مرت ثلاثة سنوات على وفاة موسى مرت على الأسرة أيام أليمة وقاسية الساعة فيها كالشهر والشهر كالسنة و الأسرة دون معيل إمراة أرملة وإبنتها تبلغ من العمر سبعة عشر عام و في قريه يسودها الجهل لا ينظــــرون للمرأة الأرمــلة والمطــــلقة سوى إنها كائن للمُتعة والعِــلاقات المُحرمـــة, طـــفلة الأمس تصبح في سن الزواج حسب عرف وتقاليد أهل القرية. فتقدم لوالدتها شاب من القرية أسرته ذات جاه وسلطة, يدعى محمود بطلب عرفة للزواج, الأمر الذي كان للأم بمثابة إنقاذ من غرق وشيك في ظل كثرة الحديث عنها وإبنتها بالسوء الأمر الذي جعلها حديث أهل القرية , فصديقات الأمس الذين كانوا عندما يحتسوا القهوة معاً ويتحدثوا عن الاخرين الآن أصبحت محط السخرية والحديث لديهم . مثل هذه الزيجة لا يمكن أن ترفض مهما كلف الأمر فوافقت الأم على الزواج دون علم إبنتها أو حتى وضع فرصة لتبديء عن رأيها بالأمر,الخبر الذي صدم عرفة وأدخلها في غيبوبة دامت لساعات, باباً آخر يغلق أمامها "الزواج يعني نهاية حلم الدراسة" قابلت والـــــدتها بالرفض الأمر الذي أغـــضبها فصفعتها حتى تورم خدها وقالت لها "انا اديت كلمتي وما بتراجع ما عايزة سفاهة وقلة أدب حقت بنات ..البنات القدرك هسه بأولادهم مافي قراية ليك تاني "حسم الأمر من جانب والدتها وحدد الزواج بعد شهر بدأ العد التنازلي وعرفة لا تدري ماذا تفعل حاولت الإنتحار عدة مرات إلا انها تتذكر قول معلمتها ((إن الحياة ليست لنا خلقنا الله من أجل هدف محدد ولكل إنسان هدف مهما ضاقت به سُبل الحياة ففرج قريب و الدنيا إمتحان كبير يا بناتي )) فتتراجع لتقرر الهروب من القرية ولكن إلى أين تذهب فهي لا تعلم مكان غير القرية تذهب إليه لتستسلم للواقع, موعد الزواج قد إقترب وهي للأن لا تعرف من هو زوجها ولا تعرف عنه شيء ولا أنتم إلى الأن تعرفونه !! محمود إبن الأسرة الغنية والمشهورة ما هو إلا عربيد وسكير تعرفه جميع القرى المجاورة من كثرة شجاراته معهم إلا إنه في القرية يتقمص شخصية الملاك السامي, العد التنازلي تسرع ثوانيه وموعد الزواج يقترب أكثر فأكثر ها هو اليوم المشؤوم قد حل أخيراً لتدخل عرفة طريقاً لا تعلم له نهاية ولا محطات توقف ولا حتى إلى أين يقودها في يوم جمعة ليس كبقية الجمعات إجتمعت القرية بكبارها وصغارها في ساحة الإحتفالات بمنتصف القرية للمشاركة في مراسم الزواج , العزف على الطبول والغناء يستمر لثلاثة أيام متواصلة, تم الزواج وها هي تسلم لزوجها يمر الشهر الأول وهما كالغرباء وفي الشهر الثاني تتحسن العلاقة بينهما يتحدثان يمزحان يخرجان مع بعضهما علاقتهما في تحسن ملحوظ إلا إنها تلاحظ بعض الغرابة في تصرفات محمود, يخرج ليلاً ويعود صباحاً أحياناً وعندما تسأله أين كان لا يجيبها لا تكثر معه الحديث ولا تريد التصادم معه ففي القرى لا يحق على الزوجة أن تسأل