يسير ببطئ وسط الظلام الدامس, باستقامة يتوجه نحو الأمام. توقف فجأة في مكانه دون حراك, عبس قليلا على الوضع الذي هو فيه.
أغمض عينيه قليلا محاولا التركيز لمعرفة مكانه, فهذا السواد الشديد بدأ يؤذي عينيه الفيروزية. لفت إنتباهه صوت هادئ ولطيف بجواره, إنفك عبوسه وقد داعب هذا الصوت أوتار روحه الرقيقة.
فتح عينيه ليبدأ الظلام بالإنقشاع رويدا رويدا. جال بنظره ليجد نفسه فوق رمال شاطئ ذهبية. ورغم كون الوقت ليلا إلا أنها لا زالت دافئة, والأمواج هي الأخرى لازالت تعزف سيمفونيتها في هذا الليل. سماء صافية وقمر منير.. الفكرة وحدها تترك طعما حلوا ولطيف في قلب الفرد.. كطعم الوقوع في الحب.
رفع رأسه ليواج المحيط بأنظاره, لكنه وجد شيئا آخر شاذا للمنطق. تلك الحسناء التي وقفت فوق سطح الماء كأنه شيء طبيعي.
كانت تنظر ناحيته بوجه جامد, لا ملامح به. كأنها دمية بشرية. عيناها تشبه هذا المحيط حقا.. ليس في لونه بل عمقه. ورغم كون الظلام مسيطرا في الأرجاء, إلا أنه استطاع رؤية تفاصيلها بوضوح تام.
لفت نظره شيء آخر أيضا, لقد كانت تلك الغريبة عارية تقريبا, دون أي ملابس. لكن الشيء الذي تكفل بسترها كان..زهور!
زهور بيضاء جميل ساحرة, وكأنها ترفع رأسها في شموخ, وهي تتفاخر ببتلاتها البيضاء النقية.. كانت تدعي العفة والطهارة. ولكنها لم تكن غير البلادونا*
أعاد الغرابي نظره نحو تلك الفتاة. ولسبب ما بدت مألوفة له, غير كونها أصغر من أن يعرفها شخصيا.
ملامحها لم تتغير ولو قليلا, هادئة وجميلة في الوقت نفسه. نظر ناحية عينيها, تبادل معها النظرات لكنه لم يستط تمالك نفسه بعدها.
تسحبه ليغوص داخل محيطها, تسحب روحه بهدوء شديد. الكل يغرق داخل عينيها, وهو اعترف أنه منهم ما أن لمحها.. لكن في واقع الأمر, لم يوجد غريق غيرها هي!
في تلك الثوان التي تبادل فيها النظرات معها, وقبل استسلامه التام لها. هو استطاع رؤية لمحة لكل شيء.
رأى الدمار الشديد, صراعات عديدة والكثير من الحطام.. رأى الموت نفسه داخل عينيها. لكنها كانت ناعمة وأليفة, لا وجه متجهم ولا صراخ, حتى أنها تبعث السلام لمن يشاهدها.. كانت أيقونة له.
عينيها بلون جميل بالفعل.. أخضر عشبي ناعم. يشبهها كثيرا. وكانت ثوان هي حتى تفتح سد عينيها.
محافظة على تفاصيلها الدقيقة التي أسرته. كانت تبكي.. تبكي دماء قانية. ومن كل قطرة نزلت من عينيها نحو مياه المحيط أسفلها, إنبثقت منها زهرة جميلة هادئة, تجعلك بمجرد النظر إليها سعيدا, لكنه عرف ماهيتها.. زهور خانق الذئب*
أنت تقرأ
موسيقى عمياء
Romance"حِين أخْبرَتنِي أنّها قد وَجدَت في عيْنيَّ لوحَتهَا المفْقودَة، كنتُ قد أَقرَرتُ فِي دَاخِلي أنَّها سيمْفونيَّة روحِي المحبَّبة ..!" -لا أسمح بأي اقتباس أو سرقة. وأي تشابه في الأعمال ماهو إلا وليد الصدفة.