بين الجبال الشـــــاهقة وفي ساحة مخضرة بأقصى غرب السودان تحت ظل شجرة كثيفة الأوارق تعبث بها الرياح شمالاً وجنوباً، تجلس تحتها إمرأة كبيرة في السن بائسة يائسة لا تستطيع الهروب من تحت ظلها مُستلقية أسفلها طوال نهارها وكأنها في زنزانة إنفرادية عاجزة عن الحركة كأنها جثة هامدة لا تحرك إلا مقلتيها بالجـــانب الآخر هناك أطفال يمرحــون لا يأبهون لشمس السودان الحارقة وهم حفاة كأنهم فراشات يداعبون الزهر من زهرة لزهرة أخرى، وبمقربة من هذه الشجرة هناك مجموعة من النساء يجتمعن كالعادة لإحتساء القهوة تحت ظل "راكوبة من القش" صممت خصيصاً لمثل هذه الجلسات يظلون يثرثرون من الظهيرة حتى العصر بدون كلل أو ملل يـتناولون أطراف الحديث بكل ما يدور في البلدة من أحـــداث وعن المستجدات تارة وتارة أُخرى يتحدثون عن علاقاتهم الحميمية مع أزواجهم ويـــتفاخرون بفحـولة أزواجهم في العــملية الزوجية ومن ثــم ينتقلون إلى السخرية والنميمة والإستحقار من نساء الحي اللواتي يبغضوهن حالهن كحال معظم تجمعات نساء القرية الأُخريات، لك أن تُغمض عيناك وتتخيل المشهد وعقلك يجول بك في سماء إفريقيا وأرض السودان متنوعة الأعراف والعادات والقبائل والمجتمعات.