زوجها أين يذهب ومتى يعود وماذا يفعل, إلا انه في الحقيقة كان يذهب للقرى المجاورة لممارسة هوايته المحببة إلى نفسه "السكر والعربدة", في مرة خرج لعدة أيام ولم يعد وعرفة لاتعرف عنه شيء ولا تعرف من تسأل ذهبت لمنزل والدتها لتخبرها بالأمر,في صبيحة اليوم الرابع يتضح أن زوج عرفة دخل في شجار مع بعض الشبان في القرية المجاروة بعد تناولهم الخمر هو ورفاقــه فخرجوا عن طــــورهم فتقاتلوا وطُعن محمود في صدره وترك بمنتصف الطريق وهو غرق في دمائه بالقرب من مزرعة من مزارع القرية الأمر الذي أغضب أهل القرية وأُعتبر بمثابة تحدي لهم نسبة لخلاف أزلي معهم في المرعى الذي راح ضحيته والد عرفة ها هو كاد أن يقتل زوجها بنفس السبب إلا إن العناية الإلهية أنقذته وبعثت له بأحد المارة عثر عليه بمنتصف الطريق لولا ذلك لكان الأن في عداد الموتى دخلت أسرة محمود في قتالات عدة بين كر وفر مع القرية المجاورة راح ضحيتها أخيه وأبيه ولا أحد يعلم بحقيقة طعن موسى فكان سبب في دمار أسرته. إستمرت الخلافات بين محمود و القرى المجاورة يعتدي كل منهم على الآخر بين الحين والآخر في المزارع في السفر في كل مكان ..بعد وفاة والد محمود تولى مسؤوليات والده الأمر الذي لم يفلح في توليه بسبب إهتمامه بشؤونه مع القرية المجاورة للأخذ بتار أخيه وأبيه ولكنه لم يفلح كذلك عندها أيقن إن البقاء بالقرية أصبح شِبه مستحيل بعد الهزائم والخسائر التي يتلقاها فقرر الرحيل, أخبر عرفة بأنهم سيغادرون سوياً من القرية متجهين إلى الخرطوم وسيكون ذلك غداً في الصباح الباكر الأمر الذي أحزن عرفة كيف ستفارق القرية التي نشأت بازقتها الضيقة التي تحمل كل ماضيها بأحزانه وأفراحه وكيف لها ان تتعايش مع مجتمع لم تسمع به إلا في الحكاوي حيث لا يوجد لا أخ ولا أم ولا حتى أقارب ها هي الحياة ترسم لعرفة مصيراً جديداً, ذهبت وودعت والدتها وأخوانها وصديقاتها بالدراسة سابقاً ولم تنسى أن تودع معلمتها وهي تزرف دموع الحزن وكأنها تقول ماذا فعلت لتعاقبني هكذا ايها القدر؟ الم يكفيك أنك أخذت مني حلمي في التعليم ووالدي ها أنت الأن تأتيني بثوب جديد لتأخذ مني قريتي وأمي وأخواني, في الصباح حضر محمود وبرفقته أحد أصدقاءه في تمام الساعة الثامنة ودعت أسرتها وقريتها وكأنه الوداع الأخير لتتحرك بهم العربة وهي تترك كل تفاصيل حياتها خلفها تنظر كم هي القرية جميلة من الخارج فهي لأول مرة تغادرها تنظر في قريتها حتى إختفت تماماً خلف أشجار الغابة الكثيفة وأثناء رحلتهما كان الصمت والحزن هو عنوان الرحلة تائهين لا يعرفون ماذا تخبيء لهم الأيام ولا كيف سيكون حالهم في عالم أخر يسمى" بكرش الفيل" عالم لا يرحم فيه الضعيف عالم عبارة عن مجموعة من الناس تراهم ولكن لا تعرف إلى أين يذهبون او ماذا يفعلون, وصلوا أخيراً بعد رحلة دامت يومين من العناء والتعب والإرهاق حلو بإستضافة أحد أصدقاء محمود يسكن بأحد أحياء العاصمة العشوائية حي لايختلف عن القرية كثيراً سوى انه تكثر به الجرائم ليمكثوا مع هذا الشخص لعدة أيام, الفترة التي كان يبحث فيها محمود عن عمل بعد جهد وعناء تحصل على وظيفة بأحد الأحياء الوسطية ها هي الحياة تبتسم لهم مرة أخرى ولا يدرون متى تكــــشر عـــن أنيابها, أوضـــاعهم تســـير في الطريق الصحيح إستأجروا منزل بحي لا يروا فيه الناس إلا وهم خارجون للعمل أو قادمون منه بعد إنتهاء دوامهم لا أحد يعلم بحال أحد أو يكترث لأحد مسرعون دوماً في كل أمور حياتهم كأن العالم على مشارف النهاية تراهم في المواصلات والأسواق هرعون كأن اليوم أخر يوم لممارسة الحياة اليومية ما أن يحل الليل تجد الأسواق فارغة تماماً كالقرية الخاوية. عرفة ظلت أسيرة جدران المنزل يخرج زوجها صباحاً ويأتي مساءاً لا يوجد من يؤانسها أو يتحدث إليها رغم إنها لا تحب الحديث الى زوجها كثيرا إلا إنها في الفترة الأخيرة تغيرت بعض الشيء فوحدة المنزل جعلتها تتفقد زوجها عندما يعود للمنزل تكثر معه الحديث لتعرف تفاصيل يومه.. ولكن تخبئ لها الأيام مرة أخرى ما لا يسعدها بعد مرور شهور عدة زوجها ينجرف لنفس التيار القديم كما يقول المثل الشهير "إن المياه لا تنسى مجاريها " ها هو يعاود عادته القديمة السكر والعربدة بالإضافة "للبنقو" والإتجار به وأصبح يتعاطى كافة أنواع المخدرات ففي المدن الكبيرة دائماً من يكونون ضحايا المخدرات هم الفقراء والأسباب ترجع للظروف المادية والنفسية الصعبة التي يعيشونها كما ان هناك كتلة كبيرة من الشباب تتناول المخدرات لتخرج من عالمها المأساوي والدخول في عالم خيالي أكثر سعادة, محمود اصبح صعب المزاج لا يتحدث كثيراً ويفتعل المشاكل دون سبب وأحياناً ينام خارج المنزل يعود في اليوم الذي يليه إزداد سوءاً حتى أصبح يتطاول على زوجته بالضرب حين تسأله أين كان بالأمس أصبحت زوجته تهابه أحياناً عندما يعود إلى المنزل وهو ثمل تخاف على نفسها فتغلق باب غرفتها عليها حتى يستعيد وعيه وأحياناً يظل يضرب الباب يكاد أن يكسره وأصبح ينظر إليها من ناحية جنسية فقط ويعتبرها كائن للمتعة متى ما أراد إشباع رغبته الجنسية يأتي إليها هناك حقيقة عزيزي القارئ يجب أن تعلمها نحن كمجتمع في افريقيا والوطن العربي إن نظرتنا للمرأة دونية لا نراها سوى إنها بوق لتفريغ شهوتنا دون المراعاة لحالتها الصحية او الموانع الشرعية فالمرأة لدينا لا تستطيع الإبـــداء عن رغبتها لزوجـــــها بدعوته لممارسة الجنس أو الرفض,متى ما تتملكنا الرغبة فإننا نعاشرهن وإذا طــلبت الزوجة زوجها لممارسة حــقها الشرعي تعتبر عاهرة "شرموطة" في حـــين إن الحــــياة الزوجية تســتمد قدسيتها من التفاهم بين الزوجين فكم من إمرأة لا ترغب في جماع زوجها لظروفها الخاصة ولكن لا تستطيع رفض طلبه
يتبع.....