✿ قصة من عالم البرزخ ✿
♡ رحلة البقاء 2 ♡
🔻 الجزء 24..توقفت عن الدعاء، وألقت بنظراتها العميقة نحو جمع الناس العظيم، وكأنها عرفت سرائرهم وأحوالهم، ثم عادت لتناجي الرب العظيم، وتقول: (الهي وسيدي، سميتني فاطمة وفطمتَ بي من تولاني وتولى ذريتي من النار، ووعدك الحق، وأنت لا تخلف الميعاد).
جاء النداء من العلي الأعلى أن: (صدقتِ يافاطمة إني سميتكِ فاطمة، وفطمتُ بكِ من أحبكِ وتولاكِ وأحب ذريتكِ وتولاهم من النار، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد، يافاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني، لقد آليتُ على نفسي من قبل أن أخلق السماوات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار(1). یافاطمة قد أوكلتُ أمر هؤلاء لكِ لتشفعي فيهم فأشفعكِ، حتى يتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقعكِ مني، ومكانتكِ عندي. يافاطمة من قرأتِ بين عينيه مؤمنا ومحبا فخذي بيده وادخليه الجنة)(2).
أقبلت فاطمة وسط الجمع، وهي على نجيب من نور، وقد أحاط بها من كل جانب سبعون ألف ملك أقبلت وجبرائيل عن يمينها، وميكائيل عن شمالها، وعلي أمامها، والحسن والحسين ورائها، ثم نادى مناد فينا أن غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد، إذ لا طاقة لكم على تحمل نورها، فما بقي أحد منا إلا وغض بصره، وأغمض عينيه.
بدأت فاطمة تلقط شيعتها ومحبيها من النار كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء، تلاها علي ثم الحسن، ثم الحسين، حتى أصبحت أعدادنا كبيرة جدا، وكنتُ أنا أحدهم، نعم، كنتُ ممن التقطتني فاطمة بشفاعتها.
قادتنا ملائكة الرحمن، وأخرجونا من النار، وتركنا ورائنا جمع كثير من الناس يصطرخون ويستغيثون، مرة للزهراء يلتمسون، وأخرى بأبيها يتوسلون، وآخرين لعلي يطلبون، ويقولون: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)، وآخرون يئسوا من الشفاعة، فراحوا يتمنون العودة للدنيا، لا لشيء إلا لأن يكونوا من المتمسكين بثقل الولاية، إذ كانوا يقولون: (فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)..
لا أكاد أصدق أننا خرجنا من جهنم، نعم، خرجنا منها وحال أكثرنا بأسوأ ما يكون، فهو كالحمم والفحم، لذا ذهبوا بنا إلى نهر يُقال له نهر الحياة، يُرش عليه من ماء الجنة، فألقينا أنفسنا فيه، حينها زالت عنا كل آثار النار والعذاب، وخرج الواحد منا كالبدر في ليلة تمامه، ولكن مكتوب على جباهنا جهنميون(3).
سرنا مع الملائكة بأمر فاطمة، حتى وصلت جنة الفردوس، فاستقبلتها هناك اثنتا عشرة ألف حوراء لم يستقبلن أحد قبلها ولا بعدها إكراما لها، معهن خمسون ألف ملك على نجائب من ياقوت، أجنحتها من اللؤلؤ الرطب، وزمامها من الزبرجد، عليها رحائل من در، وعلى كل رحل وسادة من سندس... كل ذلك كان لأجل قدوم فاطمة!
ثم غادرتنا بنت خاتم الأنبياء عند حدود الجنة، وغادر كل هذا الحشد العظيم معها، فعلمنا أن الإستقبال لم يكن لأجلنا، بل لأجلها، ولمنزلتها العظمى عند الله. غادرتنا بعد أن تركت في قلوبنا العشق لها، وكل واحد منا كان يشعر بالمنة العظيمة منها عليه.
تقدمنا أكثر نحو الجنان برفقة الملائكة ودلالتهم، وخلال مسيرنا هذا طرق سمعي تلاوة أحد المؤمنين ممن كانوا معي، فأصغيتُ له إذ كان يقول:
— (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ).
مررنا في الطريق على عين ماء كبيرة توقفنا عندها، وأمرونا بالاغتسال من مائها، فقذفتُ بنفسي فيها، وطرتُ فرحا حينما باشر مائها بدني بعد حر الوادي ووهج النار فيه، وأحسستُ بخفة الثقل علي بعد طهارتي وتغير لون وجهي وحسنه، إذ ازداد بهجة وسرورا حتى خرج في أحسن صورة وأتم نور، مستعدا لجوار الله تعالى في جنانه.
انطلقنا إلى العين الأخرى وإذا بمائها يضيء من تلألؤ الحواري التي كانت واقفة على جوانبها. تقدمتُ نحو إحداهن لأتناول الكأس الذي كانت تحمله، فقلتُ لها وقد أدهشني جمالها، وحسن هيئة الإناء الذي بيدها:
— من أنتِ؟
قالت، وكلامها يسيل بالعذوبة والأدب:
— أنا حورية خلقني الله من سعيك في الدنيا لتطهير نفسك رغبة في لقاء ربك.
— ولكني لم أتمكن من تطهيرها كما ينبغي وكنتُ في دنياي متحسرا على ذلك عندما أرى أولياء الله سبقوني في القرب والمقام.
تبسمتُ، ثم قالت:
— لا بأس عليك، فقد شفع لك شخص أسمه مؤمن، ورُفعت درجتك إلى درجات المتطهرين بعد أن قبل الله شفاعته فيك، وها هو كأس الطهارة اشربه لتنال مرتبتهم في القرب والمقام.
فرحتُ كثيرا عندما سمعتُ منها اسم صديقي مؤمن، وتمنيتُ اللقاء به لا لشيء إلا لأشكره على ذكره لي، ووفاءه بوعده معي، إذ قال لي ونحن في ساحة المحشر انه سوف لن ينساني، وانه سيشفع لي في المواطن التي يمكن له فيها ذلك. أنني لا أنسى فضله علي في دار الدنيا، إذ أخذ بيدي وزرع فيها بذرة الإيمان، وسقاها وهي في قلبي حتى نمت وكبرت فأصبحت جزء من روحي التي بين جنبي.
شربتُ من كأس ماء العين الذي بيدها..
سبحان الله! ما أعذب هذا الشراب وألذه، وما أعظم أثره على نفسي،إذ لم أتذوق من قبل شرابا مثله، ولم أجد طعما أفضل من طعمه، كما إني أحسستُ بعد تناوله بطهارة قلبي من كل رجس وغل وملكة لا تليق بمقام القرب من الله…ماذا اعد لسعيد بعد ان طهرت روحها واعتق من النار.. هذا ما سنرويه لكم غدا..؟
فانتظرونا غدا مع الجزء 25 ان شاءالله تعالى من على #صفحة_منازل_الاخرة
ـــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار/ج27/ص140: (... فيوحي الله عزوجل إليها: يافاطمة سليني أعطك، وتمني علي أرضك، فتقول: إلهي أنت المنى وفوق المنى، أسالك أن لا تعذب محبي ومحبي عترتي بالنار، فيوحي الله إليها: يافاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السماوات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار ...)
(2) كشف الغمة في معرفة الأئمة/ج2/ص91: (عن أبي جعفر(ع) قال: لفاطمة(ع) وقفة على باب جهنم ... فتقول: الهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد، فيقول الله عزوجل: صدقتِ يافاطمة، إني سميتك فاطمة وفطمت بكِ من أحبك وتولاك واحب ذريتك وتولاهم من النار ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد، وإنما أمرت بعبدي هذا في النار لتشفعي فيه فأشفعك فيتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقعك مني ومكانك عندي فمن قرأت بين عينه مؤمنا أو محبا فخذي بيده وادخليه الجنة).
(3) عوالي اللئالي/ج1/ص123: ( قال رسول الله(ص): ان أهل النار يموتون ولا يحيون، وان الذين يخرجون منها وهم كالحمم والفحم، فيلقون على نهر يُقال له الحياة أو الحيوان، فيرش عليهم أهل الجنة من مائه فينبتون، ثم يدخلون الجنة وفيهم سيماء أهل النار، فيقال هؤلاء جهنميون، فيطلبون إلى الرحيم عزوجل إذهب ذلك الأسم عنهم فيذهبه عنهم، فيزول عنهم الإسم، فيلحقون بأهل الجنة).
.
🌹 يحق اخذها لكل من يرغب باعادة نسخ ونشر القصة ولكن لا نجيز حذف اسم #صفحة_منازل_الاخرة من القصة او الصورة 🌹
أنت تقرأ
رحلة البقاء ٢
Spiritualتكملة قصة سعيد ماذا سيكون حال الناس وماذا سيحصل لسعيد؟ هل سيأخذ بحقه من جمال؟ هل ستغفر له زوجته تقصيره بحقها كيف ستكون حالة امه عندما يراها؟ ماذا سيرى؟ تابعونا 🧐