ها هي طفلة القرية التي كان حلمها أن تدرس يأتيها الحلم بحُلة جديدة وهو يرتدي ثوب مولود قادم, في شــــهرها التاسع تعامل كالملكة لا تفعل شيء حتى الأكل تطعم من قبل صديقتها بل أختها والأم الثانية لطفلها القادم فتقول مزدلفة ممازحة صديقتها : لا تكثري من الحركة أثناء غيابي عن المنزل فأنا لا أخاف عليك بل أخاف لإبني الذي يسكن بأحشاءُك, كل المنزل على هبة على لإستقبال هذا الزائر الجديد والكل يترقب متى ستــضع عرفة حملها لا يعرفون يومها بالتحديد ولكن يعلمون لم يتبقى لها سوى القليل قد تكون ساعات او أيام, أثناء جلوس العائلة كالعادة لمشاهدة التلفاز إذا بعرفة تصرخ من شدة الألم إنه ألم المخاط فهرعوا بها إلى مستشفى القابلات لتدخلها القابلة لغرفة العمليات وكل الأسرة تصطف خارجاً في إنتظار خروج القابلة لتزف الخبر السعيد وبالداخل عرفة تصرخ من شدة الألم لم تكن تعلم بمدى قساوة ألم الإنجاب فهي تسمع به ولكنها لم تتوقع أن يصل الألم لهذا المستوى تصرخ حتى يكاد سقف الغرفة يسقط عليها والطاقم الطبي, ها هو إبنها يخرج للحياه وهي فاقدة للوعي تستيقظ لتجد الكل يقف حولها يحدق بها كأنها ذهبت لعالم الأموات ثم عادت للحياة مرة أخرى بعد دقائق تستحضر إنها بالمستشفى وقد وضعت حملها لتقول لهم " ولدي وين ولدي وين " لتخبرها صديقتها ممازحة لها " ياسر شِلتو أنا وما حتشوفي تاني " يضحك الجميع وهم يقدمون لها باقات الورد والهدايا ويخبرونها إن طفلها بخير وأنه موجود مع الطبيب المختص يجري عليه بعض الفحوصات للتأكد من صحته وسيردونه لها, تدخل القابلة لتسلمها طفلها فتحضنه تكاد أن تخنقه من شدة الضغط عليه فلا أحد يدرى مدى حب أي أم كانت لأطفالها وخاصة عندما يكون المولود هو الأول لها , في الصباح غادروا المستشفى بعربة الإسعاف والصديقتان يتناوبان على حمل الرضيع لتخبر كل منها الأخرى وتلومها بأنها لا تعلم طريقة حمل الطفل الصحيحة لتقاطعهما والدة مزدلفة " يا بناتي انتو ذاتكم أطفال وعايزين زول يشيلكم " يصلوا المنزل ليجدوا بعض الخادمات قد أعدوا تجهيزات لإستقبال الملاك الجديد وضعوا سجادة حمراء بأطرافها الشموع والورود من مدخل المنزل حتى غرفة عرفة سجاد كأنه سجاد هوليود لتقديم جائزة الأوسكار للنجم الفائز,عرفة لأول مرة في حياتها تعامل كملكة وهي في مراسم التتويج, اصبح أمر الطفل هو الحديث الوحيد الذي يسود أرجاء المنزل سعيد الحظ وهو في يومه الثاني بالمنزل والهدايا التي أُحضرت له تفوق حجم غرفته التي أعدت له مسبقاً لحين أن يكبُر, مزدلفة ما إن تخرج للتسوق لا تعود إلا وهي محملة بالهدايا والألعاب, في اليوم السابع من ولادته مزدلفة المهوسة بالطفل تستدعى أبرز المُغنين بالعاصمة ليحي حفل تسمية المولود الذي أختير اسمه قبل أن يقدم للدار الفانية منذ شهره الرابع وحروفه تنحت بالخارج وهو داخل كيس لحمي مملؤ بالسوائل, أُقيمت مناسبة ضخمة تواصلت فيها الذبائح لثلاثة أيام دون توقف الأسرة تدعوا كل من في الحي ليشاركهم مراسم التسمية " السماية " السعادة تدوم لشهور بالمنزل في يوم عرفة تركت رضيعها بالغرفة وذهبت للمطبخ لطهو بعض الطعام فهي لا تحبذ طعام الخادمات لتتسلل مزدلفة لغرفتها وتأخذ ياسر دون علم والدته, فهن كثيرات المزاح الأم المسكينة تدخل غرفتها ولا تجد رضيعها تفقد صوابها و يتملكها القلق تصرخ وتطلب النجدة من كل أفراد المنزل للبحث معها عن صغيرها وأثناء بحثهم لاحظت إن صديقتها ليست كعادتها لم تقلق على فقدان الطفل كما هو معروف عنها فطلبت عرفة من الجميع التوقف عن البحث علمت بأنه مع صديقتها فتقول لها: " يا عواليق خلي هظارك البايخ دا عليك الله قطعتي قلبي ياخ رجعي لي ولدي " فتجيبها الأخرى: " يازولة ولدي وأنا شِلتو إنت ذاتك أم مهملة تخلي ياسر براه كيف " يتشاجران كعادتهما بعوفيتهما المعتادة لايمر يوم دون مزاح, إيقاع الزمن يزيد في وتيرته ها هو ياسر في الرابعة من عمره أربعة أعوام عاشها بين والدته الحقيقية وخالته مزدلفة وهو لا يدري من هي والدته الحقيقية لانهما كانتا تبادلانه نفس الحنان لم تشعرانه بأن هناك فرق بينهما ينام مع والدته وتارة مع أمه الروحية مزدلفة أصبح يحب المزاح واللعب مثلهما في يوماً اثناء لعبه بغرفة مزدلفة عثر على علبة مليئة بالألوان الزاهية ظنها إحدى الحلوى أو الشكولاتة التي إعتادت مزدلفة أن تجلبها له فأخذ العلبة الى الفناء الخلفي للمنزل دون أن يراه أحد ليلتهم كل ما في العلبة بكل شراهة كأنها أخر شيء سيأكله بحياته وعاد إلى الغرفة وكأنه لم يفعل شيء في الليل أثناء نومه والدته تتفقده كالعادة قبل نومها لمست جسده إذ تجده كالجمر وعاجز عن الحــــركة تماماً جن جنُـــونها تصـــرخ وتجول وتطرق على أبواب غرف المنزل باب تِلو الأخر وهي تحمله بين يديها كالجثة الهامدة وهي تردد " ولدي مات ياسر مات " كل الأسرة تقف بجانبها وهم عاجزون لا يعلمون ماذا يفعلون فهرعوا به إلى المستشفى وهم يرتدون ثياب النوم فلم يكن بوسعهم تغييرها, كل المتواجدين بالمستشفى يتهكم عليهم فمنهم من يرى إنهم أفراد أسرة منحلة أخلاقياً وهناك من يقول إنه حال الأغنياء والمتحضرون الذين يعتقدوا في التعري حرية شخصية ومن باب الموضة والبعض الأخر يحسن الظن بهم يضع لهم عذراً ان حالة مريضهم الحرجة هي التي جعلتهم يخرجون بهذا المنظر, قابلوا الدكتور بمدخل الصالة العامة واخبروه بحالة الطفل ليأخذه على عجل لغرفة الطوارئ ويستدعى جميع طاقم العمل بأن هناك حالة حرجة تستوجب الإنقاذ الفوري بعد ساعة خرج الطبيب من غرفة الطوارئ ليخبرهم إن الطفل قد تناول كم هائل من المركبات الكيميائية مما سبب له تجلط في الدم وشلل مؤقت في الجهاز العصبي وبعض التقرحات بالمعدة بالإضافة لضيق في التنفس والمواد التي تناولها تبينت لنا في الفحوصات إنها إحدى مستحضرات التجميل ولكن لحسن حظهم انهم أتوا به في الوقت المناسب لو تأخروا لساعة لكانت حالته قد تفاقمت ربما تصل للشلل الدائم يلومهم الطبيب بترك مواد التجميل بمتناول الأطفال فهم لا يعرفون إنها حلوى ام أشياء أخرى فكل ما يلمع وله ألوان جذابه ورائحة عطره يجذبهم , الأمر الذي جعل