الفصل الأول | القرية الملكية 01

408 7 0
                                    


بين سفوح الجبال هناك أناس لا يعلمون ما هو العالم ولا العالم يدري بهم من هم،إنهم أناس في بقعة محدودة وذوي فكر محدود كأنهم من العصر الحجري لهم عاداتهم وتقاليدهم الغريبة التي يمارسونها، في قرية صـــغيرة بأواســـط جِبــــال مُرتفعة وغـــابات متاشبكة في مناخ إستوائي أو شبه بالسافنا الغنية تقع قرية صغيرة منازلها بدائية كل مبانيها من القش والطين "الجالوص" لها شوارع ضيقة مترابطة ومتشابكة لا يفهمها إلا أهلها كأنها متاهة إذا دخلها غريب سوف يحتاج لدليل القرية حتى يخرج من هذه المتاهة في أقصى شمال هذه القرية هناك حظائر للحيوانات من أبقار وماعز وخراف معظمها تؤول للعمدة و بالإتجاه المعاكس هناك حقول مساحتها تقدر بمئات الأفدِنة مزروعة بالذرة "الدخن" والبطيخ واللوبيا وغير ذلك .. وتجد في معظم البيوت على نواصيها حظائر صغيرة للمواشي تجاورها مزارع صغيرة للبامية والخضروات التي يعتمد عليها سكان القرية في غِذائهم تسمى بـ "الجبراكات" وفي منتصف هذه المنازل هناك ســــاحة واســــعة بهــا جـــــــــذوع أشــــــجــار ضخــــــــمة إنها ســـــاحة الإحتـــــفالات والمناسبات والأعياد وأيضاً تعتبر نقطة تجمع أهل القرية إذا كان هنالك أمر طارئ ولكن معظم ما يشغل هذه الساحة هو طقوس ومراسم الأعراس إذ تراها لأول مرة تحسبها ملعب " الكامب نو" بإقليم كتلونيا في اسبانيا يضم الكلاسيكو او العرس الكـروي العالمي من كثرة إحتشادها بالأشخاص إلا إن الحقيقة تكون غير ذلك فأنه غالباً ما تكون هناك مناسبة تشهد طقوس عرس أحد أفراد القرية إنه العرف المتداول والمتعارف لدى المسلمين المعروف بالإشهار فهناك طبول ومعزوفات تدل على نوع كل مناسبة فتجد القرية بكبارها وصغارها يزحفون نحو الساحة من ضمن كل تلك المنازل يوجد منزل في أطراف القرية تتسوره الاشواك ومخلفات القصب بداخله عدد من القطاطي إنه منزل المزارع موسى الذي تتكون أُسرته من خمسة أفراد موسى وزوجته عوضية ولديه ثلاثة أطفال بنت وولدين البنت هي الكبرى بين أشقائها تدعى عرفة تبلغ من العمر إحدى عشر ربيعاً بينما خالد أربعة أعوام وسالم رضيع لم يكمل ربيعه الثاني بعد, موسى يعمل كفلاح في مزارع الآخرين لأنه لايملك مزرعة خاصة به, يقضى جل نهاره في الحقول الخضراء يعمل بكد وجهد من أجل توفير لقمة عيش كريمة لأُسرته التي تعتمد عليه كلياً، أما عوضية زوجته فهي ربة منزل بلا عمل إمرأة لا تعيش واقعها لأنها ترى إن الحياة والوضع الراهن لا يليق بها وإنها لا تستحق حياة الفقر هذه وتعتبر زواجها من موسى أكبر غلطة إرتكبتها في حياتها وهي لا تعلم إن حياتنا ومصيرنا لا دخل لنا به بل إنه تقدير الخالق الرزاق، كل ما يهم عوضية إنها تريد أن تعيش كصديقتها إخلاص التي زوجها يعمل تاجر محاصيل بالقرية تريد أن تصبح مثلها بأن يتوفر لها كل ما لذ وطاب من حُلي و زينة ومأكل ومشرب تريد أن