الفصل الثاني | المقبرة الزوجية 02

184 5 0
                                    


خرج محمود في أخر مرة لمدة دامت ثلاثة أيام دون أن تعرف الزوجة أين هو زوجــــــها, دون أن يتــــرك لـــها مــــال للطــــعام او المستلزمات المنــــزلية الأخــرى عرفة لا تعرف أحد بالحي تلجأ إليه لطلب المساعدة عند اليوم الرابع ضاق بها الأمر فخرجت إلى الشارع وهي تبكي لطلب المساعدة فصعب على إمرأة تعيش لحالها دون مأكل و مشرب أو حتى شخص بقربها جلست بإحدى المظلات بمقربة من الطريق العام وهي غارقة في دموعها أملاً في أن يأتي شخص يخفف عنها ويدلها على مكان زوجها أو يخبرها عنه شيء فتوقف عندها أحد المارة ذو القلوب الرحيمة, رأها تبكي بحرقة ولا يوجد شخص بقربها في بادئ الأمر خيل له إنها قد تكون تعرضت للسرقة أو ما شابه لأن مثل هذه الأمور شائعة بالعاصمة, فيسألها ما بك يا أخت؟ فتجيبه عن أمر زوجها المختفي وهي غريبة بالمنطقة ولا تعرف أحد هنا فأرشدها أن تذهب لقسم الشرطة للتبليغ عن غياب زوجها فكانت الصدمة الكبرى عندما دخلت قسم الشرطة , سلطان الحياة يقف ضدها مرة أخرى وجدت زوجها بالسجن أخبرها الضابط المسؤول إن زوجها قد قبض عليه ومعه جماعة أخرى بمنزل مهجور بالحي العشوائي المجاور للحي الذي يسكنون به وهم يقومون بتوزيع كمية كبيرة من المخدرات "البنقو" لغرض التجارة وانه الآن محتجز بإنتظار الحكم .. خيل لها إنه سيتم الإفراج عنه قريباً لتسأل الضابط سؤال عفوي متى سيخرج زوجي من السجن فأجابها وهو يضحك على سؤالها الطفولي ؟ إن زوجك يا سيدتي سيسجن لفترة لا تقل عن خمسة أعوام نسبة للكمية التي ضبط بها بعد خمسة أيام صدر الحكم وهي تجلس بين الحضور لاتفقه في لغة القانون شيء ولكن تدعي بكل حواسها أن يفرج عن زوجها بأقرب وقت ممكن ولكن نطق الحكم عليه بالسجن لمدة عشرون عاماً نسبة لسلوكه السيء الذي مارسه مع السجناء وتعديه بالضرب على أحد الجنود عندما كان يقدم له الطعام بالإضافة لتفوهه بكلمات سيئة عن الجهاز القضائي والقاضي .. إبن القرية يعتقد إنه بالقرية حيث نفوذ عائلتة الذي دائماً ما يخرجه من العقبات "كالشعرة من العجين ", لكم ان تتخيلوا حال عرفة بعد فقدان زوجها أصبحت الآن وحيدة لا تملك أحداً لا عن قريب أو بعيد وهي لاتفقه في المدينة شيء كان زوجها رغم سوءه إلا انه يوفر لها الأمان فهي الأن بلا عمل بلا زوج بلا أم بلا أب ولا اخ او أخت في مدينة كأنها من كوكب أخر ليس بكوكب الأرض وسكانه ليسوا ببشر, عليها أن تواجه صفعات القدر مرة أخرى في تحدي أكبر من ذي قبل جلست إلى نفسها فلم تجد حلاً سوى البحث عن عمل شريف يضمن لها حياة كريمة حتى تعرف طريق العودة لقريتها فهي لا تدري أين تقع قريتها سوى بين جبال شاهقة فهي لم تغادرها من ذي قبل ما عساها أن تفعل بنت قروية غير مثقفة شبه أُمية أصبحت تجول الطرقات والأمكنة بحثاً عن عمل فالكل كان يرفضها لشكلها القروي والبدائي ولكن لم تيأس لأن هذه المرة مستوى التحدى قد إرتفع أصبحت مناضلة من أجل البقاء حتى حصلت على عمل كخادمة في إحدى المنازل الفخمة وقع عليها الإختيار لأنهم كانوا لا يملكون خيار غيرها وإنهم بحاجة ماسة لخادمة ولم يعثروا على غيرها إذا تحصلوا على خيار أفضل لكانت الأن تبحث عن عمل في مكان ما ولكنه القدر يبتسم مجدداً ولكن وضعوا لها شروط ان تعمل على غسل الملابس بصورة جيدة لانهم ينظرون لملابسها المترهلة والمتسخة ويقيسون على ذلك وأيضاً أن تعمل على تطوير نفسها وتتخلى عن ملابسها القـــــروية لتواكب نمط المنزل , فقبلت بالشروط ووعدت سيدة المنزل بالعمل الجاد وإثبات جدارتها فقط لتمهلها شهراً واحداً فهي ليست الخادمة الوحيدة بالمنزل فهناك عدة خادمات بالمنزل أدناهم تتحدث الإنجليزية والعربية بطلاقة وذات أسلوب لبق يتماشى مع طبقة الأسرة والعصر الحديث ويجيدون التعامل مع كافة الأجهزة المنزلية الحديثة بالإضافة للطبخ الذي لا تعرف عنه البنت البدوية شيئاً ,تعلم جيداً عزيزي القارئ نحن في عصر أصبحت فيه لغة المظاهر تعتلى على المعرفة اللغة التي على أثرها تحدد قيمة الشخص فكم من أشخاص قبيحوا المنظر ولكن جوهرهم أسمى من أناس يركبون السيارات الفارهة وعقولهم ليس بها سوى الخرافات في زمان أصبحت تقدم فيه المظاهر على الخلق والدين والأمانة, عرفة ظلت تعمل بكل جد وإجتهاد, تأتي من منزلها التي تسكن به لوحدها في السابعة صباحاً لتعود في الحادية عشر مساءاً لاحظت بنت صاحبة المنزل تدعى مزدلفة إن عرفة عندما يطلب من نظافة الغرف والصالات عندما تعثر على الصحف القديمة لا ترمي بها إلى المزبلة بل تأخذها لتمعن وتدقق فيها النظر بعد إنتهاءها من عملها وفي وقت فراغها, مزدلفة تسألها هل أن انتِ تجيدين القراءة والكتابة فتجيـــبها "يعني" بمعـــــــنى إلى حـــد ما! مزدلفة : كُنت أظنك لا تجيدين القراءة والكتابة تتحدث معها لبعض الوقت لتخبرها بقصتها مع الدراسة الأمر الذي أحزن مزدلفة فأعجبت بقصتها وتريد أن تكتشف أمور أكثر عنها إذ ان الاغنياء دائماً ما تدهشهم الامور البسيطة لأنهم لم يمروا بمعاناة في حياتهم فإنهم أتوا إلى الدنيا وعلى أفواههم ملاعق من الذهب, فأصبحت تتحدث إلى عرفة كثيراً بمرور الأيام وفي كل يوم تعرف عنها شيئاً جديداً كأن عرفة كتاب شيق تقراءه كل يوم لتكتشف روعته أكثر كما إنها تـــحب المجــتــــــمع الريــــفي لــكي تتعرف على بساطتهم فهي تسمع عن القريون في القصص والأن أصبحت معها إحدى القرويات بالمنزل بمرور الوقت تعرفت على قصة عرفة كاملة بكل تفاصيلها ولحظاتها السعيدة والمريرة التي لقنتها لها الحياة فأصبحتا صديقتان فتدعو عرفة لغرفتها للحديث معها، ليـــــأتي أخِــر يوم للإخــتــبار لتــخبر صاحبة المنــــزل البنت القروية إنها قد أعجبت بعملها وإجتهادها الدائم في تطوير ذاتها وانها سريعة التأقلم وكما إن مزدلفة أخبرت والدتها بقصة الفتاة وقســاوة الحيــــاة التي مـــرت بها, فتـــــقول صاحبة المنزل إنه تم إعتمادها لتعمل بشكل دائم معـهم بالمنزل كادت عرفة أن تطير من الفرحة وأخبرتها أيضاً سوف تعطيها غرفة للسكن معهم في المنزل لأنه شاق على فتاة تعمل من الصباح لوقت متأخر من الليل أن تذهب لوحدها لتنام في منزل لحالها وليس معها أحد "لسان حال المجتمع لايرحم النساء "فزوجها ليس معها فيكثر عنها الحديث وتسوء عنها الظنون " مجتمع يظن أن كل إمراة تأتي ليلاً ما هي إلا مومس دون وضع أعذار لسبب خروجها ", الحياة تبتسم مرة أخرى ولكن عرفة يتملكها إحساس بأنها ستصاب بخيبة أمل أخرى فكم من سعادة عاشتها وكان بعدها هناك كوب أخر من الحنظل تتجرع منه طعم و مرارة الحزن والألم ودرس قاسي تتعلمه من الحياة, ها هي الأن تسكن مع الأسرة الغنية في غرفة مجهزة لها لم تحلم بها من ذي قبل ولم يخطر على مخيلتها بأنها سوف