عرفة تخرج من طورها لتنفجر بالصراخ بوجه صديقتها مزدلفة وأمام الملأ " بقولها: عايزة تقتلي لي ولدي بكريماتك دي " مزدلفة لم تعرف بما تُجيبها للتدخل والدة مزدلفة وتطلب منهما الاثنتان التوقف عن الشجِار و ان الوضع لا يسمح بذلك ليتحدثوا عن الأمر لاحقاً بالمنزل غير إنهم بالمستشفى وهناك مرضى وأناس أخرون من الواجب إحترامهم بعدم إزعاجهم فيعم الصمت بين افراد العائلة صمت دام ليومين بالمستشفى والطفل بالعناية المركزة الأطباء يعملون بجهد من أجل إنقاذ حياته خرج طبيب ليطمإنهم ان الطفل قد أعُطي العلاج وهو يستجيب له بشكل جيد وإنه تجاوز مرحلة الخطر والأم المسكينة كأنها هي المريضة لم تعرف للنوم طريقاً ولا الأكل او الشرب كل وقتها تقف خلف بوابة العناية المركزة تراقب حالة طلفها عبر الزجاج وتسأل كل طبيب أو ممرض يمر بجانبها "دكتور طمني ولدي حيعيش ولا حيموت" حالتها يرثى عليها أصبحت محط أنظار كل المارة فتطلب منها والدة مزدلفة أن تتحلى ببعض الصبر ومزدلفة جالسة بالقرب منهم وهي حزينة ودموعها لم تتوقف شاردة عن الكون بتفكيرها.. كل هذا كان بسببي؟ لو وضعت المكياج بمكان آمن لما حدث كل هذا؟ في صباح اليوم التالي أخبرهم الطبيب بأن ياسر قد تعافى ويمكنهم الخروج من المستشفى مع الاستمرار في تناوله بعض الأدوية لحين أن يتعافى تماماً ويطلب منهم أن يضعوا مثل هذه الأغراض بعيداً عن متناول الأطفال, أفراد الاسرة يقومون بجمع أغراضهم التي أتوا بها .. ها هي العائلة على أعتاب البوابة وهم يغادرون المستشفى وياسر في أحضان والدته ومزدلفة تريد أن تأخذه لأحضانها وتضمه إلى نفسها إلا أنها تهاب عرفة بسبب الذي حدث بينهما في المستشفى وردة فعلها القوية التي لم تراها بها من قبل وصلوا إلى المنزل, عرفة تذهب لغرفتها وتغلقها عليها ليس لديها الرغبة في رؤية أحد او التحدث مع أحد فقط تريد الخلو بطفلها للإعتناء به الذي هو بمثابة روحها وأحد أسباب بقاءها على قيد الحياة طفلها الذي كادت أن تفقده لولا العناية الإلهية وإجتهاد الأطباء من أجل إنقاذه, تأتي مـــزدلفة وتطرق باب غرفتها بكل قوتها ولم تتوقف لفترة طويلة وتقول لـ عرفة لن اذهب لحين ان تفتحي لي الباب الأمر الذي يجبرها لفتح الباب لتعرف ماذا تــــــريد منها بــعد كــــل الذي حصل بسببها, صديقتها بكل إنكسار وحزن تطلب منها السماح وإن ما حدث لم يكن مقصود وتكرر إن الغلط غلطها ولكن كيف لها أن تتهمها بإنها تريد قتل طفلها فـياسر بمثابه طفلها هي الأخرى تظل صامتة ولا تجيبها فتعاود الحديث إليها مجدداً "يرضيك تكسري بخاطري وأنا جيتك مكسورة مقهورة " فتجيبها: " انا ما زعلانة منك بس خُفت على ولدي ياسر لو مات ما عارفة بالحصل لي شنو؟" مزدلفة: " ألعني الشيطان موت شنو قولي بسم الله ياهو ولدك حي وبين يديك " تبتسم عرفة وتزيل حاجز الزعل وتعطي ياسر لوالدته الروحية لتحضنه بعد أيام مليئة بالتوتر بين الصديقتين لتقول لها: "الدرس واتعلمناه وانا قررت ما استعمل اي مكياج تاني وللأبد عشان خاطر يسوري وخاطر أم يسوري ".
يتبع.....