الحقيقة

1.2K 88 41
                                    

من عجب؛ أن الوقوع بالحب في العربية، مرادف للوقوع بالحب في الانجليزية Fall in Love وربما بلغات أخرى لا اعرفها.
نحن نقع بالحب حرفياً؛ كمن يقع وهو يمشي فجأة، أو يقع من فوق حافة الرصيف دون أن ينتبه، أو يقع على الدرج رغم تعوده على الدرج، ورغم حرصنا ألا نقع على الدرج أو من فوق حافة الرصيف أو بعرض بالطريق، فنحن نقع، تماماً كما نقع بالحب.. فجأة.
*****************************************
الحياة رحلة ، قصيرة ربما ...لكن تمر علينا لحظات نشعر ان طويلة لدرجة انها لن تنتهي ... كهاته اللحظات التي تشعر بها ريان الان ... تسبح في افكارها و شعورها بالذنب كما تسبح تلك الطائرة المتوجهة الى اسطنبول في الافق ...
لم يكلمها ابوها منذ اليوم الذي صرخ فيها انه يريدها جاهزة يوم السفر ، الا كلمات قليلة ... و كانها عدوته او شخص بالاكراه و لا يصدق متى سيتخلص منه و هذا الشعور يقتلها ، حاولت ان تشرح ان تبكي امامه و تنتحب و تطلب سماحه و تغسر له انها لم تفعل شيئ و لكن في كل مرة تفشل و كيف لا و كلما فاتحته في الموضوع ترى نظرة الانكسار في عينيه و لا تسمع منه الا كلمة " لقد خاب ظني بك " ....بضع كلمات تسقط قلبها بين قدميها و تلجم لسانها و تجمد اطرافها عن الحركة حتى تشعر بالريح التي احدثها حركة ابيها عندما تجاوزها و ذهب ، حينها تسقط على قدميها ....

"المرجو من مسافرينا الاعزاء ربط الاحزمة ربط الاحزمة و اغلاق الهواتف ، الطائرة تستعد للهبوط بمطار اسطنبول "

*********************************

ويحدثُ فى كثيٍر من الأحيان أن تكون جالسٍ فى هدوء، لا يدور بخلدك شٍئ مُعين.. وفجأة… نظرة .... لمحة بصر في لحظة مباغثة وفى لحظٍة من الاستبصار قد تكو انطلاقة لشّئ ما ،لشرارة ستظل متوهجة العمر كله .
*********************************
في صباح هذا اليوم استيقظ ميران كعادته لصلاة الفجر التي لا تفوته منذ ان كان عمره ١٨ سنة ، و عينين لا تفارقان مخيلته ، اراد مسحهما يظغط على عينيه بشدة و لا يكاد ينسى تلك الابتسامة ، تلك الروح المرحة .. البريئه ... تهكم ساخرا ... "بريئة ... اي براءة ... انها قذا***....استغفر الله ... و ها انا مظطر الان للزواج بها فقط لكي لا يحزن جدي ... فقط لكي لا احزن الرجل الذي فداني بروحه و نفسه و تكرم علي بابنته التي يظنها عفيفة .... تبا لهذا ....تبا .... وفوق كل هذا انا من كلفني جدي باحضارهم من المطار ...و كانني ناقص هم و توتر "
لملم افكاره و شتات نفسه سيتزوجها بما ان الكل اراد هذا سيتزوجها حينها سيربيها ، حينها سيعلمها معنى العفة . حين تكون امرأته لا احد قادر على محاسبته لما سيفعله بها او معها .

توجه الى المطار فور شروق الشمس و حين وصوله وجد كل من السيد هزار و زوجته و ري...و تلك التي سيتزوجها بانتظاره امام المطار .
قال متفاجئا :
"هل تاخرت عليكم ؟؟ قلت لي انك ستصلون على الساعة الثامنة لكنها السابعة و النصف ؟؟ "
رد السيد هزار و هو يعانقه :
"لا لا يا بني ، الا تعلم انهم يسهلون الاجراءات لحاملي الجوازات الامريكية .... "
صافح ميران زوجة عمه و رحب بها و لم تبقى سوى تلك ، التي اجلت نظرها عنها و حجبت عينيها بنظارات شمسية سوداء ، صامتة لا تكلم احدا ...الا ان اخرجها ابوها من قوقعتها قائلا :
"سلمي على ابن عمك ريان "
فردت دون تفكير
" لما ؟؟ كي تُترك يدي ممدودة مرة ثانية ؟ "
رمقها ابوها بنظرة توحي بالكثير و كانه يقول و لكي الجرأة ان تتحدثي هكذا بعد كل ما فعلتي ... الا ميران رد عليها ساخرا :
"و كان احدهم ترك يدك ممدود و لم يبالي و بقت حسرة في قلبك "
التفتت اليه بسرعة و كانها تتسال " انسيت انك انت من تركها " الا انها لم ترد و اندفعت متجهة نحو السيارة .
تبعتها امها هاتفة :
"ريااان ...ريااان ...بالله عليك يا ابنتي لما نتستفزي ابيك هكذا "
الا ان ريان هتفت :
"تعبت يا اميي تعبت من تحمل هذا .....انه ابي ...على راسي اطيعه و استحمله رغم ظلمه ليي ...اتحمله رغم رفضه السماح لي بالذهاب حتى اقوم باختبار عذرية و ينهي عذابي .... لكن ان يذلني لذاك الجلف ...لا لا اقبل بهذا ابدا "
ردت امها مسقطة يديها على جنبيها
-ااه رياان ...ااه ...اتمنى ان ينتهي هذا الكابوس و نعيد لحياتنا الطبيعية "

