الفصل التاسع عشر

523 49 4
                                    

#الإيمان_والحب
.
✍رويدة الدعمي
.
الفصل التاسع عشر
.
بعد تلك السفرة السياحية التي استمرت عشرة أيام كاملة كان أجملها وأحلاها اليوم الأخير ..    
تهيّأ الجميع للعودة إلى مدينتهم ، وقد ساد طريق العودة جو من المرح والسعادة ، كان أخوة منتظر الصغار يرددون بعض الموشحات الدينية والأناشيد التي تتغنى بحب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) وكان منتظر ووالدته وكذلك ملاذ يرددون تلك الأناشيد مع الصغار واكتفى الثلاثة ( فارس وكريم وحامد ) بالتصفيق والمزاح ...
قال أبو ملاذ لمنتظر بعد انتهائهم من ترديد إحدى الموشحات :
ـ ألم تقل إنك لا تستطيع الكلام أثناء السياقة ؟
قال منتظر بصوت مازح : ..
- لقد صرتُ حائراً معك يا عم أصمت فتقول لي : لماذا
تبدو حزيناً ! فأُشارك أخوتي في الإنشاد تعترض عليّ وتستهجن فعلي .. قل لي بربك ما الذي يُرضيك حتى أفعله !
انطلقت الضحكات عالية .. وهكذا فلقد كان طريق العودة يختلف تماماً عن طريق الذهاب لما قد أصاب النفوس من ارتياح شديد بدا واضحاً على الجميع .
رجع كلٌ إلى منزله وعاد فارس إلى منزل أبي منتظر وكانت ملاذ قد اعترضت عليه بالقول :
ـ سيكون مكوثك لديهم أكثر من مكوثك لدينا .. فأين قسمتك العادلة ؟!
قال مبتسماً وهو يودعهما :
-تطلبونني يوماً يا ملاذ .. سأمكثه لديكم قبل سفري بأذن الله .
وفي اليوم التالي لم يتمكن منتظر من الذهاب إلى عمله لشدّة الإرهاق الذي أصابه من طول الطريق وتعب السياقة ، فما أن صلّى فريضة الفجر وأدّى تعقيباتها حتى عاد للنوم ثانية .
وبينما كان ما يزال مستلقياً على فراشه حتى شعر بشيء قد وقع على رأسه قام لينظر فوجد فارس واقفاً بجانب السرير وبيده وسادة ثانية يحاول ضربهُ بها ! قال رافعاً صوته :
ـ ألم يحن الوقت للاستيقاظ يا فتى ؟ ها ...!
ـ آه يا عم .. لو تشعر بالتعب الذي أشعر به !
ـ هيا استيقظ لتتناول فطورك ، فعندي كلام كثير معك .
عرف منتظر ما يريد فارس التحدث به !
وبعد تناوله للفطور ، دخل غرفته فوجد إن فارساً ما يزال فيها .. كان يُقلّب صفحات الكتب الموجودة في مكتبة منتظر فلما انتبه إلى مجيء الأخيرقال لهُ : 
ـ أغلق الباب خلفك !
إنصاع منتظر لأمر فارس فأغلق باب الغرفة ثم جلس على السرير ، التفت إليه فارس قائلاً :
ـ هل لي أن أعرف ما الذي حصل لك في اليوم الأخير من السفرة ؟
ـ هل هذا كل ما تريد معرفته يا عم !
ـ تكلّم يا فتى .. هيا !
ـ الحقيقة يا عمي .. إنني تلك الليلة سهرتُ في التفكير بما سببتهُ لملاذ من ألم وحزن أثناء حديثي معها عند البحر حيث رأيتني هناك .. ثم فكرت بأنها جاءت إلى هنا لتروّح عن نفسها ولتخرج من وحدتها القاتلة في ذلك المنزل الذي يخلو إلا منها ومن أبيها .. فكرتُ كثيراً فيما كان يتصرفهُ والدها معها وكيف إنها مُحتاجة الآن ولو لشيء بسيط من السرور ، وكذلك فكرتُ في إنني طوال أيام السفرة كنتُ متوتراً وكئيباً .. حتى إن والديَّ وأخوتي لم يشعروا بلذّة السفرة بسببي .. ولذلك ولأجلكم جميعاً قررت أن أجعل اليوم الأخير هو أحلى أيام السفرة ، وأتمنى أن أكون قد نجحت في ذلك
!
ـ تريد الصراحة يا منتظر ، كان فعلاً أحلى أيام السفرة ، فلقد كان مزاجك رائقاً جداً ولقد شعرتُ بأن ملاذ لم تفرح إلاّ في ذلك اليوم !
ـ هل فعلاً هذا ما أحسستهُ يا عم ؟ أعني هل كانت تبدو سعيدة !
ـ ألم تقرأ هذا الشعور في عينيها يا فتى !
ـ ماذا ... عينيها ! وهل لي الجرأة أن أنظر إلى الجهة التي تجلس فيها هي حتى أتجرأ بعد ذلك وأنظر إلى عينيها !
ـ صحيح يا منتظر ... لماذا كل هذا التحَسس من تلك الفتاة ؟ أرى إنك في بعض الأحيان تحاول تجاهلها ولا أصدّق بأنك ترغب بالزواج منها كما قلت لي!
ـ أما بالنسبة لرغبتي في الزواج منها ... فهذه هي رغبتي منذ سنتين مضت ومازالت تلك الرغبة يا عم ولم تتغير أبداً .. أما مسألة التحسس منها أو من الحديث معها أو حتى النظر إليها فهذهِ مسألة معقدة لا أظنك قادراً على فهمي إن فسرتها لك !
ـ ماذا .. ماذا ؟ غير قادر على فهمك ! ما بك يا فتى ؟ أنا فارس .. أتفهم ما معنى فارس ... فارس الذي لا تخفى عليه حركات الشباب أبداً .. هل فهمت!
ضحك منتظر من طريقة كلام فارس ثم قال : 
ـ لم أقصد أن أنتقص منك يا عمي صدّقني .. لكن المسألة تحتاج إلى شرح طويل !
ـ قد أستطيع مساعدتك يا فتى .. هيا تكلم ، كُليّ آذانٌ صاغية !
بدأ منتظر يسرد لفارس قصته تلك وقد بدأها منذ اللحظة التي أخبرهُ أباه بمرض ملاذ وكان لم يتعرف عليها بعد .. ثم صار يتحدث لهُ عن مشاعرهِ عندما رآها أول مرة وكيف إنها لم تعجبهُ أبداً ..!!
حدّثه بعد ذلك عن الحوارات التي دارت بينه وبينها حول الدين والإيمان والحب الصادق العفيف وكيف يجب أن تكون علاقتنا بالله..
إلى أن وصل  إلى ما بعد العملية حينما زارها مع عائلته في منزلها وكيف إن مشاعره مُنذ تلك اللحظة قد تغيرت تجاهها تغيراً جذرياً !
قال حينها : 
ـ آه يا عم ... منذ أن دخلت علينا الغرفة في ذلك ا

الإيمان والحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن