الجزء السابع والعشرين

55 6 0
                                    

✿ قصة من عالم البرزخ ✿
♡ رحلة البقاء 2 ♡
🔻 الجزء 27 🔻

ودخلتُ جنتي..
وأي جنة ساحرة! وأين هي من جنات الدنيا، بل وجنات عالم البرزخ! دخلتُ ويرافقني على يميني ملك جميل المنظر، حسن الخلقة، ذو هيبة عظيمة، يأتمر بأمرته كل من تقدم أمامنا ومن تأخر عنا، فسألته من يكون فأجاب:
— إني مسؤول مملكة جنانك، خلقني الله تعالى لأكون تحت إمرتك مع كل هؤلاء الذين تراهم، والذين لم يأتوا معنا، وهم بأشد الشوق إليك، ويفتخرون بالقيام بخدمتك كل حسب وظيفته.
تقدمنا في المسير داخل الجنان، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، حتى وصلنا إلى أول قصر من قصورها، نظرتُ إليه فرأيته من فضة، مشرقا بالدر والياقوت، قد وقف على أبوابه الملائكة وحور العين الذين أظهروا اشد الترحيب بنا، وطلبوا منا النزول عندهم، حتى هممتُ بذلك، ولكن الملك الذي كان يرافقني أشار إلي وقال:
— ياسعيد، إن هذا القصر مُلكك، ولك أيضا ما هو أعظم منه أمامنا، فلنسري إليه.
قبلتُ كلامه، وانطلقنا حتى أتينا إلى قصر من ذهب مرصع بالدر والياقوت، فهممتُ بالنزول إليه، ولكن الملك أخبرني أيضا بأنه مُلكي، وهناك ما هو أعظم منه(1).
تابعنا مسيرنا ومررنا بقصور عديدة أخرى، حتى وصلنا إلى مشارف قصر في غاية من الجمال، يُرى باطنه من ظاهره، وظاهره من باطنه، ليس له حد في سعته، ولا نهاية في علوه، وما رأيتُ مثيلا له في جماله وعظمته عجبتُ كثيرا من ألوانه المشعة وقد مزجت بصورة رائعة خلابة، لتعطي منظرا ساحرا، وشعاعا منسجما مع ما حوله من الحدائق الخضراء، والورود ذات الألوان البهية.
لم يتركني الملك في حيرتي حينما رآني أتمعن في لبنة جدرانه، إذ قال:
— ان مواده من الذهب والفضة، والدر والياقوت، ذات الألوان المتعددة التي لم تكن لديكم في عالم الدنيا.
— آه، صحيح، إني أرى ألوانا لم تكن لدينا
في دار الدنيا، بل لم تكن تخطر من قبل على فكر بشر؟
تخلف عنا الحشد العظيم، ودخلتُ أنا وعملي الصالح والملك إلى حديقة القصر، تبسم عملي الصالح بعد ان شاهد القصر، تمعن فيه، ثم قال:
— ياسعيد، لقد كنتَ مهندسا في الدنيا، وذو خبرة عالية في تصميم الأبنية، فما رأيك بهذا القصر؟
توجهتُ إليه مبتسما، ثم أجبته:
— لو اجتمع عظماء مهندسي الدنيا على بناء غرفة واحدة من غرفه، ما تمكنوا، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
تجولنا قليلا في حديقة القصر، وكانت الورود تحيينا، وتغير من ألوانها بين الحين والأخر، وتطلق أنغاما موسيقية رائعة بحركة إزهارها ورنين أوراقها، يطرب لها سامعها.
توقفتُ عند احدها بعد أن رأيتها مسرورة جدا بقدومنا، وقبل أن أنطق بكلمة معها، قالت:
— أنا وردة خلقني الله قبل آلاف من السنين، وكنتَ أنتَ السبب في خلقي، فلك المنة علي أن أخرجتني إلى عالم الوجود!
سألتها مستغربا:
— وكيف كنتُ أنا سبب وجودك؟
قالت، وكأنها واثقة من كلامها:
— نعم أنت قضيتَ حقبة من الزمن في عالم الدنيا قبل آلاف من السنين، وصنعتَ بعملك كل ما تراه أمامك الآن، وهذا القصر العظيم أنت بنيته بعملك لبنة بعد لبنة منذ ذلك الوقت، وهذه الورود والأشجار والأنهار أيضا، وقد مضت آلاف من السنين ونحن ننتظر قدومك علينا، فكيف لا نسعد الآن، وقد أتيت بين أحضاننا، وكيف لا نخدمك وأنت سبب وجودنا.
توجهنا نحو شجرة لفتت نظري من بين
الأشجار، وتوقفتُ عندها، فبهرني جمالها وظلها الممدود الذي استظل به جميع مكان القصر وحدائقه وما فيها، فكان المناخ ذا عذوبة بالغة، ونور معتدل، لا تُرى فيه شمس ولا زمهرير. التفتُ نحو الملك، وقلتُ له:
— ما اسم هذه الشجرة؟
قال:
— إنها غصن من أغصان شجرة طوبی التي يمتد جناح ظلها على الجنان كلها. واصلها من رضوان، وماءها من تسنیم، وما في الجنة من قصر ولا دار إلا وفيه فرع منها.
قلتُ مندهشا:
— سبحان الله! إذا كان هذا غصن من أغصانها فكيف يكون أصلها؟!
قال:
— إن أصل شجرة طوبى في دار خاتم
الأنبياء ووصيه علي(2).
— وهل دارهما واحدة؟
— نعم إن منزل خاتم الأنبياء وعلي في مكان واحد من جنة عدن، عند قبة الرضوان، وهو منزل في غاية من العلو في الرتبة والمقام، والقرب من الله، وما قصرك هذا وجميع ملكك في مملكتك إلا كذرة من ذرات تراب جنة الخاتم وأهل بيته!
توقف الملك قليلا، ثم قال:
— من الأفضل أن نترك التجول في حدائق القصر إلى وقت آخر، وندخل الآن إلى غرفه، فان زوجتك علمت بقدومك، وقد بلغ شوقها إليك أقصاه، كما إنها أبت أن تخرج من خيمتها حتى تأتي أنت عليها، وتكون أول من يراها!
اشتد شوقي إليها، وعشقي لها قبل رؤيتها، وذلك لعظيم إخلاصها وطویل انتظارها لي، ولعلها كانت ترتقب قدومي عليها منذ آلاف من السنين.
دخلنا القصر، فكان على شكل غرف من فوقها غرف مبنية بالدر والياقوت والزبرجد، وسقوفها من الذهب محبوكة بالفضة، ولصفاء جدرانها وأرضها، كنتُ أرى صورتي فيها، ولكثرة أبوابها لم أحصها، وكان على كل باب من أبوابها ملك موكل به(3).
كانت في الغرف فرش مرفوعة بعضها فوق بعض، بطائنها من استبرق، وظاهرها من الحرير والديباج بألوان مختلفة،تفوح منها رائحة المسك والعنبر، وهي أخف من الريش وألين من الحرير.
تحركنا نحو غرفة في أعالي القصر كانت تشرف على كل حدائقه. سألتُ الملك عنها، فقال:
— إنها غرفتك، وستدخلها أنت دوننا، ولها من الميزات ما ليس لغيرها .
دخلتُ غرفتي بسم الله الرحمن الرحيم...

