الفصل الثاني

1.8K 45 4
                                    

🦋2- باب بلا مفتاح🦋

وهكذا مضت ساعات عدة قبل ان يطلب داروس لاتيمر الزواج منها في فندق هيرميز حيث كانت تقيم .ساعات أحست توني خلالها ان جسمها يحترق من الغيظ والغضب . لكنها بعدما استعادت هدوءها بدأت تقدر الأمر في تعقل . كان داروس لاتيمر قد سألها عن محل اقامتها قبل ان تغادر منزل جده , وبادرت الى اعطائه العنوان مستلهمة إحساسها الداخلي بالاترفض .... لكن عقلها كان مشوشا في ذلك الوقت , كانت تحاول يائسة ان تحل المشكلة . بينما كانت فكرة الزواج غير واردة !!
وهي مسترخية في مياه الحمام الدافئة شرعت تستفرض الموقف بصورة موضوعية , ملقية الأضواء على كل الأطراف محاولة ربطها ... كان هناك من ناحية داروس صاحب السفن الثري بممتلكاته في اليونان , ومقر اقامته الصيفي في جزيرة رودس الجميلة , وقد فهمت توني من كلامه انه يقيم هناك من ناحية اخرى جده الكهل العنيف الذي لا يمكن الاستخفاف بأي حال بتهديداته ان يقتل احد اقارب اخيها , كان هذا الرجل السافل الكهل يقصد فعلا ما يعنيه , ثم هناك والداها اللذان ظلا يعملان طوال حياتهما الزوجية لتدعيم تجارتهما , وهما بحاجة الى خمسة الاف جنيه لانقاذها , وفكرت ... من اين حقا ؟ كذلك كانت هناك شقيقتها بام التي تستطيع بالتأكيد ان تفيد من مساعدة مالية بسيطة.
" ورده قايين "
واخيرا هناك توني نفسها , التي اصبحت تراودها الآن فكرة الأنتقام من هذا الأجنبي المتغطرس وارغامه على دفع ثمن كل هذه الإهانات التي سمعتها – ولم يعفه من اللوم انه تصور انها لم تكن تفهم الحديث الذي دار معظمه باليونانية .
وفي النهاية قررت توني ....نعم ....ان الزواج من داروس ضروري ومرغوب فيه , فلن يحل فقط مشكلة سلامة الأسرة ومواردها المالية , ولكنه سيوفر ايضا فرصة عظيمة للأنتقام.
خرجت توني من غرفة الأستحمام وهي تلف جسمها في منشفة وتوجهت الى الغرفة الأخرى حيث نظرت الى نفسها في المرآة .
لا شك ان داروس كوّن لنفسه فكرة عن الفتاة الأنكليزية العادية . فلماذا تخيّب أمله ؟ إن هذه الفكرة سوف تكلفه مبدئيا خمسة الاف جنيه , ولذلك من العدل ان يأخذ شيئا مقابل ما سيدفعه من اموال !
وبعدما احست توني بشئ من العجز عن مواحهة الموقف هكذا . فكرت في ان تتدبر الأمر ربما تستطيع ان تتصرف بشكل ما لتعطيه ما يتوقعه . وبعد ذلك تبدأ تدريجيا في تنفيذ خطتها كلها .
أعلن داروس ان الفتيات الأنكليزيات مرتزقات , حسنا ..... سوف يكتشف حقيقة ذلك . وقال انهن غير جذابات ايضا ! ووضعت يدها على المنشفة التي تعلو رأسها محاولة تثبيتها . واعادت الى الوراء خصلة من شعرها الذهبي الجميل كانت تغطي جبهتها العريضة .... لابد ان تظل المرأة الأنكليزية كما يتصورها , غير جذابة , وبالأضافة الى ذلك انه يرى انها مغرورة ! الأمر لن يكون صعبا !أشار ايضا الى قوة التحرر لدى المرأة الأنكليزية ! ولسوف تجعله يتذوق هذا بنفسه عندما يتزوجان !
وفجأة لمعت عيناها الخضراوان بارتياح كبير عندما يحين الوقت لفسخ هذه الزيجة وانهاء كل رابطة بينهما سوف يتمنى داروس لاتيمر لو امكنه ان يسحب كل اهاناته التي تجرأ على توجيهها اليها في حضورها وتحت سمعها .
وظهر داروس وسط غرفتها مرتديا بدلة من الموهير الممتاز . وتظاهرت توني بالدهشة من اقتراحه الزواج منها الذي عرضه عليها في فتور .. ثم ألقت بنفسها على اقرب مقعد وقالت بابتسامة على شفتيها :
"أتزوجك انت يا سيد لاتيمر ؟ إنني لا أفهم , لابد انك غير جاد فيما تقول " وهزت رأسها متظاهرة بالحيرة والدهشة مرة أخرى وبدت ابتسامة خجولة على شفتيها .
ونظر اليها داروس في سخط محاولا ضبط نفسه وهو يقول :
" لم اكن لأحضر الى هنا لو كنت غير جاد يا آنسة فريمان , جدي متأثر جدا بموت شقيقته , يضاف الى ذلك انه يعيش في قرية منعزلة حيث ما زالت عادة الأخذ بالثأر قوية , وهو يعتقد حقيقة ان واجبه هو تنفيذ الأنتقام , الا انه من المحظور في قريته ان ينفذ الأنتقام ضد اقاربه , ولذلك فإن زواجنا سيكون فعّالا في ضمان سلامتك وسلامة اسرتك "
وجلس داروس وعلامات القلق تبدو عليه , فقد كانت لديه الرغبة في ان تنتهي هذه الصفقة بسرعة , ولكنه لم يبد الأرتياح ....
وردت عليه توني :
"كما ان زواجنا سيكون ضمانا لعدم دخول جدك السجن " ونظرت اليه ومنحته ابتسامة حلوة , ونظر اليها داروس في غضب , وشعرت برغبة كبيرة في الضحك . بلا شك ان الموقف بدا مضحكا ... في نظر توني على الأقل .بالضبط "
قالها في تردد , ثم اخذ يجول ببصره في غرفتها المتواظعة , وكانت توني تجلس في كرسيها تتطلع الى وجهها في المرآة , كأنها معجبة بجمالها .
ولاحظ داروس فجأة تصرفاتها . وشعر بشئ من الأحتقار لها , وفكّر انها مغرورة فعلا , ومرت فترة من الصمت , وقالت لنفسها :
"زواج ! لو عرف الرجل ما هو مقدم عليه لقام يركض ! "
"حسناً .... هل قررت شيئاً ؟" واتسعت عيناها الخضراوان , ثم قالت :
"في خمس دقائق فقط ؟ انه قرار مهم بالنسبة إلي ...سيد لاتيمر , إنني لا أعرف شيئا عنك؟"
وسألها بلهجة تدل على القلق والغضب :
" ما الذي تريدين معرفته عني ؟"
" حسناً... ما هي حالتك ..... يا سيد لاتيمر؟"
" حالتي!"
" أقصد هل انت ثري ؟ أقسمت دائما ألا اتزوج رجلا فقيرا . إن أي فتاة يتعين عليها ان تفكر في مواردها المالية ...أليس كذلك ؟"
كانت نظراته التي تتسم بالإزدراء ترمقها من رأسها حتى قدميها وكانت توني من ناحيتها لا تستطيع ان تكتم رغبتها في الضحك.
"أنا صاحب سفن"
وبدا وميض الفرح في العينين الخضراوين كما توقع وأردفت توني :
"إذن لا بد انك ثري فعلا , هل لديك منزل كبير!"
"نعم في اليونان"
ونظرت اليه باستغراق وتأمل .... ودمدمت قائلة :
"بعض الرجال الأثرياء يمتلكون عدة منازل ..."
بدت خيبة الأمل في صوتها , وقال لتوني في برود :
"لدي ايضا مقر إقامة صيفي في جزيرة رودس , ولكني لا أمتلك أية منازل أخرى , إنني آسف لذلك (قالها في تهكم) ولكنني قد افكر في شراء منزل آخر فيما بعد "
كان واضحا انه قال ذلك حتى يغريها بالقبول . وقالت توني أخيرا وقد قررت إظهار العجز والضعف الذي كان قد اشار اليهما في كلامه عن الفتيات الأنكليزيات :
"أشعر انه من واجبي ان استشير والدي ... فربما لا تعجبه فكرة الزواج من اجنبي وبدون رضاه"
" ورده قايين "
ورفع داروس رأسه قائلا:
"توقعت ان تكوني قادرة على اتخاذ قراراتك بنفسك . كم عمرك الآن ؟"
وعضت شفتيها واستدركت قائلة:
"23سنة ...وأعتقد انني استطيع ان اتخذ قراراتي بنفسي لكنني اعتدت ان اتشاور مع والدي في المسائل ذات الأهمية "
ونظر داروس اليها في تشكك .... ودمدمت في نبرات جافة :
" وهكذا اذا اردت الزواج واعترض والدك على اختيارك ....سترضخين لحكمه....."
ومرّة اخرى هز رأسه وشعرت توني بالغضب , لكنها استطاعت ان تقول بهدوء :
"كنت افكر في تسوية اكثر من أي شئ اخر..."
"تسوية!"
وقالت توني وكأن هذا امر مسلم به :
"انك بالتأكيد تنوي عرض تسوية!"
وزم داروس فمه وبدت عليه ملامح اليوناني الجاف بتلك الخطوط الغائرة والنظرات الجامدة و وكانت تحس ان مشاعره مشتعلة بالحنق واغضب. وفي الوقت نفسه تأمل برغم ما شعرت به من سعادة في اعماقها الا تكون قد بالغت في تقدير امكانية التعامل معه وقال:
"عندما ينتهي الزواج ستكونين قد حصلت على تعويض كاف.. وليس قبل ذلك "
وشعرت توني بالصدمة وهي تقول :
" ولكن ابي سيصر على التسوية الآن بسبب هذه الظروف الغير العادية . ذلك سيكون ضمانا لي ..." وظل صامتا ثم قال :
" ضمان من ماذا ؟"
"من المستقبل ..فقد لا أجد زوجا آخر بعد ان يتم الطلاق "
"ولكني لن أطلقك "
"لا فرق في ذلك .. الرجال لا يرغبون في امرأة تكون من قبل ...."
ورفع حاجبيه وقال بلهج جافة :
"أعتقد انه في بلدك لا يهمّ أبدا إذا كانت المرأة قد تزوجت من قبل نصف دستة من الرجال"
واحمرّ وجه توني غضبا وهي ترمقه بعينيها اللامعتين وتقول:
"لسنا نساء بلا أخلاق يا سيد لاتيمر"
"انها مسألة رأي .. في أي حال اننا نبتعد عن جوهر الموضوع"
"مسألة دفع مبلغ من المال تأتي عندما يفسخ الزواج , وسوف تحصلين على مبلغ شهري كبير وسيكون هذا كافيا الى ان تؤدي وفاة جدي الى انفصالنا "
قال ذلك بلهجة صارمة لا تدل على أي مرونة , وأجابت برقة :
" إذا فأنت لا تريد ان تقدم هذه التسوية الآن"
"لا أرغب في ذلك الآن"
وعادت بأفكارها الى والديها فأثناء تلك الساعات التي قضتها بانتظار وصول داروس شعرت بالسعادة لفكرة إرسال النقود اليهما . وكانت تعرف انها ستصاب بخيبة أمل إذا لم تستطع تحقيق خطتها , وقالت :
" في تلك الحالة لا يمكن ان يتم الزواج"
ووجهت نظرها الى أظافرها ذات الطلاء اللامع ثم نظرت في المرآة . وبدا على الرجل انه يحتقرها لمسلكها العابث , واستطردت تقول في صوت حاسم :
"وإذا لم يتم الزواج فالموقف سيعود إلى ما كان عليه عندما غادرت بيت جدك"
ثم تنهدت في عمق واضافت :
"سوف أضطر إلى طلب حماية الشرطة ولكني متأكدة أنه سوف يعتدي على عمي"
ونظر داروس اليها في حنق قائلا :
"هل توجهين انذارا الي؟"
وقالت في حدة :
"لن يكون هناك زواج بدون تسوية , انا انكليزية كما تعرف ونحن نحب ان نحصل على الأمان ...لكنك ربما لاتعرف الكثير عن الفتيات الأنكليزيات ؟"
وحدّق داروس فيها بجفاء شديد وأشاحت توني برأسها . خائفة ان تكون تمادت بعض الشئ في حديثها اليه . الأمر سيكون خطيرا لأن داروس لا يمكن ان يكون غبيا . ويجب ألا يكتشف أنها فهمت كل كلمة قالها عنها وعن اهلها . على الأقل ليس في الوقت الحاضر .
ومضت فترة طويلة من الصمت قبل ان يسألها بخشونة :
"وكم تبلغ هذه التسوية ؟"
"حسنا...أعتقد أنها خمسة ألاف ...."
وقاطعها بشدة قائلا:
"ماذا تقولين ؟"
"إنك تستطيع دفعها فعلا يا سيد لاتيمر . فهي لا تساوي شيئا بالنسبة الى رجل مثلك , المعروف ان اصحاب السفن اليونانيين هم من بين أغنى أثرياء العالم"
"هل تتوقعين مني ان اتخلى عن مبلغ كهذا لشخص غريب؟"
"وانت ايضا غريب بالنسبة لي , ولذلك كيف يمكن ان اثق فيك ؟ يجب ان احصل على التسوية فورا"
وشعرت توني بالأنتصار على هذا اليوناني المغرور , ولكن هذا اليوناني المتغطرس لم ير شيئا بعد , فلينتظر حتى تصبح زوجته .
ونهض داروس واقفا وهو ينظر اليها في احتقار بارد واضحا في عينيه :
"سوف تحصلين على المبلغ بمجرد ان نتزوج , وسوف أعطي المحامي التعليمات الضرورية "
"لكنني افضل أخذ النقود الآن"
وقاطعها قائلا:
"سوف تحصلين عليها عندما نتزوج"
كانت عباراته هذه المرة قاطعة لا تسمح بأي جدال ولم تجد فائدة من الضغط عليه أكثر . ان الآلاف الخمسة في رأيها ستكون البداية.
وسافر الأثنان الى رودس بحرا . ووصلا ظهرا . كانت سيارة داروس تقف في ميناء مندراكي . وبدأـ من هناك الرحلة البرية . تركا رودوس الرائعة , واتجها جنوبا على طول الساحل الذي تحفه جبال شاهقة من ناحية , والبحر من الناحية الاخرى . وكان الطريق ممتدا عبر قرى بيضاء جميلة وبعد ان قاد السيارة فترة من الوقت في صمت تام فاجأها داروس بحديث يخلو تماما من أي توتر واخذ يصف لها الأماكن والقرى المختلفة ومنتجاتها المشهورة .
هذه قرية أغندو الشهيرة بثمار المشمش وهذه قرية اركيا نغيلوس حيث ينمو أفضضل برتقال على لجزيرة . وبعد ذلك انخفض الطريق عبر ممر جبلي الىمالونا , واخترق سفوحا مغطاة بالأشجار قبل ان يتجه جنوبا مرة اخرى نحو ميسارا . هناك كانت كنيسة بيضاء كبيرة . واضطر داروس ان يتوقف بينما اخذ راع يعبر الميدن مع قطيعة ببطء وبدون اهتمام . كانت الأشجار الظليلة تجعل المنطقة كلها باردة وهي اشجار لوز وزيتون متناثرة هنا وهناك .
وفجأة استرعى انتباه توني رجل يجلس الى طاولة خارج منزله ويمدّ ساقيه بطريقة غير لائقة , وتتدلى سيكارته من فمه . صفق الرجل بيديه في طريقة متغطرسة فجاءته امرأة بسرعة , تحدث اليها وعادت تحمل صينية والتفتت توني الى داروس قائلة :
"هل هذه زوجته؟"
"نعم"
كان داروس يبتسم وهو يرى تقطيبة ثقيلة تكسو جبهتها:
"كيف يعاملها بهذه الطريقة الغريبة؟"
"اعتادت على ذلك...."
ووجه اهتمامه الى قطيع الماشية
"إنه يصفق لها بيده وكأنه ينادي عبدا"
"ربما ينظر اليها فعلا على انها عبدة"
ولاحظ داروس ان وجه توني احتقن بحمرة الغضب , فقال في لمسة مودة اثارت دهشتها:
"لا تقلقي كثيرا ....لن افعل هذا معك..."
وردت بسرعة وقد لمعت عيناها:
"لن يكون لذلك تأثير كبير لو فعلت ذلك"
وتوتر الموقف بينهما , وظل الأثنان صامتين طوال عشرين دقيقة . الى ان وصلا الى ليندروس وعندئذ حدقت توني في روعة المكان.
كان أمامها مشهد بالغ الروعة من المناظر الطبيعية اليونانية . فعلى مرمى البصر إلى اسفل كانت هناك صفوف متراصة جميلة من المنازل البيضاء على حافة التلال , يتخمها شاطئ عسلي , تعانقه أمواج بحر إيجه المغطاة بالزبد . والى اليمين أكروبوليس ليندروس حيث معبد اليونان القديمة , وبعدها تبدو تحصينات وقلاع البيزنطيين فرسان القديس يوحنا . الى يسار الخليج الذي تحفه أشجار النخيل الباسقة من كل جانب , وعلى نتوء صخري داخل البحر – مقبر حاكمليندروس القديم الأسطوانية الشكل التي يمتد تاريخها ثمانية ألاف عام . انه شئ جميل حقا . كانت الروائح العطرة تفوح من الزهور المنتشرة في جنبات الطريق , وهتفت توني معبرة عن اعجابها بجمال المشهد .
التفت اليها داروس وقد بدت عليه الدهشة . وفكرت توني , ترى هل كان يعتقد ان الفتيات الأنكليزيات بسبب غرورهن وحبهن للمال لا يقدرن الجمال؟يجب ان يتعلم الكثير هذا اليوناني المتغطرس العنيد!
واتجه داروس بسيارته ناحية الشاطئ ولمحت توني م بعيد منزلا أبيض رجّحت ان يكون منزله . وقال لها :
"إنه على الشاطئ مباشرة . وهو مبني داخل الصخور , وسوف ترينه عندما نمر بالمنعطف التالي . هاهوذا , يمكنك رؤيته أوضح الآن .
كان المنزل كما قال مبنيا داخل الصخور من الأحجار الرملية . وكانت له اقواس واسعة وشرفات في كل غرفة تقريبا وعندما اقتربا من المبنى شاهدت توني التأثير الغربي ظاهرا في طريقة تقليم الأشجار , والمروج الخضراء الواسعة , وحمّام السباحة الذي تحيطه مقاعد الحديقة والخمائل . كان المشهد خلابا حقا , المنزل مواجها للشرق بينما الحدائق لناحية الجنوب . والأكروبوليس تبدو من جهة وقرية ليندروس من الجهة الأخرى . ثم يظهر على مبعدة الخليج الصغير المحاط باليابسة . ويقال إن القديس بولس نزل في طريقه الى روما , وأمضى هناك فترة طويلة استطاع خلالها ان يحوّل اليونانيين الوثنيين الى الدين الجديد. وفي الناحية الاخرى كان جانب التل المغطى بالأشجار الكثيفة وأمام البيت يمتد البحر الفيروزي الشاسع.
" ورده قايين "
وانفتحت البوابات الحديدية الضخمة وعبرها داروس في سيارته .... الأشجار من كل جانب حتى وصل الى مدخل البيت ... وجاءت ماريا تلقي نظرة خاطفة على سيدتها الجديدة.ويبدو ان داروس قد ابلغ خادمته بزواجه . ذلك ان ماريا انحنت قليلا امامها وقالت باللغة اليونانية :
"مرحبا بك يا سيدة لاتيمر"
ونظرت توني الى زوجها مستفسرة فاكتفى بالقول:
"ماريا ترحب بك"
وردت توني في مودة :
" أشكرك يا ماريا"
وابتهجت ماريا عندما سمعت هذه العبارة.
"أتتحدثين اليونانية؟"
ونظرت توني مرة اخرى الى زوجها الذي وجه حديثه الى ماريا قائلا :
"لا يا ماريا السيدة لاتيمر لا تتحدث لغتنا"
ثم ظهر زوج ماريا بعدما قدم التحية , اخرج الحقائب من السيارة . واقتادت الخادمة توني الى غرفتها التي تطل على البحر , وكانت النافذة الجانبية تطل على القرية وقد بدت الأكروبوليس في أعلاها . وانفتح باب يفصل بين غرفتين , وألقت توني نظرة سريعة على غرفة نوم داروس , ولاحظت انه لا يوجد مفتاح في قفل باب غرفتها , لكنها لم تستطع ان تسأل ماريا عن مكان المفتاح ,ثم سمعت خطوات داروس تقترب منها فقالت :
"لا يوجد مفتاح للغرفة"
واحمر وجهها قليلا عندما رأـه يبتسم ساخرا وهو يلقي نظرة آلية على القفل.
"أخشى ألا يكون هناك مفتاح , إلا ان ذلك لا يهم كثيرا . ان احدا منا لن يحاول مضايقة الآخر"
وزاد وجهها خجلا وهي تقول:
"ولكنني أفضل ان يكون خناك مفتاح لو سمحت"
"قلت لك إنه لا يوجد مفتاح , أضاعه ضيف كان ينزل هنا منذ فترة طويلة"
"من الممكن صنع مفتاح آخر بكل تأكيد"
ونظر اليها مقطبا جبينه:
"هل الأمر مهم الى هذا الحد , أؤكد لك انه ليس هناك ما تخشينه مني"
وقال ملاطفا:
"ضعي كرسيا وراء الباب , هذا ما تفعله النساء عادة أليس كذلك؟"
وردت قائلة :
"يبدو انك تعرف ذلك , وربما منعت مرة من دخول الغرفة بهذه الطريقة"
ورفع حاجبيه وقال لها:
"ياعزيزتي , لو أردت ان ادخل غرفة فلن يمنعني شئ صغير كالكرسي"
"وفي هذه الحالة لابد ان يكون معي مفتاح"
قالت هذا بسرعة وبعد قليل تمنت لو ظلت صامتة. ورمقها بنظرة تعبر عن احتقار وقال :
"غرفتك هي اخر غرفة ارغب في الدخول اليها"
وأغلق الباب وراءه تاركا اياها واقفة في غرفتها وقد أحمر وجهها غيظا , اما هو فسرت في جسمه رعشة الحنق . وهذه إخانة أخرى تضاف إلى الأهانات السابقة لها إنه سوف يدفع الثمن ...إنه لا يعرف كم ستكلفه هذه الغطرسة!

🤗🤗🤗

🦋الثأر 🦋🌿ان هامبسون 🌿روايات عبير القديمه حيث تعيش القصص. اكتشف الآن