و امام باب المطار ، اعتذر السيد هزار من ميران ، الا ان الاخير رد
"لا عليك عمي لا بد انها متبعبة من السفر ...و لا تستطيع التفكير بشكل سليم "
و في قرارة نفسه يعلم جيدا لما رفضت السلام عليه ، ستذكر تلك اللحظة و كانها بعد قليل ، و لكن اراد ان يربكها بقوله انه لا بد ان احدا ترك يدها ممدودة ، و كانه عنى بتلك اليد شرفها الذي انتهكه ذلك القذر و هي قدمته له على طبق من ذهب و هو الان من سيجمع بقايا غيره و سيقبل به ... تبا تبا تبا ...هاته الافكار حتما ستفجر راسه ... لا يستطيع لا يستطيع ...كلما رآها يشعر بالغضب.
كان الطريق طويلا ... طويلا جدا ...و تلك الرائحة تحيط به ... وجودها يزعجه و لا يعلم لما ... وجودها يربكه و كانه في منطقة لم تطاها قدمه .

اما هي فقد انكمشت بجانب الباب الخلفي للسيارة و هي تشعر بعيني صقر سينقذ عليها في اي لحظة تراقبانها ... جلسته تخلق سيطرة على المكان ، مرعبة و مهيمنة ، تعلم ان هذا الرجل ليس كباقي من عرفت من الرجال لا يشبه ابوها او جدها ...انه قاسي ..عديم الاحساس ...والاحترام ...و الرقة .. سيئ المعاملة ... وفوق هذا ثقيل الظل . لطالما كان هكذا منذ صغره ...لا طالما حرمها من اللعب مع هبة اخته حيث كان يضرخ بكلمة واحدة " هبة ..هيا" و الصغيرة تمثل لامره فورا . "اه اااه يا الله متى ساتصالح مع ابي و اعود لعملي و حياتي " فكرت بصوت غير مسموع .

كان السفر الى ميديات متعبا اكثر من السفر من امريكا الى اسطنبول ، ربما لان وجوده معها في نفس السارة مىهق و مستهلك للطاقة .
ما ان وصلو حتى و جدوا ان الاستعدادات قد بدات في القصر احتفالا بقدومهم ، حيث ذبحث الاضاحي و علقت الاضواء و الكل تزين و اصبح القصر يعج بطقوس البهرجة و اخر ما كانت تتوقع ريان هو اطلاق الرصاص ، فقفزت من مكانها قائلة :
"ما هذااا ؟؟ "
رد ابوها :
"لا تخافي ...انهم يحتفلون بقدومنا "
نزل الكل من السيارة و اول من وجدو امامهم الحاج ابراهيم ، حيت هتف :
" اهلا اهلا بالسيد هزار و حرمه ... فىحتنا اكتملت اليوم "
عانقه هزار :
" الفرحة فرحتي يا حاج برؤيتك ... بالعودة للبلد .. كيف الصحة ؟ "
رد عليه الحاج بغبطة :
"الصحة بخير ... و العمر بيد الله ...اين ابنتي ريان "
تجاوزت ريان ذلك الحاجز الذي كان يغطيها و كانه يريد اخفاءها عن الجميع و اندفعت للحاج سليمان ، و جرت لحضنه قائلة :
"اشتقت اليك يا جدي ... لا تعلم كم اشتقت اليك "
قهقه الحاج قائلا :
"لا داعي يا ابنتي لكل هذا التاثر ....الفراق انتهى ... لم تعودي ابنة هذا القصر فقط .. بل كنته ايضا ...زوجة الاغا ميران "
همست ريان بصوت لا يسمع و عينين متسعتين و حلق جافة :
" ماذا؟؟!!! "
***************************************
نلتقي الخميس القادم مع بارت جديد ❤

حب بلا أعراف حيث تعيش القصص. اكتشف الآن