ماذا رأئ سعيد في غرفة جنته.. هذا ما سنرويه لكم بعد غد..؟
فانتظرونا بعد غد مع الجزء 28 ان شاءالله تعالى من على #صفحة_منازل_الاخرة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) [ ألف حديث في المؤمن ] للشيخ هادي النجفي/ص304 - 306: (.. فيقلن: مرحبا مرحبا ياولي الله انزلي بنا، فيهم أن ينزل بهن فتقول له الملائكة: سر ياولي الله فإن هذا لك وغيره. قال: ثم ينتهي إلى قصر مكلل بالدر والياقوت فيهم أن ينزل بقصره فتقول له الملائكة: سر ياولي الله فإن هذا لك وغيره.. فيأتي قصرا يرى باطنه من ظاهره وظاهره من باطنه، لبنة من فضة ولبنة من ذهب ولبنة من ياقوت ولبنة در، ملاطه المسك، قد شرف بشرف من نور يتلألأ، ويرى الرجل وجهه في الحائط..).
(2) شجرة طوبی/ج1/ص187: ( وقال(ص): ان في الجنة شجرة يقال لها طوبی، ما في الجنة دار ولا قصر ولا حجرة ولا بيت إلا وفيه غصن من تلك الشجرة، وأن أصلها في داري. وقال يوما أخر: وأصلها في دار علي بن أبي طالب، فقام عمر وقال: يارسول الله أوليس حدثتنا عن هذا وقلت أصلها في داري ثم حدثت وتقول أصلها في دار علي(ع)؟ فرفع النبي رأسه وقال: ياعمر او ما علمت أن داري ودار علي واحد، وحجري وحجر علي واحدة وبيتي وبيت علي واحد، ودرجتي ودرجة على واحدة، وستري وستر علي واحد).
(3) بحار الأنوار/ج8/ص158:( ... فقال علي(ع): يارسول الله أخبرنا عن قول الله عزوجل: " غرف مبنية من فوقها غرف " بماذا بنيت يارسول الله؟ فقال: ياعلي تلك غرف بناها الله عزوجل لأوليائه بالدر والياقوت والزبرجد، سقوفها الذهب محبركة بالفضة، لكل غرفة منها ألف باب من الذهب، على كل باب منها ملك موكل به، فيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير والديباج بالوان مختلفة، وحشوها المسك والكافور والعنبر...).
.
🌹 يحق اخذها لكل من يرغب باعادة نسخ ونشر القصة ولكن لا نجيز حذف اسم #صفحة_منازل_الاخرة من القصة او الصورة 🌹

رحلة البقاء ٢حيث تعيش القصص. اكتشف الآن