه :
" هذا الشيطان الأحمر الذي يسمونه حصانا هرب من الحظيرة عندما دخلها كريس , وحاول الشاب المغفل أن يمسك به وهو يركب حصانه . فجن جنون الحصان وهاجمه . لحين الحظ كان السيد ونحن معه عائدين من الجبال , فرأينا ما حدث . لا اعلم مدى إصابة الشاب فانا ل لا استطيع الاقتراب منه".
تأملت الرجل وهو يمد يده للهاتف في غرفة المكتب وشهقت :
" ديابلو!"
قال الرجل في الهاتف بدون أن يوجه كلامه لستاسي:
" إن السيد بلغ به الغضب حد يجعله يقتل ذلك الحصان".
وجرت ستاسي خارج المكتب إلى الحصان الواقف بالخارج فقفزت علي ظهره ووجهته إلى حيث سمعت الأصوات . لم تكن أفكارها واضحة وهي تنادي على كلبها أن يتبعها وركضت بالحصان . كانت تعلم فقط أن عليها أن تكون هناك . يقتل ديابلو!
رنت الكلمات في إذنيها كجرس الموت . وضربت الحصان بلجام . من فرط اضطرابها وقفزت به حول المباني , ثم توجهت إلى راكبي الجياد. وعندما اقتربت منهم رأت راكبا محشورا تحت حصانه الساقط بينما وقف حصانها الأحمر بينه وبين الراكبين الآخرين. كان هناك حبل مفكوك يتدلى من رقبة ديابلو وهو يفلت من حبال الرجلين. كانت رقبته بيضاء من الزبد وهو مستمر في الهجوم بحوافره الشريرة .
صاح كورد عندما رأى ستاسي تترجل عن الحصان :
" ماذا تفعلين هنا ؟"
والتوى وجهه غضبا وهو يدور بحصانه الكبير ليواجهها قائلا :
" عودي إلى المنزل حيث مكانك "
وصاحت ستاسي وهي تستدير إلي حصانها الذي اندفع مهاجما الراكب الآخر باسنانه العارية :
"انه حصاني "
وزار المزارع وهو يقف بحصانه إلى جانبها :
" أيتها الأنثى المجنونة . ألا ترين أن هذا الحصان الملعون قد جن ؟"
في هذه اللحظة لمحت ستاسي وجود السوط في يد الرجل الغاضب وطرفه في الغبار الذي اثارتة حوافر الحصان 0تطاير الشرر من عينيها وهي ترفعهما لتلتقيا
بعينيه الداكنتين .
" ماذا تنوي أن تفعل ؟ أن تضربه حتى يستسلم ؟ "
" نعم إذا اضطررت إلى ذلك فهذا الفتي قد أصيب!"
وأمرته ستاسي
" ابتعد عن طريقي "
ودفعت حصانه بعيدا عنها ثم مشت لتواجه الحصان الأحمر. صفر ديابلو وهو يخدش الأرض بحوافره ويهز عرفه الأصفر لها . وشب الحصان وحافراه في الهواء وأذناه للخلف.و حاولت ستاسي أن تخترق ذهن الحصان المتهيج فأمرته :
" ديابلو, ديابلو إهداء! "
وظلت أذناه ملامستين لرأسه بينما اخذ يرفس الكلب من خلفه برجليه, ورأت ستاسي الحصان الساقط يحاول النهوض, إلا انه سقط على جنبه. وحاول حصانها مهاجمتها فنادته وصوتها يعلو بلهجة الأمر . اعتقدت ستاسي أنها رأت أذنيه ترتفعان وهو يقترب منها. عندما كاد أن يصل إليها خطت جانبا فاندفع بجانبها ، ثم استدار وواجها وهو يهز رأسه المحمومة . لمحت ستاسي من طرف عينها الراكبين . احدهما اتجه نحو المصاب بينما اتجه كورد نحو حصانها والسوط على سرجه وفي يده حبل يهزه استعدادا .
وتغير صوتها إلى همسة حانية :
"ديابلو... إهداء يافتى. إهداء...إن كل شيء علي مايرام ياطفلي . تعال هنا تعال"
ولكنه كان ثائرا وقد تذكر الجرح الذي أصابه في عنقه . ولم يستطع الحصان الأحمر أن يكبح جماح الغضب في داخله.واخذ رأسه الرقيق يعلو ويهبط والزبد يسيل على عنقه . لقد عرف الفتاة الواقفة أمامه ولكنه كان يمتلئ بالكراهية والقوة. لمح بطرف عينه الحصان وراكبه يصلان خلفه ، ورقص وهو يستدير لمواجهتهما . ونادته ستاسي وهي تخطو للأمام . ولكنه في هذه المرة استدار بسرعة وجري إليها مكشرا عن أسنانه ورأسه منخفض، وعندما حاولت ستاسي القفز بعيدا عن طريقه انحرف إليها راميا بها إلى الأرض بكتفه الكبيرة .
