الفصل الثاني

1.1K 93 1
                                    

#الإيمان_والحب
الفصل الثاني
✍رويدة الدعمي

جاء اليوم الذي يشدُّ فيه منتظر الرحال مع والدهِ إلى المدينة المجاورة لمدينتهم حيث ستجرى العملية هناك ، وها هي الأم الحنون تشدُّ على يدي ولدها بيدين مرتجفتين وعينين باكيتين وهي تردد : 
ـ ولدي الغالي .. سأدعو الله بأن يعيدك لنا بالسلامة .
حاول منتظر أن يُهَّدئ من روع والدته وذكرّها بالآية الكريمة ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) ، وهنا بكت الوالدة بصوت عالِ
وهي تحتضن ولدها وتوصي زوجها به وكأنهُ طفلٌ صغير سيفارقها لأول مرة ...!
استقلَّ الاثنان سيارة الأجرة لتُقلّهما إلى منزل أبي ملاذ ، وهناك وجداه هو وابنته على أتم الاستعداد للسفر وفعلاً أتجه الأربعة نحو مكان وقوف السيارات الكبيرة الخاصة بنقل المسافرين إلى المدن الأخرى .
وبعد أن اتخذّ كل منهم مكانهُ في تلك السيارة التي ستتجه بهم إلى المدينة المنشودة كان منتظر قد أخرج كتاباً ـ كالعادة ـ ليقرأهُ بدل أن يقضي وقتهُ هذا هباءاً ، حيث إنهُ لم يعتد على تضييع هكذا فرصة سواء أكان في سيارة صغيرة أو كبيرة أو في قطار ، فإن أنيسهُ في الطريق سيكون الكتاب .
كان والدهُ ووالد ملاذ مشغولان في الحديث أما ملاذ فمكانها كان مقابل للمكان الذي جلس فيه منتظر مما هيّأ لها فرصة النظر إليه طوال الطريق !
فكلما رفع منتظر بصرهُ وجدها ترمقهُ بنظرات تجعل دقّات قلبه تتزايد ويديه ترتجفان !
خاطب نفسهُ قائلاً : 
ـ كيف بكَ يا منتظر مع هذا المأزق وكيف ستُخرج نفسك منه ؟!
تحوّل المأزق بعد قليل إلى مشكلة كبيرة عندما أحسَّ منتظر بأن الشيطان بدأ يجول في المكان الذي يجلس فيه الاثنان أي هو وملاذ وإن الأخيرة لا مانع لديها من أن تبقى ترمقهُ بنظراتٍ محرمة طيلة الساعات الباقية من الطريق ! توّسل إلى الله أن يعطيه فكرة تجعلهُ يتخلص مما هو فيه بدون أن يشعر والده ووالد ملاذ بأي شيء ..
فهو لا يستطيع أن يكلمها أو يسألها عن نظراتها تلك ووالدهُ ووالدها
يجلسان بقربهما وقد شغلهما الحديث عن ما يدور حولهما !!
وهنا ـ وبعد التوسل بالله سبحانه وتعالى ـ قفزت إلى رأسهِ فكرة نافعة وغريبة في نفس الوقت .
فتح حقيبة سفره ومدّ يدهُ إليها فأخرج منها ورقة وقلم وبدأ يكتب وملاذ تنظر إليه غير مبالية ..
بعد أن انتهى من الكتابة طوى الورقة ثم سلّمها إيّاها قائلاً :
ـ إنظري إلى خطّي .. ألا أصلح أن أكون خطّاطاً ماهراً !؟
ابتسمت ملاذ ومدّت يدها لتأخذ الورقة ، وبدون أن تنتظر فتحتها وبدأت تقرأ :
بسم الله الرحمن الرحيم
أرجوكِ يا ملاذ ..
تذكري بأنكِ فتاة وبأنني شاب ومهما تكن طبيعة نظراتك هذه لي فإنها أمام الله تعتبر " محرَّمة " لأنه من واجبكِ الشرعي أن تغضّي البصر حتى لا تدعي للشيطان أي طريق يدخل منه .
وأخيراً تذكري قوله تعالى : (( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ))                           أخوك المخلص  
                                                منتظر
لم تعد ملاذ قادرةً على رفع بصرها من على الورقة بعد أن قرأت تلك الكلمات ، لقد شعرت قبل كل شيء بأن كرامتها قد جُرحت على يد ذلك الشاب وبأنها الآن ذليلةً أمامهُ .
نعم .. فلقد كانت ملاذ ولأول مرة تسمع مثل هذا الكلام بل ولأول مرة تطرق أسماعها تلك الآية ! حيث لا والدٌ حريص وملتزم ولا أمٌ مربية ومرشدة ولا صديقة ناصحة ، كل الذي تعرفه من هذا العالم هو الفن والفنانون ، بل لم يقل لها احد في يوم من الأيام هذا حلال وهذا حرام سوى إن والدها قد جعلها ترتدي هذه القطعة من القماش على رأسها لأنهُ وكما قال لها : 
- تقاليدنا ترفض السفور !
والآن يأتي هذا الشاب ليصفعها ـ بهذه الكلمات ـ صفعةً قوية جعلتها تفضل أن ترمي نفسها من السيارة على أن تبقى جالسةً أمامهُ وهو ينتظر منها ردفعل على كلماته .
هذا ما كانت تفكر به ملاذ ، أما منتظر فلقد أغلق الكتاب الذي كان يطالعه وأشاح ببصرهِ نحو نافذة السيارة وهو ينظر إلى المروج الخضراء التي ملأت الطريق وراح يردد بعض القصائد الدينية التي كان يحبها كثيراً محاولةً منهُ لتغيير الجو الذي صار خانقاً بالنسبة لهُ وهو ينتظر على أحر من الجمر أن تتوقف تلك السيارة معلنةً عن وصولهم .
ولما أتعبه النظر من النافذة أطرق برأسه لينظر إلى ساعته اليدوية فإذا بها تشير إلى بقاء نصف ساعة تقريباً للوصول . أخذ نفساً عميقاً ثم رفع بصرهُ ليرى حال الفتاة بعد قراءتها لتلك الرسالة فإذا بها قد خفضت رأسها وغسلت وجهها بدموعها!
حينها بدأ منتظر يكلمّ نفسه :
- هل كنتُ قاسياً معها إلى الدرجة التي جرحتُ فيها كرامتها من دون أن أشعر .. أم إنها دموع الندم ؟!
.
#يتبع

الإيمان والحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن