#الإيمان_والحب
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل الثامن عشر
.
في الصباح كان فارس قد قرر إخبار العائلة بأمر هام ! ففي أثناء اجتماعهم على مائدة الإفطار قال فارس موجهاً كلامه لصاحبه :
ـ ما رأيك يا أبا منتظر أن نقوم بنزهة عائلية إلى شمال البلاد ؟
قال صاحبه وقد أعجبته الفكرة :
ـ اقتراح ممتاز فنحنُ بحاجة فعلاً إلى تغيير الجو .. ما رأيك يا أم منتظر ؟
أبدت الزوجة ارتياحاً لاقتراح الضيف وكذلك الأولاد ..
أكمل فارس :
ـ سأقوم بإخبار حامد حتى يُهيئ نفسه هو وملاذ للذهاب معنا ..
تغيرت الملامح عند تكملة فارس لاقتراحهُ هذا ، قال منتظر وهو أكثر من تغيرت ملامحه !
ـ أظن بأنني لا أستطيع الذهاب .. أعذروني !
صاح فارس :
ـ ماذا ؟! .. أنت بالذات يجب أن تذهب !
قال منتظر وقد استغرب كلام فارس :
ـ ولماذا أنا بالذات ؟!
تلكّأ فارس في البداية ـ فخطتهُ على وشك الفشل ـ ثم قال :
ـ لأنك تبدو كئيباً جداً يا منتظر ، فعملك في ذلك المصنع مُتعِب للغاية وإنك بحاجة إلى إجازة لمدة أسبوع على الأقل .
كان والداه يعرفان سبب اعتذاره عن الذهاب ، فهو لا يريد رؤية ملاذ ولا والدها .
قالت والدته :
ـ دعوا أمر منتظر لي .. أنا سأقنعه !
وفعلاً فما أن دخل منتظر غرفته حتى لحقته وفتحت الموضوع معه :
ـ أنا أعرف يا منتظر لماذا لا تريد الذهاب !
ـ أمي أرجوكِ .. لنغلق الموضوع .
ـ لماذا ؟ لماذا لا تكون هذه فرصة أرسلها الله لإعادة العلاقة بيننا .
ـ لكني لا أريد إعادة تلك العلاقة يا أماه .. أرجوكِ إفهميني !
ـ أنا أعرف إنك خائف من مواجهتك لملاذ بعد كل هذه الفترة .. لكن يا بُني لقد صبرتَ كثيراً وأظن أن الوقت حان لتنال ثمار صبرك .
ـ وأي ثمار هذه يا أماه..؟!
ـ قد يكون والدها أبدل رأيه خلال هذه الفترة أو قد يبدله إذا رآك فيما
أنت عليه الآن من منصب وظيفي ممتاز ومكانة اجتماعية جيدة .. أرجوك يا منتظر دَعْ الأمور تجري كما يريد الله وليس كما تريد أنت !
خرجت الأم من الغرفة وقد أقنعت ولدها بالذهاب وكان الجميع ينتظر النتيجة ، قالت وقد وجهت كلامها لفارس :
ـ سيذهب منتظر وستكون سفرة جميلة إن شاء الله .
طار فارس من الفرح واتجه نحو الهاتف وأدار رقم منزل حامد :
ـ ألو .. السلام عليكم ...
ـ وعليكم السلام ورحمة الله .. مَن فارس ؟
ـ نعم .. نعم يا صاحبي ، اسمع أنت مدعو مع ابنتك للذهاب في سفرة إلى شمال البلاد .
ـ لكن مع من ؟
ـ أنا وكريم وعائلته وأنتما طبعاً .
ـ لكن يا فارس ... قاطعهُ فارس بالقول :
ـ لا تتعذر يا رجل ، لن تستطيع رفض دعوتي ولن تجعلني أرحل من الوطن وأنا زعلان منك !
ـ حسناً .. حسناً ، متى سننطلق ؟
ـ بعد غد إن شاء الله في الساعة الثامنة صباحاً .
* * *
في تلك الساعة من ذلك اليوم كان الجميع قد تهيأ للسفر ، قاد منتظر سيارته العائلية إلى منزل أبي ملاذ بعد أن إتصل بهم الأخير وأخبرهم بأنه وأبنته جاهزين .
وفي تمام الساعة الثامنة كانت سيارة منتظر تقف أمام منزل حامد ، خرج الإثنان بعد أن نزل فارس لاستدعائهما ، صعد الأب إلى السيارة وصعدت ملاذ خلفه ، ألقيا التحية وانطلق الجميع في سفرتهم تلك .
طوال ساعات الطريق كان منتظر صامتاً ولم ينبس بكلمة والحديث كان كلّه للأصدقاء الثلاثة ...
فلقد كانوا في غاية السعادة بعد أن جمع الله شملهم من جديد .
حاول أبو ملاذ أن يتناسى ما فعلهُ بكريم وولده قال موجهاً كلامهُ لمنتظر :
ـ مالك لا تتحدث يا منتظر ، شاركنا في الحديث يا رجل !
ـ اعذرني يا عم ، لا أستطيع التكلم وأنا أسوق السيارة ! فهذا يُربكني جداً ..
ـ لماذا .. هل أنت حديث العهد بالسياقة ؟
ـ نعم بالضبط .
ـ متى اشتريت هذه السيارة ؟
ـ قبل شهرين تقريباً .
بعد ساعات طويلة وشاقة وصل الجميع إلى المدينة المقصودة ، كان الوقت قريباً من الغروب ، وسر الجميع كثيراً برؤية الجبال وشلالات المياه وفي اثناء ذلك ذهب منتظر وفارس للبحث
عن منزل كبير يضمهم جميعاً وبعد بحث ليس بالطويل وجدا ضالتهما ، وصاروا يُنزلون الأغراض إلى داخل ذلك المنزل الجميل الذي يطل على بحيرة كبيرة ..
وبعد أن أخذوا قسطاً قليلاً من الراحة توضأ الجميع ليتجهوا نحو الصلاة فوقت المغرب قد حان ، قال فارس بصوتٍ عالٍ :
ـ ما رأيكم يا شباب أن أُصلّي بكم صلاة جماعة ؟
فرحوا بهذا الاقتراح ما عدا حامد الذي احمرّت عيناه غضباً من فارس ، قال في نفسه : هل يريد إجباري على الصلاة !
وفي حقيقة الأمر لم يرد فارس أن يسبب لصاحبه هذا الإحراج بل إنهُ قد نسى تماماً أن أبا ملاذ لم يصلِّ مرةً في حياته !
بعد دقائق من هذا الاقتراح أدرك فارس ما سبّب لصاحبه من إحراج عندما رآه قد أخرج سيكارة من جيبهِ وأشعلها ثم خرج في الحديقة ليتمشى !
وقف الجميع كباراً وصغاراً خلف فارس في جو إيماني رائع أنساهم تعب السفر وبُعد الطريق .
كانت ملاذ تتمنى أن يقف أبوها معهم بين يدي الخالق ليؤدي تلك الفريضة ، أخذت حسرة طويلة ثم اتخذت