✿ قصة من عالم البرزخ ✿
♡ رحلة البقاء 2 ♡
🔻 الجزء 14 🔻أجاب الملك الأخر:
ــ الله لا يخفى عليه شيء في السماوات ولا في الأرض، سواء كنا معك أم لم نكن، فهو يعلم ما في نفسي ونفسك، وقد محى عنك الكثير مما ثبتناه عليك من الذنوب والخطايا، وأنسانا إياها لأنك تبت منها، إذ سترها عليك في دار الدنيا وفي الآخرة، ولا يعلم بها الآن أحد غيره.
ــ إذن فما وجه مرافقتكما لي مع أن الله يعلم كل شيء بدونكما؟
أجاب الملك:
ــ إن الله أراد أن نكون عليك حجة وشهودا على أعمالك ونياتك، كما إنه أبى أن يجري الأمور إلا بأسبابها، رغم قدرته على إدارة الوجود وحده.
أخذتني العبرة، وسالت دموعي أسفا على معصيتي لربي، ربي الذي ستر علي عيوبي وذنوبي التي تبتُ منها، وكم كان يناديني في القرآن، ويدعوني للتوبة، ويوعدني بالغفران والجنان، وستر الذنوب، وتبديل السيئات حسنات... لقد صدق ربي وعده ولم يخلفه.
توجه القاضي نحو الملك الرقيب، وطلب منه الاستمرار في الحديث، فاستجاب الملك، وقال:
ــ لقد استحضر سعيد ذكر الله تعالى في قلبه، ولكنه أيضا تخيل نفسه يجلس خلف طاولة إدارة المشاريع، والمهندسون حوله مجتمعون، فأحس حينها بسعادة ورغبة فيما تخيله، وقد كان ذلك أحد الحوافز التي دفعته القبول.
توجه القاضي إلى الملك الأخر، وسأله:
ــ هل كان لديه أيضا لحظة القبول قصد إصلاح وضع المشاريع، والحد من السرقات والفساد فيها؟
ــ نعم كان في قلبه ذلك أيضا.
ــ وما كانت غايته وراء قصده هذا؟ هل كان قصد إصلاح المشاريع خالصا لله وطلبا للآخرة، أم كان لأجل أن يُقال له أنه مهندس نزيه مخلص؟ أم لأجل أن يرضى عليه مدير شركته؟
كنتُ مندهشا من دقة السؤال والجواب الذي يدور بين القاضي والملك الرقيب الذي أجابه بقوله:
ــ كانت نسبة إخلاصه لله في لحظة الموافقة 71 ، اختلط معها حب الرئاسة بدرجة 42 ، وحب السمعة بدرجة 15 ، وارضاء مدير شركته بدرجة 31.
توقف الملك عن الكلام، فبادره القاضي بالسؤال منه مرة أخرى:
ــ وهل كانت هناك نيات أخرى في قلبه؟
أجاب الملك سريعا:
ــ نعم كان لديه طموح في زيادة راتبه أيضا.
ــ وكم كانت درجة هذه النية لديه؟
ــ أحد عشر درجة.
لم أكن أفهم ما يقصدوه من هذه الأرقام والدرجات، ولكني كنت مبهورا جدا من دقة الأسئلة وتشعبها، وقلت في نفسي الويل لي، هذه كلها عن لحظة الموافقة على تحمل مسؤولية إدارة المشاريع، فكيف سيكون الحساب إذن على ساعات وأيام ما بعد تولي هذه المسؤولية؟!
لم ينتهي بحثهم حول اللحظة المشئومة، إذ عاد القاضي يسأل ولكن هذه المرة مني، إذ توجه نحوي، وقال:
ــ ماذا كان هدفك من زيادة راتبك حينما نويت قبول إدارة المشاريع؟ هل كنت تنوي صرف فرق الراتب في أعمال الخير؟ أم لتحسين معاش عائلتك؟ أم لشراء شيء ما كنت بحاجة إليه؟ أم ماذا؟
تحيرت في إجابته، وأنى لي التذكر للنوايا التي كانت لدي في موقف مضى عليه ما مضى! لذا أشرتُ إلى أحد الملكين وأوكلتُ أمر الإجابة إليه.
أجاب الملك بما أجاب..
واستمرت المحكمة في مرافعاتها، ودخل البحث فيها عن مسائل دقيقة للغاية من قبيل كيفية إدارتي للمشاريع، والتعامل مع المهندسين والعمال والفنيين، ومن قبيل حالات التكبر التي كانت تراودني، ورؤية أفضلية نفسي كمسؤول على غيري.
ودار البحث أيضا عن الأموال التي تم صرفها بإمرتي، هل كانت في موردها الصحيح أم بإسراف في بعضها، وهل تم إعطاء العمال والمقاولين حقوقهم بصورة كاملة وعادلة دون إفراط وتفریط. وفي كل ذلك كان هناك شهود على الأفعال، إذ شهدت الأرض على بعضها، وفي الأخرى ختم على فمي، ونطقت أعضاء بدني لتقول الذي تماهلتُ عن أدائه في الدنيا، ولم أعطه تمام حقه.
وأخيرا وبعد جهد جاهد، وعناء كبير، ومدة طويلة دامت سنين وسنين من الألم والحرقة، تجاوزتُ عقبة المسؤولية، وسُجلت الي نتيجتها الأخيرة لتضاف مع نتائج العقبات السابقة واللاحقة، إذ على ضوء مجموعها سيكون الحكم النهائي، وتحديد مصير كل إنسان أهو للجنة والنعيم، أم للنار والعذاب الأليم…
وتلت ذلك عقبات كثيرة في الطريق كان علي المرور في بعضها، والمكث في الأخرى، حتى وصلت إلى عقبة الحج والعمرة، ولم تكن لدي مشكلة كبيرة فيها، إذ كنتُ قد أديت مراسمهما بعد التوبة إلى الله، كما إني كنتُ دقيقا في تطبيق أحكامهما، وجعلتُ حينها سفري إلى مكة مفر هجرة إلى الله.
فوجئت برؤية أحد رفاقي الذين كانوا معي في مقر الحج وهو بحال سيئ جدا، إذ كان يتلوى ألما، وتحرقه الحسرة والندامة. اقتربتُ منه، وناديته باسمه:
— حامد، ألستَ أنتَ حامد الذي رافقني في سفري إلى مكة والمدينة؟
التفتَ نحوي وهو في حالة يُرثى لها، يبكي مرة، وينظر لي أخرى، ثم قال متلكئا في كلامه:
— نعم أنا هو حامد الذي تراه أمامك، ليتك تساعدني وتنجيني مما وقعتُ فيه. إنهم يقولون این جزائي سيكون مئة عام في نار جهنم، فكيف بي وأنا لا أطيقها لحظة واحدة!
— لكنك أديتَ واجبات الحج معي، فلماذا هذا الجزاء؟
أجاب، وهو في حالة يأس وانكسار شديد:— كان بإمكاني الذهاب للحج في سن الخامسة والعشرين من عمري، ولكني لم أسعى إليه حتى تجاوز عمري الأربعين.
— ولكنك ذهبتَ في سن الأربعين؟
— صحيح ذلك، كنتُ أعتقد جهلا كما يعتقد أغلب الناس أن الحج لا يجب على الشاب، وأن لديه الخيار في تأخيره إلى أواخر عمره. وعندما أخبرني أحد أصدقائي في وقتها بوجوب الحج علي، وعدم جواز تأخيره، تماهلت فيه، ولم أسعى لتأديته.
جرت دموع الحسرة منه، وارتفع صوت بكائه، فسألته:
— وماذا حدث الآن؟
— الآن تبين لي أثر هذا التقصير، وأن التأخير والتماهل مع الاستطاعة معصية.
— ولكن ليس كل من كان يسعى للحج
يحصل عليه.
— إن هذا العذر لم ينفعني هنا، إذ كان يجب علي الحد الأدنى، وهو السعي له بمجرد التمكن واحتمال الحصول عليه، سواء بالقرعة أم بغيره(1).
تمسك بأطرافي متوسلا بي علني أنجيه من مأزقه الذي فيه، ولكني تركته، فماذا بوسعي أن أعمل له، ويكفيني الذي أنا فيه.هل سينتهي سعيد من العقبات ومن المحاسبة وما الذي سينتظره.. هذا ما سنرويه لكم غدا..؟
فانتظرونا غدا مع الجزء 15 ان شاءالله تعالى من على #صفحة_منازل_الاخرة
ــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظت الكثير من شباب مجتمعنا الأسلامي سواء من الرجال أو النساء لا يبادرون بتسجيل أسمائهم في بعثات الحج، رغم قدرتهم الصحية والمالية، وعدم وجود مانع يمنعهم من الذهاب، وسبب ذلك أنهم لا يعلمون بوجوب الحج الفوري عليهم عند تمكنهم منه، وهذا خطأ فادح في لفهم وجهلا بالحكم، إذ إن فقهائنا يوجبون السعي للحج على البالغ من النساء والرجال، ويقولون بـ: ( وجوب الحج بعد تحقق شرائطه فوري، بمعنى وجوب المبادرة إليه في العام الأول من الاستطاعة، ولا يجوز تأخيره ).
.
🌹 يحق اخذها لكل من يرغب باعادة نسخ ونشر القصة ولكن لا نجيز حذف اسم #صفحة_منازل_الاخرة من القصة او الصورة 🌹
أنت تقرأ
رحلة البقاء ٢
Spiritualتكملة قصة سعيد ماذا سيكون حال الناس وماذا سيحصل لسعيد؟ هل سيأخذ بحقه من جمال؟ هل ستغفر له زوجته تقصيره بحقها كيف ستكون حالة امه عندما يراها؟ ماذا سيرى؟ تابعونا 🧐