تكون مثلها مهما كلف الثمن وإن كان ذلك على حساب زوجها وأطفالها، عرفة طفلة هادئة ليست كبقية الأطفال دائماً ما تجدونها منطوية على حالها لا تشارك أخوانها وقريناتها اللعب واللهو إذ تراها لأول مرة تظنها تعاني من التوحد مغلقة على نفسها لاتتحدث كثيراً إلا إذا سألها أحد, بطيئة الحركة لذلك دائماً ما توبخها والدتها " أصلك كسلانة وما منك فايدة " ولكن في الحقيقة لم تلاحظ الأُسرة لماذا عرفة ليست كبقية الأطفال ولم يخطر حتى على بال والدتها التي لا تكترث لشيء غير نفسها، فهي دائماً ما توبخها ولم تجد أحد يتطرق لمشكـلتها، إن مشكـلتها ليست توحد أو علة مرضية إنما ترغب في الدراسة كبقية الأطفال الذين يدرسون, فعندما كانت تخرج للعب مع قريناتها في الحي اللواتي في سنها تحت شجرة اللالوب التي تقـرب من مــدرســـة القرية كــان الأطفال كل حــديثهم عن الدروس التي يأخذونها في المدرسة فتكون بينهم كالربان الذي فقد بوصلته في محيط متلاطم الأمواج وهو لا يعرف له بداية من نهاية ولا شرقاً عن غرباً ، فأصبحت لا تجد نفسها بين هؤلاء الأطفال ولا يعلم أحد بشرودها الدائم وسبب تخفيها وبعدها عن الآخرين رغم هذا الحرمان لم تعرف طعم السكينة في المنزل فوالدتها لا تطلب منها شيء دون أن تصرخ عليها ولا تشجعها على شيء فأصبحت تهاب التحدث مع والدتها في أي أمر كان رغم إنها طفلة . ووالدها المغلوب على أمره غالباً ما يكون يعمل بين الحقول من أجل توفير لقمة عيش كريمة يباشر عمله من الصباح إلى المساء دون أن يرهقه العمل وعندما يعود للمنزل يكون الظلام قد حل أو الشمس على مشارف الغروب .. يكون كالجسد بلا روح من شدة التعب فيصلي فريضته ويتناول وجبته ويأوى إلى فراشه يداعبه صغاره للحظات ثم يغرق في سبات عميق تحسبه في غيبوبة لا يحرك ساكناً لايشعر بمن حوله فإرهاق العمل يحتاج للتعويض ولا يجد وقت سوى الفترة الليلية وهكذا هي حياة المزارع المسكين فيصحو باكراً على نفس المنوال لم يجد الوقت الكافي للتطرق لإبنته التي الحديث معها شبه مُنقطع لا يتحدث إليها إلا إذا طلب منها فعل شي وإذ هي تفعله دون أن تتحدث جل حديثها حاضر أبي سأفعله, كل يوم تنام عرفة على أمل أن تصبح وتجد متسع من الوقت للحديث مع والدها لتخبره بالذي يحزنها وينتقصها وحينما تصبح تجد إن والدها ليس بالمنزل فهو يصلي الفجر حاضراً ثم ينطلق إلى الحقول أصبح هو كالخفاش لا تراه إلا ليلاً، فتصبح على صراخ والدتها الذي يضج بالمكان بصوتها الذي تكاد كل القرية تسمعه " يا حيوانة إنتي قومي تقوم قيامتك " فتجد أمامها مجموعة من الأواني المنزلية بإنتظارها لغسلها ما ان تقوم بغسلها تجد والدتها قد وضعت كومة أخرى من الملابس المتسخة، أم بلا مشاعر كأنها لم تكن طفلة من قبل كما تقول الكاتبة الجزائرية مجهولة الهوية في رواية "إكتشاف الشهوة " بعض الأمهات حرام عليهن كلمة أم " .....


يتبع.....

طموحات في الوحلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن