يظنّ، الشّاعرُ، أنّ ما يقولهُ، يُروّضُ البحر، ويشرحُ العاصفة،
ويحلمُ، الشّاعرُ، أنّ ما سيقوله، سيُروّضُ البحر وسيشرحُ العاصفة،
وطبعًا، للكلمِ لا يمتثلُ انفجارُ ماء، وللأنفاسِ: لا ريح تستكين،
لكنّ ما يقوله الشّاعر، حلوٌ كالهربِ من المشفى،
وما يحلم به حقيقيٌّ، ولو لا وجود له،
ثمّ ماذا يعني فهمُ العصفور فقط بما سيظنّه عالِم الطّبيعة؟
ربّما هو يقولُ أشياء يوميّة عاديّة، هو جائعٌ ويتحدّث عن الطّقس،
لكنّ الشّاعر، متأكّد، أنّه يُغنّي، أنّ العصافير فقط تُغنّي،
أليسَ هذا أيضًا، ليٌّ لعنقِ الوجود، ورقصٌ لتزيين الهشاشة؟
وأليس، كلّ ما نقوله، لو نستسلم للشّعر، يصيرُ غناء؟يظنّ الشّاعر، أنّ السّماء تنجِبُ الموت،
وأنّ الموت، لا يحتاجُ دائمًا أجسادًا،
وأنّها، السّماء، رغم انهمارها المُستمرّ، أيضًا ببطءٍ مستمرٍّ، تموت.نرى السّماء زرقاء، هذا ما نستطيع أن نراهُ، يقولُ عالِم الطّبيعة،
الموتُ أيضًا، قد نراهُ أزرق،
لكن، أساسًا، كيف اكتشفنا الموت؟
كيف هكذا يهيمنُ الموت؟
كيف ينتصرُ في كلّ مرّة؟ كيف يكون؟ ما وجوده؟
كيف نعرِفهُ ولا نفهمهُ، نفهمهُ ولا نعرِفه؟
كيف نصيرُ خدعًا تسيرُ، نكون دون أن يكون، يكون دون أن نكون،
كيف اتّفقنا على صنعهِ ببطء، حتّى أثناء انتصار الصّباح المُستمرّ،
وكيف، سكّان بيوت الشّواطئ، قرب شتلاتهم،
رغم اهتياج عروق البحر ونمو الموجةِ الهائلة؛
ووحوش الرّيح،
يُصلِحونَ كسرًا طفيفًا في غصنٍ خفيفٍ يحملُ ورقةً واحدة،
هو اكتفاءُ الخوف الباسق بحفيفِ الشّعر؟ هو فائدةُ وجودٍ بلا فائدة؟
هو طريق الموجةِ للغصن دون قياس المسافة، موسيقا قليلة قبل ارتطام كثير،
والغضنُ،
لربّما يصيرُ طائر بحر؟- هل ستعيشُ الشّتلة؟ يسألُ الشّاعر،
- لا تسقِها كثيرًا، نباتُ الشّواطئ -ومن شدّة الماء- لا حظّ له في تجريب العطش،
ضعها أمام حظوظ الهواء؛ ربّما تجرّب الهوسَ الرّهيف بالرّقص.هو دورانٌ مستمرٌّ حول هوسٍ لا مستمرّ،
وأثناء الطّوفان، أن يلفحنا صغيرُ الرّيح.كأنّنا، في انتظار الموت، في كلّ مرّة، نستحقّ، بكلّ تلك القسوة، وكلّ ذلك البطء، اكتشاف الغناء.
الغناء، لأجل شدّ خيوط القلب، ولا معنى، قُربَ البحر والعجائز لاستعراض الكثافة،
حدّثهم عن تخبّط أجنحة طيور العاصفة، عن نكتة الاستقرار في اللامُستقِر،
وعن لا فائدة سقاية الصّبّار،
سيضحَكون، يفيضون إليك،
ثمّ كما الصبّار، ولو دون قصد، يخِزون قلبك.في اللامرئيّ نحبو، في مسافاتٍ لا قياس لها،
وسط انهمار الحجارة وحكاياتِ الحزن الصّغيرة،
بين عكاكيز التجاعيد واختناق أنفس الخدّج: نرنّم أغنيةً صغيرة أثناء سقاية نبتة،
نطقطق أصابعنا سِرًا داخل جيوب المعاطف الشّتويّة،
كي لا يهربَ الإيقاع في المآتم،
كي لا نَرى مرايا الدّفن،
كي لا نُرى،
نُغنّي، في الوجودِ اللامرئيّ، أثناء التشبّث بالذّات، نُغنّي.هو حظّ الوجودِ، الوجودُ فينا،
أنّنا نحملُ القدرة على احتمال النّعاس وانتظار اللذة.مهرجانٌ من الألم، ننتظر فيه دقائق المُخدّر كما استراحات التّدخين خارج المعامل،
ثم هناك من سيتابع الغناء أثناء إشعال السّيگارة لك.لا تراب يكفينا كي نستقرّ على هَوَس، ولا ماء،
لا بيوت صغيرة لنركض بها،
هو سكونُ المؤقّت، مهما فعلَت الأغنياتُ، هو عيشُ المؤقّت،
نحضِرُ أزهارًا كي نراقبها تموت كي نحضر غيرها لأجل أن نراقبها تموت،
هكذا، نفعلُ شيئًا كي نستقرّ، نستقرّ وسط المؤقّت،
هكذا، نهرب من وخزِ القلب بوخزِ القلب،
ولا، ليس وحدهُ دليل الرّيح،
ها النوارس؛ بأجسادها كلّها تطير، وبأجسادها كلّها تبكي.بأجسادنا كلّها ننبضُ، ولا فرق إن ترنّح الوقعُ،
برهافة المؤقّت، اللامرئيّ، نختبئ فينا،
ومن كلّ صوب، يتدفّق نهر الوجود بحواف رمالِ موتٍ ناعمة،
ويتدفّق، رغم شدّة رتابة الإيقاع أو شدّة انكساره،
حتّى أثناء اللذّة والنّعاس والتّدخين والغِناء والرّقص وسقاية النبتة الصّغيرة: وخزُ القلب؛
وخزُ مؤقّتٌ،
لعيشٍ، مؤقّت،
لأغنياتٍ، مؤقَتة،
لقلبٍ،
مؤقّت.—طلال بو خضر؛ هوسٌ، باليقين المؤقّت