#الإيمان_والحب
الفصل الاول
✍رويدة الدعمي
.
كان منتظر جالساً في غرفته يطالع في أحد الكتب عندما دخل عليه والده وقد بدت علامات الحزن والإكتآب عليه ، فبادر الابن أباه بالسؤال :
- مالي أراك شاحباً ومُستاءاً هكذا يا والدي العزيز ؟
- آه يا بُني .. إنني قلق جداً على صاحبي حامد .
- وما بهِ يا أبتي ؟
- أنت تعلم إنهُ ليس لهُ أحد سوى ابنتهِ الوحيدة ( ملاذ ) إذ إن زوجته قد ماتت أثناء الولادة .. وبعد عشرين عاماً مضت يأتي الطبيب الآن ليؤكد لهُ إن ابنتهُ الوحيدة قد تفقد حياتها قريباً بسبب تعطّل عمل إحدى كليتيها وضعف عمل الأخرى !
أغلق منتظر الكتاب الذي كان بيده ونهض من مكانهِ متسائلاً :
- وماذا سيفعل الآن ؟
- لا أعرف يا منتظر ... إن حالتهُ يُرثى لها ، حتى إنني قبل ساعة من الآن كنت عندهُ في المنزل ووصل الأمر إلى إنهُ بكى وطلب مني أن أساعدهُ بأي شكل من الأشكال !
- وكيف يمكننا أن نساعدهُ يا أبتاه ؟
- لا أعرف حقاً يا بُني .. الأمر يُقلقني كثيراً وأشعر أن رأسي توقف عن التفكير !
- وما رأي الطبيب في أمرها ؟ أعني هل إن هناك أمل في أن تعيش هذه الفتاة ؟
- نعم .. في حالةٍ واحدة ، وهي أن تُرفع الكلية المعطلة وتُبدّل الأخرى الضعيفة بواحدةٍ سليمة ، وهذا يعني إنهُ يجب أن يكون هناك شخص متبرع بكليته !
مشى منتظر قليلاً ثم التفت نحو أبيه وقال :
- سأكون أنا ذلك المتبرع !
- ماذا !؟ لكن يا بُني .. ما الذي تقوله ؟ أنت مازلت شاباً و ......
قاطعهُ منتظر قائلاً :
- ولأنني شاب إذن فأنا أملك القوّة والحيوية التي تمكنني من العيش بكلية واحدة كما ستعيش تلك الفتاة إن شاء الله .
- لكن يا بُني .. إذا كنت تستطيع إقناعي بهذا الكلام فهل ستُقنع والدتكَ بهِ !؟
- اترك هذا الأمر لي يا أبا منتظر ! سيكون كل شيء على ما يرام بإذنه تعالى .
وفي الصباح كانت أسرة الحاج أبو منتظر قد اجتمعت حول تلك المائدة المتواضعة وبينما كانت الأم تصب الشاي في الأكواب صار زوجها يسرد لها قصة زميله المسكين وحالة ابنتهِ المريضة .. بدأت أم منتظر بالتفاعل مع حالة تلك الفتاة خاصة إنها قد ذهبت لزيارتها ورؤيتها عدّة مرات خلال زيارات الأب – أبي منتظر – الى بيت صاحبه أبي ملاذ .
توقفت عن صب الشاي وصارت تمسح دموعها التي حاولت جاهدةً أن تُخفيها لكنها لم تستطع ... لقد كانت مُرهفة الإحساس وذات قلب رقيق وحسّاس جداً وكان منتظر يشابه والدته كثيراً في هذه الصفة بالذات .
استغل منتظر تفاعل والدته مع قضية ملاذ فبادرها قائلاً :
- وأنا سأكون المتبرع يا أم منتظر !
- ماذا ... ما الذي تقولهُ يا ولدي ؟
- وهل أترك الفتاة تموت هكذا يا أماه .. ! ومن ثم إنني بصحةٍ تامة وعالية ولا أظن ان التبرع بإحدى كليتي سيؤثر عليَّ بالدرجة التي تخيفك هكذا .. !
حاولت الأم ولتعلقها الكبير بمنتظر أن تثنيه عما عزم عليه محاولةً
إقناعهُ بأن الله لن يترك هذه الفتاة وسيرسل لها من يساعدها .
قال منتظر :
- ولماذا لا أكون أنا من أرسلهُ الله لإنقاذ تلك الفتاة ؟
ثم ما كان منه إلا أن أكمل كلامهُ بمزيد من الثقة بالنفس :
- إذا سمح لكِ قلبك وضميركِ يا أُماه على ترك الفتاة المسكينة ووالدها بهذهِ الشدّة فإنني لا يسمح الدين الذي ربيتماني عليه ولا الأخلاق التي زرعتماها فيّ أن أترك رجلاً مسلماً يغوص في بحر القلق والحيرة هكذا وأنا أقف لأتفرج !
هنا أطرقت الأم برأسها إلى الأرض ثم نظرت إلى ابنها وقالت :
- إمضِ بما عزمت عليه يا ولدي ، وليحفظك الله أنت وتلك الفتاة .
إتجّه الأب مسرعاً نحو جهاز الهاتف ليزف البشرى لصاحبه ، وفعلاً أخبرهُ بالأمر وبما عزم عليه ولدهُ الأكبر منتظر ، وأخذ موعد لزيارته هو وابنه للإتفاق على الأمور القادمة .
كان الرجل وابنته قد هيّئا نفسيهما لاستقبال الضيفين وكانت ملاذ تنظر إلى الساعة بترقب ، سألت والدها قائلة :
- هل إنك متأكد يا أبي إن الأمر كما شرحتهُ لي .. ؟ ألا يمكن أن تكون قد فهمت قصدهُ خطأً .. ؟!
- ماذا تقولين يا ملاذ .. صدّقيني إنهُ قال إن ابنهُ منتظر قد عزم على
التبرع بكليته وسيأتي ليقول لكِ ذلك بنفسه .
- لكن يا أبي .. إن ذلك الشاب لم يَرَني يوماً ، فمن أين عرفني وصار لديه ذلك العزم على مساعدتي ؟
تبسّم الأب ثم قال :
- وهل المساعدة تحتاج إلى أن يراك وتريه ؟ هل يريد أن يخطبكِ أم يساعدكِ يا فتاة !
ضحك الإثنان وقطع ضحكهما صوت طرقة خفيفة على الباب ، اتجهّت ملاذ بسرعة لفتحها ..
- آه .. أهلاً بالعم .. تفضل !
بادلها ابو منتظر السلام ودخل إلى البيت أما منتظر فقد كان يسير خلف أبيه بعد أن ألقى التحية على ملاذ التي شيّعته بنظرها إلى أن دخل إلى غرفة الضيوف حيث كان والدها ينتظرهما .
تسمّرت ملاذ في مكانها عند الباب الرئيسي للدار وهي تُحاكي نفسها :
- ما الذي يدفع هذا الشاب الوسيم بأن يُضحّي بحياته وشبابه من أجلي ؟!
في حقيقة الأمر كان منتظر شاباً ملتزماً ووقوراً حيث أنهُ تربى في أحضان والديه الذين