ووقفت مقطوعة النفس ولكنها لم تصب بسوء، ورأت كورد يسرع كالبرق خلف الحصان. زعق في الراكب الأخر فأحاط الحبلان في نفس الوقت برقبة الحصان الأحمر. وصرخ الحصان غاضبا وحاول أن يهاجم الراكب البعيد فأوقفه كورد بحبله .
وصاح الراكب الأخر في انتصار بينما اخذ الحصان يقاوم الحبلين بلا جدوى :
" لقد أمسكت به ياريس! أمسكت به!"
وبعد بضع دقائق أدرك الحصان انه لن يستطيع الانتصار, وبسرعة قاده الراكبان إلى الحظيرة التي هرب منها .
ونفضت ستاسي الغبار عنها ورأت الراكب الثالث الذي كان قد ذهب يستدعي الطبيب راكعا إلى جانب الحصان الساقط وراكبه . واتجهت إليهم بسرعة فوصلت في نفس الوقت الذي وصل فيه كورد . كانت نظرته متجهمة وهو راكع بجوار راعي البقر الشاب الذي هزه الألم وقال كورد:
" إهداء ياكريس سوف نخرجك بسرعة .الطبيب في الطريق"
آن الفارس الشاب وهو يصر على أسنانه من فرط الألم :
" كسرت ساقي ، أخرجني من تحت هذا الحصان اللعين " .
قال كورد موجها كلامه للفارس الأخر الذي انشغل بتهدئة الحصان الساقط .
"إلى أي مدى جرحت ساق هذا الحصان ؟ "
وكانت الإجابة الوحيدة هزة رأس بالنفي .
وبلا أية كلمة وقف كورد واتجه للحصان ثم اخرج بندقيته من غمدها . ووقفت ستاسي كالمخدرة ترقب تحركاته بدون أن تقدر على الحركة . اصمت أذنيها طلقة البندقية وهي تخمد حياة الحصان المجروح . غلبتها الصدمة و الرعب فلم ترى وصول الطبيب و لا الفتى الذي حمل على نقالة . ولم تستطع رؤية أي شئ إلا الحصان الميت . حتى الدموع تجمعت في عينيها . و أخيرا حجب كورد الرؤية عنها بقوامه المغبرة .
وتصلبت وهي ترفع عينيها المليئتين بالدموع إلى وجهه الذي لم تره بوضوح . واغتصبت الكلمات بصعوبة بالغة و همست :
" لماذا ؟ "
" عندما حاول كريس الإمساك بحصانك هاجمه الحصان ، و أوقع بالحصان و الراكب فكسرت ساق كريس و كذلك ساق حصانه . الطبيب يقول انه سيشفى خلال ستة أسابيع ، ولكنه سيحتاج لعكازين لمدة شهر أو أكثر " .
غمغمت ستاسي بغير وضوح :
" لا . انه الحصان ! لماذا كان لابد إن تقتله ؟ لم يكن الخطاء خطأه " .
وبكت . كانت هذه أول تجربه لها مع ماظنته وحشية ، ولم تستطيع أن تمنع عينيها من الشرود نحو الحصان الميت . وانفجر كورد قائلا :
" الحصان ؟ إلا تفهمين انه كان من الممكن أن افقد رجلا ؟ إنسانا ! وكل ما يشغل بالك هو أمر هذا الحصان " .
بلغ غضبه حدا جعلها تفيق من صدمتها ، واستدارت لمواجهته مرة أخرى ، فقرات أمارات الاشمئزاز والامتعاض على وجهه . لم يكن يفهمها . لقد حزنت من اجل راكب الحصان ولكنها لم تستطع أن تتقبل قتل الحصان عمدا .
وقالت بصوت حاد من الصدمة وقد اقتربت من الهستريا :
" ولكنه سيشفى ويصبح على ما يرام . إلا تفهم . سيعود ولكن الحصان قد مات ، وأنت الذي قتلته ! كأنك لم تفعل أي شيء ! "

🌲مزرعة الدموع 🌲جنيت ديلي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن