البارت ٤

105 10 2
                                    

✿ قصة من عالم البرزخ ✿
♡ رحلة البقاء 2 ♡
🔻 الجزء الرابع 🔻

تمعنت فيه جيدا، وقلت له مترددا:
ــ هل.. هل أنت عملي الصالح؟
ــ نعم.
كادت روحي تحلق من فرحة لقائه، فعانقته طويلا، ثم نظرت إليه مستغربا تغير صورته عما عهدتها عليه، وقلت له:
ــ أرى صورتك وهيئتك قد تغيرت، وهي ليس كما عهدتها يوم كنت معي في عالم البرزخ! أجاب، وقال:
ــ في البرزخ كانت تظهر بعض تجسمات حقائق أعمالك، وكنت أنا خلاصة لها، أما في عالم القيامة فتظهر جميع أعمالك، ودقائق إحسانك، وملكاتك التي كانت معك في الدنيا، أما قرأت في القرآن: ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ).
ــ إذن يبدو من كلامك أنني سألاقي الكثير من تبعات أعمالي السيئة ومصائبها.
ــ نعم ياسعيد، ومما يزيد الطين بلة أن القيامة ليست كالبرزخ، إذ لم يبق مخلوق في الدنيا حتى يتصدق نيابة عنك، أو يذكرك بذكر أو دعاء، بل تلاشت الدنيا وما فيها، وأنت الآن في نشأة أخرى لها نظامها الخاص بها، وقوانينها التي تميزها عن غيرها، وهذه القوانين الجديدة مما لم ترها من قبل، بل لم تكن قادرا على تخيلها أن سمعت عنها...
اربعون عاما مضت وحالة اغلب من في المحشر سيئة للغاية، إذ زادت حرارة الشمس باقترابها، ولشدة حرارتها أصبح العرق يجري من أبداننا جريان الماء من مصباته! أما الأرض فتكلمت، وأخبرت من في المحشر أنها أمرت بعدم السماح لعرق العباد أن ينفذ فيها، مما زاد ضجيج أهل المحشر واستيائهم.
واشتدت حرارة الشمس أكثر وأكثر بركوبها فوق رؤوسنا، وهي ليست كشمس الدنيا، بل أشد وأقسى ونتفذ أشعتها إلى الأعماق، ولا يمكن التستر أو التهرب منها. أما الأرض فقد تمسكت بأمر ربها، وبلغ العرق لدى البعض منا حتى قدميه، ومنهم من بلغ ساقيه، ومنهم من بلغ بطنه، والبعض الأخر إلى رقبته، وازداد الصراخ والعويل وما من مغيث...
خطر على فكري أمر الشفاعة، ولكن شفاعة في هذا الوقت ولجميع أهل المحشر تحتاج إلى شفيع يكون أهل لها، وذي درجة عالية من المنزلة والقرب من الله.
ويبدو أني لست الوحيد الذي طرق فكري هذا الأمر، إذ رأيت أهل المحشر يتوجهون إلى ذوي الأنوار المشعة، فاتجهت أنا أيضا نحو أحدهم، وطرحت عليه أمر الشفاعة لنجاتنا من هذا الموقف، فقال:
ــ أنت تعلم أنني لست ذا درجة عالية في المقام حتى أتمكن من الشفاعة لنفسي، فضلا عن غيري.
ــ وماذا نفعل، وإلى أي وجهة نتوجه؟
ــ علينا بالأولياء المخلصين.
قلت له مستغربا:
ــ ألست أنت منهم؟!
كأنه تحسر على أمر ما، ثم قال:
ــ إنني من الأولياء المخلصين لله، وأعلى من مقامي الأولياء المخلصين الذين استخلصهم الله لنفسه بعد أن رأی صدق إخلاصهم له.
انطلقنا مع هذا الولي وجمع غفير معنا إلى أحد أولياء الله المخلصين...
كنت ألاحظ خلال مسيرنا ما تبقى من أهل المحشر، فرأيت ذوي الأبدان العارية، والصور القبيحة، لا يتجرؤون على الذهاب معنا، بل الشدة خجلهم وذهاب ماء وجههم نکسوا رؤوسهم، وبعضهم من ذوي الدرجات السفلى لا يتمكنون من القيام، فضلا عن المسير، فتراهم قد غرقوا في عرق أهل المحشر، وهم في كل مرة يخرجون رؤوسهم ثم يدخلونها، وهذا هو حالهم، وأول مراحل عذابهم.
اقتربنا من أحد أولياء الله المخلصين، إذ دلنا عليه نوره المشع الذي طغى على أنوار الأولياء الذين كنا برفقتهم. دنونا منه أكثر وأكثر حتى بان بياض وجهه، وتألق ضياء صورته، وهيبة وقفته و ..
يا إلهي!.. ماذا أری! أحقيقة هو أم خيال!
توقفت عن التقدم نحوه، فالتفت لي ولي الله الذي أتيت معه، وقال:
ــ ما الذي حدث؟ أراك مندهشا، مستغربا، مضطربا!
أجبته بدموع جارية:
ــ انه مؤمن، إنه صديقي مؤمن، إنه..
آه، بأي وجه سألاقيه، وبأي مقام أتقابل معه، لا، لا أريد..
أراد الولي أن يهون علي موقفي، فقال:
ــ إنك بحمد الله على صورة إنسان، وعليك لباس التقوى يسترك، فماذا تقول في غيرك ممن تخلفوا عنا من أهل المعاصي والذنوب؟
نظرت إلى بدني ولباسي، وقلت الحمد لله على كل حال، ولولا هداية ربي لكنت أسوأ من ذلك.
نظرت إلى مؤمن مرة أخرى، وتطلعت إلى بهاء وجهه، ورأيت عرق أهل المحشر لم يغط سوى قدميه، وجزء يسير من ساقيه.
يا إلهي إنه يتقدم نحوي، لا بد أنه قد علم بقدومي، ماذا أفعل، آه، إنه يقصدني ولا يقصد غيري، نعم، ها هو يقف أمامي...
عانقني وضمني إلى صدره، وقال:
ــ لا يا سعيد، لماذا تهم بالهرب مني؟ ألست أنا الذي أدخلتك خيمة الإسلام في الدنيا بعد أن رأيتك أهلا لها؟ ألست أنا الذي رافقتك، وما تخليت عنك عند فراقك الدنيا ونزولك في منزلك البرزخي، كيف أتخلى عنك الآن، ألم يقل الله تعالى في قرآنه: ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ )، وأنا وأنت بحمد الله من المتقين، رغم اختلاف مقاماتنا، وان شاء الله تعالى سأشفع لك في مواضع عدة، لترفع من مقامك الذي أنت عليه الآن.
كنت أنصت لكلامه والعبرة تحرقني والدمعة تغلبني، وكلما نطق بكلمة يعظم بكائي، ويشتد تقاطر دموعي. أمسك بي وأوقفني بجنبه ليتحدث مع أولياء الله بعد أن طرحوا عليه أمر المأزق الذي يمر به أهل المحشر، فقال:
ــ أن أمرا كهذا لا أتمكن منه، وقد طرحته مع أمثالي في المقام، واتفقنا على أن ننطلق إلى أهل مقامات الرضا، الذين هم أعلى درجة منا، ونرى ما يمكن لهم أن يفعلوه.
طلب الحاضرون مرافقته، ولكنه تعذر وقال:
ــ إن المقامات التي سوف ننطلق إليها ليس من الهين وصولها إلا لأمثالي في الدرجة والمقام، وسوف أبذل ما يسعني إن شاء الله لتحقيق ما طلبتموه مني.
انصرف الكثير من الحاضرين معي، ثم التفت مؤمن إلي وقال:
ــ ما من إنسان في عالم القيامة إلا وهو محتاج لشفاعة من هو أعلى منه في الدرجة والمقام، حتى الأولياء والأنبياء.
ــ وكيف ذلك؟ وهل هناك نبي يدخل النار، أو يتعرض إلى عذاب كي يحتاج إلى الشفاعة.
ــ الأنبياء على تفاوت في الدرجة، أما قرأت في القرآن: ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ )، فكل نبي منهم يحتاج شفاعة نبي أعلى منه كي يرفع درجته، لا أن ينجيه من النار أو العذاب.

ماذا سيفعل مؤمن لسعيد وهل سينال الشفاعة.. هذا ما سنرويه لكم غدا..؟
فانتظرونا غدا مع الجزء الخامس ان شاءالله تعالى من على #صفحة_منازل_الاخرة
.
🌹 يحق اخذها لكل من يرغب باعادة نسخ ونشر القصة ولكن لا نجيز حذف اسم #صفحة_منازل_الاخرة من القصة او الصورة 🌹

رحلة البقاء ٢حيث تعيش القصص. اكتشف الآن