الفصل الثَّامن

132 17 4
                                    

فتح الفرعون عينيه ثمَّ مدَّد ذراعيه فوق رأسه متثائبًا، وكان المكان حيث من المفترض أن تكون أنيكسي فيه فارغًا. فزع الفرعون ناهضًا ليبحث عنها والخوف يعتمل في صدره.
التفت ناحية الباب لدى سماعه لصوت صريره، فأطلق تنهيدة ارتياح إذ دخلت أنيكسي. توقَّفت الأخيرة فجأة لدى رؤية زوجها مستيقظًا يحدّق بها.

قال لها وهو يشير لتجلس جانبه على السَّرير: "تعالي إلى هنا يا نفركَيمپي.." ففعلت كما قال وانزلقت تحت الأغطية بجانب راخيةً لنظرها؛ رافضةً النَّظر إليه، فأحاطها الفرعون بذراعه وأسند ذقنه على رأسها قائلًا: "أفشي لي يا نفركَيمپي، مالذي يُكرِبك؟"

أمسكت الأخيرة بطرف الغطاء قبل أن تجيب: "لقد تمَّ إبلاغي بأنَّهم قد عثروا على لايذرا وميريك." صمتت لهينهة تطلَّع إلى النَّافذة المفتوحة، فحبس الفرعون نفَسه متوجِّسًا ممَّا ستردف تاليًا. "لايذرا مُصابة بشدَّة، أمَّا..." توقَّفت أنيكسي عن الحديث وقد شعرت بالدُّموع تتغرغر في مقلتيها. "أمَّا ميريك فقد عثروا عليه ميتًا، مقطَّعًا لأشلـ—"

قاطعها الفرعون قائلًا: "صه صه." ولكنَّها قد بدأت فعلًا بالارتعاش، فقرَّبها إليه أكثر ليحضنها بحنان.

قالت من خلال عبراتها: "لقد تأذَّوا بسببي... بسببي ميريك قد رحل ولايذرا تحتضر!"

"لا تفكِّري بهذا الطَّريقة. فحياتكِ قيِّمة يا نفركَيمپي، لقد خدموكِ بإخلاص."

نشقت قائلة وهي تدير رأسها نحوه: "أوليست حيواتهم قيِّمة أيضًا؟"

لثم الفرعون أنفها بعد أن ابتسم ابتسامة صغيرة، فأسدلت جفنيها والحمرة تتسلَّل إلى وجنتيها من نعومة القبلة. "بلى، حيواتهم قيِّمة، لهذا قدَّموها عوضًا عن حياتك، وهذا يثبت أنَّكِ تعنين الكثير لهم كسيِّدتهم."

دفنت أنيكسي وجهها في صدره ثمَّ أغلقت عينيها، فهمي لم تفكِّر بنفسها بهذه الطَّريقة من قبل، أن تستحقَّ حيوات هؤلاء الذين يخدمونها.
تنهَّد الفرعون إذ به يحيطها بذراعه ويطبع قبلة على رأسها، ومسَّد شعرها -الذي بات حذو الأذنين الآن- بيده الأخرى لدى استشعاره لتوتُّرها، وابتسم لنفسه؛ فهي لا تزال نفركَيمپي خاصَّته، عاصفته الجميلة... مهما يكن.

تناولوا الفطور في السَّرير، وقد تمَّ جلب أوعية ماء ليغسل الفرعون نفسه، وتمَّ تحضير الطَّاولات لهم كي لا يأتوا بحركة كثيرة.
راقب إيكماتي الأطعمة والأشربة المقدَّمة بملامح رصينة، والتقت عيناه مع عيني الفرعون ليومئ له الأخير بامتنان.

تململت أنيكسي في مقعدها وهي تنقِّل نظرها بين الأطباق بنبض متسارع. كانت تضوَّر جوعًا، ولكنَّها تجاوزت جوعها. ونظرت إلى وجوه الخدم الذين دخلوا وراقبت حركات أيديهم لترى مدى عصبيَّتهم إزاءها.

هل قابلتهم من قبل في حياتها؟ هل كانوا أقرباء لأشخاص سبق وأن صادفتهم من قبل؟ هل عاملتهم بإحسان؟ ألهذا علَّمتها أمُّها معاملة الخدم بلطف؟

عروس الفرعون | Pharaoh's Brideحيث تعيش القصص. اكتشف الآن