تسكن في مثل هذا المنزل من قبل , تمر الأيام عرفة ومزدلفة تصبحان كالأخوات تتسلل مزدلفة لغرفة عرفة ليلاً للحديـــــــث مــــع صديقتها الجديـــــدة تــــأكلان سوياً تلبسان سوياً تتسوقان سوياً تخرجان للتنزه معاً في يوماً إستيقظت مزدلفة متأخرة ولم تجد عرفة كعادتها تعمل في التنظيف والترتيب ذهبت لغرفتها وجدتها مستلقية على فراشها لا تستطيع النهوض و الإستفراغ لا ينقطع عنها ولديها آلام في الظهر وأسفل البطن ولاترغب في الأكل أو الشرب ظنت بإنها مريضة بمرض ما فأخذتها للطبيب ليتبين لهم إن حالتها ما هي إلا تباشير خبر سعيد يبشرهما بأن عرفة حامل وهي في شهرها الثاني وكل تلك الأعراض ما هي إلا علامات للحمل وإنه أمر طبيعي ولفترة محددة وسوف ينتهي، الأم المستقبلية كأدت أن تسقط من الفراش بسبب فرحتها وهي تحاول إحتضان رفيقتها , ومزدلفة تبادلها نفس الشعور وكأن الطفل طفلها, هذا الخبر أحدث تغييراً كلياً في حياة عرفة الحزن أصبح لا يشتق له طريقاً للوصول لمنزله القديم الكامن بداخل الفتاة القروية, فتبدلت كل أحزانها أفراحاً بعد معرفتها بقدوم طفل سيكون لها سراجاً مضيئاً في حياتها أصبح أمر الصديقتين الشاغل هو الحديث عن هذا القادم تجدهما معظم الوقت تقرأن مجلات الأطفال وكذلك كل الكتب والصحف التي تتعلق بالأطفال ويتحدثان عن المولود وكأنه متواجد بينهم وهما تتبــــادلان الإهتــــمـــــام به, مزدلفة تـــحدث صديقتها ستصبحين أماً وأنا أيضاً أماً لانه سيكون إبني كما هو إبنك وأقترحــــــت على صديقـــتها إذا أتى ولداً أنها التي ستختار له إسماً وستكون كل رعايته ومتطلباته ونفقاته على كفالتها واذا المولود القادم بنت فلوالدتها الحقيقية الحق أن تسميها لآن مزدلفة لم تحظى بأخ أو أي مولود ذكر يشاركها حياتها من قبل هي البنت الوحيدة لوالدتها ليس لها اخاً أو أخت, إتفقتا على ذلك وعرفة تسرح بخيالها وترى انها قد أنجبت ولد وهي تبادله كل الحنان الذي لم تحظى به إلا للحظات قليلة وسلبه القدر منها تراه وهو قد بدأ يتعلم المشي تارة وتارة أخرى تراه قد وصل سن الدراسة وهو يدرس بافضل المدراس ولا ينتقصه شيء وفي أثناء شرودها خرجت صديقتها وعادت إليها وهي تحمل صندوق هدايا تزينه شرائط زاهية اللون لتفتح الصندوق لتجد بداخله كافة مستلزمات المولود خانها التعبير عن الإمتنان لصديقتها واختلطت عليــــها المشاعر لتزرف دموع الفرحة فكيف لشخص غريب أن يفعل معها كل ذلك صديقتها تبادلها الشعور بالبكاء , في ذلك اليوم الغرفة لم يسعها أن تحمل كل هذه الأفراح ظلتا الصديقتين كل الليل وهما تهمهمان و تتحدثان عن إبنهما الذي لم يرى ضوء الحياة بعد حتى تغلب عليهما النعاس, في الصباح الباكر عندما كانتا تحتسيان الشاي خطر على بال الأم المستقبلة فكرة أن تذهب للسجن وتخبر زوجها المسجون انها حبلى الأن بطفل منه ربما ذلك يكون دافع له لتحسين سلوكه السيء وأن يكون لديه أمل بعد أن يخرج من السجن إن هناك شخصاً بإنتظار رؤيته, ليخــــبرها السجان؟ إن زوجها وجد معلق على سقف زنزانته قرر الإنتحار بشنق نفسه وذلك قبل اسبوعين إنتحر لأنه لم يعتاد على السجن ويحتمل سلبه لحريته, إنهارت عرفه ودخلت في نوبة بكاء كادت ان تعمي عيناها من كثرة البكاء,عقرب الحياة تلدغها مجدداً " الحياة كثيراً ما تكون غير عادلة فرحةأمس الهستيرية تتحول لحزن عميق وجرحاً لن يشفى قريباً, تتبادر عليها الأسئلة كيف سيولد طفلها يتيماً ويعيش يتيماً غادرت السجن وهي تجرجر أغلال الخذلان وخيبة الأمل وكأن أحزان الدنيا قد اجتمعت عليها مرة أخرى الأمل الذي تتمسك به يخذلها وصلت إلى المنزل وهى تكاد لا ترى أمامها وملاح الحزن تعلو وجهها لا ترغب بالحديث مع أحد, لاحظت مزدلفة عبوس صديقتها وكم الحزن التي يحويها لم تترد في سؤالها ماذا حدث في الســــجن؟ لم يسمحوا لك بالدخـــــول لرؤيـــته؟ تظــــــــل صامتـــه لا تجيبها؟ فتــكرر لها الأسئـــلة طمــــأنــيني ماذا هناك لا أتحمل رؤيتك هكذا فتجيبها: لقد مات محمود مات يا مزدلفة الأمر الذي كان كالصاعقة على صديقتها لتـــتبدل ملامحـــمها هي الأخرى بلمح البصر من ملامح الحيرة للحزن فور معرفتها بالأمر ساد الصمت بالمنزل لا أحد يحدث الآخر فأستمر الحزن ليومين بلا أكل بلا شرب بلا رغبة في فعل أي شيء الأمر الذي لفت إنتباه صاحبة المنزل إن إبنتها وعرفة كأنهما ميتتان بالحياة أجساد بلا أرواح ليس كعادتهما ولاحظ ذلك كـــل أفراد الأسرة الحزن الذي يعلو وجهيهما فتبادرهم الأم ماذا هناك يا بنات ؟ فتجيبها مزدلفة إن عرفة أخبرها الطبيب بإنها حامل ولكن عندما ذهبت للسجن لتزف الفرحة لزوجها عن مولودهما القادم أخبرها حارس السجن إن زوجها قد إنتحر قبل إسبوعين, الأمر الذي أحزن صاحبة المنزل وفتح لها باب حزن عميق لم تدوى جراحه بعد فهي أيضاً مات زوجها وهي حبلى بمزدلفة ولم يترك لهم سوى المال الذي لا يعوض عن حنان الأبوة والزوج وإن إبنتها مزدلفة قد عاشت دون حنان الأب والدمعة في أعينها وهي تقول لـ عرفة : " يابتي كلنا بنمر بلحظات صعبة لكن دي سنة الحياة نعمل شنو الخالق أراد كدا؟"إن زوجك لم يكن بالزوج المثالي ولكنه زوجك من حقك أن تحزني عليه فانه أب لطفلك القادم أنا أعلم جيداً كيف لطفل أن يولد ويترعرع دون أن يرى والده بجواره وكيف هي نظرة المجتمع إليه وكيف ستكون إجابتك عندما يسألك عن والده أعلم كل ذلك جيداً ومدى الحزن الأنتِ عليه الأن .. يا إبنتي ولكن زوجك إختار الإنتحار ولم يذكر حتى بأن له زوجة وأسرة تحتاج إليه فأنا أرى في موته خير له و لك إذا ولد طفلك ووجد والده عبارة عن مجرم ومردود سجون كيف ستكون حالته؟ تحلي بالصبر طفلك سيكون أمانة علينا جميعاً ولن ينقصه شيء وستعيشين معنا في هذا المنزل كما تعلمي لا يوجد أحد غيري وإبنتي مزدلفة بالمنزل فالخادمات يأتين صباحاً ويذهبن ليلاً , نصيحة والدة مزدلفة خفـــــفت عنها بعــــض الشيء, تـــــمر الأيام والليالي وعجلة الزمن التي لاتتوقف لتنســـيها فقدان زوجها وتشرق شمس جديدة تلوح بأفراح قادمة عرفة الأن في شهرها الخامس وبطنها تبرز لتمنعها صديقتها عن العمل وطلبت من الخادمات الأخريات خدمتها في أي وقت وأي أمر كان, لتطلب مزدلفة من عرفة الذهاب للدكتور لتحديد جنس المولود القادم بنت أم صبي فيذهبا للطبيب ليخبرهما بأنه ولد الأمر الذي أسعد مزدلفة أكثر عن والدة الطفل لأنها إتفقت معها مسبقاً إنها التي سوف تختار له إسمها إذا المولود ذكراً بدأت مراسم الإعداد لإستقبال القادم الفرحة تعم ارجاء المنزل مزدلفة تختار إسماً للملك القادم المبعوث قريباً إسم .. ( ياسر ) تخليداً لذكرى والدها الذي لم تراه من قبل,الكل بإنتظار الملاك في نار أحر من الجمر .


يتبع......

طموحات في الوحلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن