الفصل الرابع

1.5K 44 1
                                    

4 – ثمار القسوة

بعد فترة من التفكير والتروّي , استعادت توني رباطة جأشها . ما الذي يمكن ان يفعله زوجها ؟ لن يستطيع إخراج الأطفال من البيت , ولذلك من الواضح أنهم يستطيعون البقاء . لكن عليها قبل انتهاء الأسابيع الستة ان تفكر في طريقة للحصول على نفقات عودتهم , وثمن تذكرتها هي ايضا لأنه عليها ان ترافقهم . ربما تستطيع الأستدانة من والدها , نعم ستكتب اليه بعد فترة , لكنها لا تعرف كم سيمضي من الوقت قبل ان تستطيع سداد هذه النفقات , يالها من ورطة أوقعت فيها نفسها نتيجة رغبتها المجنونة في الأنتقام من داروس بسبب الأهانات التي وجهها اليها ... كان من الأفضل ان تنسى هذه الإهانات , لكنها لم تأسف لاحضار الأطفال معها . كانت بام متعب وكانت بالتأكيد ستنهار اذا لم تحصل على الراحة . وفجأة بدا لتوني انه من الظلم ان يمتلك داروس كل هذه الثروة في الوقت الذي تشعر فيه بام بالحاجة الشديدة .... لو كانت هناك طريقة لتأخذ بها قدرا صغيرا من أموال زوجها وتنقلها الى بام . ولكن لم يكن من الحكمة التورط أكثر .... تأكدت الآن من صلابة داروس ومن الحماقة ألاّ تستفيد من الدرس الذي تلقته.
وعندما اقتربت توني من البيت سمعت أصوات الأطفال يطالبون ماريا بإعداد الطعام لهم . كانوا يوجّهون الى المرأة وقاحات شديدة لم تكن قادرة على تفسيرها او فهمها , لأن توني كانت تسمعها تتحدث اليهم باليونانية .
"لا تعاملوني بهذه الوقاحة , وسوف تأكلون في الموعد المناسب وليس قبل ذلك ... أخرجوا من مطبخي الآن كلكم . انكم عصابة من السفاحين . واذا لم تخرجوا في الحال سأستخدم معكم المكنسة ..."
ورد روبي في صوت مرتفع يدل على السخرية :
"ماذا تقول هذه المرأة ... إنها لا تستطيع ان تتحدث الأنكليزية !"
وأسرعت توني وسمعت لويس تقول :
" أعتقد انها قالت سوف تطاردني بالمكنسة , لأنها أشارت إليها . ما رأيكم ... هل نجعلها تطاردنا ؟ سيكون هذا متعة كبيرة!"
ورد ديفيد :
"تطاردنا , انها سمينة جدا ولا يمكن ان تجري ياردة واحدة"
وصرخ روبي :
" انت على حق , انها كالحيوان البدين"
وسارعت توني الى المطبخ , ووصلت في الوقت الذي كان فيه الطفل يثير غضب المرأة , وينظر لى داروس نظرة جريئة , ثم صرخ صرخة مدوية وحدقت توني في داروس – وقد حضرت على عجل – وهي تقول :
"ضربته .... كيف تجرؤ على المساس بابن شقيقي ؟"
"ما فعلته ليس إلا مقدمة ... وفي المرة المقبلة سوف أضعه على ركبتي واصفعه "
ونظر الى الآخرين وهو يقول :
" هل ترغبون في تجربة ذلك ؟"
وهز الصبي رأسه واحتمى خلف ظهر خالته.
ونظرت لويس الى خالتها وهي تقول :
"لا .... انني لا أحب هذا الرجل , اطلبي اليه ان يرحل "
وردت توني :
"يا عزيزتي هذا منزله !"
وقاطعها داروس في حنق :
" أنتم الذين سترحلون الى منزلكم , والآن عليكم ان تدخلوا الى الغرف التي خصصت لكم , ويجب ألا يحاول أحدكم النزول الى هنا بدون اذني . ماذا تنتظرون؟"
واستفسرت لويس :
"هل يتعين علينا ان نفعل ما يقول يا خالتي !"
وأومأت توني برأسها .
"ولكن الشمس ما زالت ساطعة في الخارج ونحن نريد اللعب على الشاطئ ..."
وحاولت توني ان تبدو جادة وهي تقول :
" أصعدوا جميعا الى الطابق الأعلى ...."
وقال داروس في صوت مرتفع :
" اطيعوا ما أقوله فورا .... ولا شئ آخر"
وصعد الأطفال السلم في صمت .
والتفت الى توني وقال :
"اما انت فأعتقد انك تستحقين ايضا الحبس في غرفتك !"
واندفع الدم الى وجه توني . كان هذا الرجل بالتأكيد أكثر إنسانية من الزوج الصامت اللاهي الذي عرفته . ولكنه في الوقت نفسه كان يثير فزعها . من يدري لعله لا يتردد في تنفيذ تهديده . هذا ليس بعيد الأحتمال وهو في مثل هذه الحالة من الغضب الشديد وخاصة إذا ارتكبت حماقة أثارت غضبه ونسيت وجود خادمته . وأخيرا استدار وانصرف ولكنه أمر توني ان تلحق به في غرفة جلوسه .
" أغلقي الباب "
وأطاعته توني في هدوء .
وجلس داروس على مقعد وتركها واقفة . وهو موقف لابد ان يشعل غضبها الذي استشاط بالفعل بعدما طلب منها بغطرسة إغلاق الباب . وأسند ظهره إلى مقعده وهو يقول :
"أرجو ان توضحي لي ما أراه , بقيت أفكر خلال الدقائق القليلة الماضية في هذا الموقف لكني لم أجد سببا معقولا واحدا لكل هذه المحاولات التي تجعل منك عاملا مزعجا "
سبب معقول ! وللحظة شعرت برغبة في ان تقول له الصدق . ان تخبره بأنه كان على حق في كل ما قاله , ولكنها قاومت الرغبة . فلم تكن قد تخلت تماما عن فكرة عقابه . وردت قائلة :
" كلا ... إنني لست مزعجة , أردت ان اعود الى بلدي . ورفضت انت اعطائي نفقات السفر "
"معك خمسة الاف جنيه , ماذا فعلت بها ؟"
" تم استثمارها "
لم تكن هذه كذبة , حسنا , كانت مجرد كذبة بيضاء . هكذا قالت وهي تحاول ان تهدئ فسها .
" ولكنك تستطيعين سحب مبلغ منها "
وهزت توني رأسها وقالت :
"كلا إنني لا أستطيع سحب شئ منها "
" لا أصدقك , إنك تدخرينها , على أمل الحصول على المزيد مني ولكن لا تفكري في ذلك يا فتاتي , لست من الأنكيز التافهين كما قلت لك "
ولشدة دهشتها وجدت نفسها تقول :
" داروس ... أرجو ألا نعيد ما حدث من قبل .. إنني لا أريد التشاجر معك"
وقاطعها :
" إنك تدهشينني . كنت حتى الآن تحاولين إثارتي والشجار معي"
" غير صحيح , لم نتحدث إلى بعضنا البعض حتى هذا اليوم"
وسكتت وقد إحّمرّ وجهها بينما رفع حاجبيه ثم قالت :
"شعرت بالغضب فقط ندما امتنعت عن إعطائي مبلغا من المال لتغطية نفقات رحلتي إلى انكلترا . (ثم اعترفت برقة) تشاجرنا وقتها"
وعاد داروس الى الحديث مرة اخرى عن موضوع سحبها بعض أموالها .
"يجب ان تفعلي ذلك . لأن هؤلاء الأطفال لن يبقوا في منزلي لحظة أكثر مما هو ضروري"
" ورده قايين "
" سأبقي عليهم هنا طالما أردت انا ذلك . هذا منزلي في الوقت الحاضر . ولذلك فإنني سأطلب من اسرتي ان تزورني . واعتقد انك تشعر بالقلق لأن الأطفال ربما يضايقون جدك عندما يحظر الى هنا . انني بإخلاص ارجو ذلك . لأنه يستحق بعض العقاب على ما فعله بي"
" جدي يتوقع ان يمضي اياما هادئة هنا . وفي أي حال , سواء حضر او لم يحضر . لن أرضى بوجود هؤلاء الأطفال الوقحين في منزلي"
" سيرحلون بعد ستة اسابيع "
ورد بهدوء:
"يبدو انك نسيت إنذاري لك يا توني , اسمعي نصيحتي , وابعديهم خلال يوم او يومين"
"لن افعل ذلك , وحتى لوقررت ان افعل ما تأمر به فإنني لا امتلك نفقات سفرهم, ابلغتك بذلك من قبل"
" وخلال هذه الأسابيع الستة – هل ستكون لديك الأموال ؟"
" والدي سيقرضني"
" ولماذا لا يستطيع إقراضك الآن؟"
وضاق فمها وحدقت فيه في غضب وقالت:
"لم أطلب منه بعد"
"إذن .... اطلبي ذلك في برقية"
"ان الأطفال سيبقون هنا لأن شقيقتي تحتاج الى العمل , ولن تستطيع ذلك اذا تواجد الأطفال في البيت .... وعلاوة على ذلك فسوف تفقد وظيفتها اذا طلبت اجازة"
وتنهد في غضب وقال:
"لو كنت تهتمين بشقيقتك هذه فلماذا م تعطها بعض الأموال التي طلبتها مني!"
"لم تكن لتقبلها لأنها عزيزة النفس جدا"
"ولذلك فإنها تستحق ان تكون في عوز"
"انك شخص بغيض"
"ألا تستطيعين نسيان نقائصي الآن؟ الأمر الملحّ هو ان تتولي انت رعاية هؤلاء الأطفال"
ونظر الى وجهها طويلا ولم تستطع توني رغم قراراتها ان تقمع فزعها الذي كان يزحف في بطء . وعاد يقول :
" ولو كنت عرفتني لفترة اطول لأدركت انني اعني ما أقول , اذهبي الان , وعندما نلتقي مرة اخرى ارجو ان تكوني نفذت اوامري"
وغادرت توني الغرفة وهي تحترق غضبا . فليذهب الى الجحيم . وكانت عازمة على ألا تخذل شقيقتها . واتجهت الى غرفة الأطفال . وادهشها ما رأت , اذ عبر الأطفال عن استيائهم من سلطة البيت بتصرفات تتسم بالفوضى تماما . كان كل شئ في الغرفة مبعثرا , القوا الماء على الجدران . داسوا على مفرش السرير وحطموا الأباجورة الثمينة وألقوا بها على الأرض , ووقفت توني لحظة لا تستطيع الكلام . ثم انفجرت غاضبة وقالت :
" حذرتني والدتكم مما كنت تتوقعه منكم , ولكنني لم اصدقها . وكانت على صواب , انكم ثلاثة من أوقح الأطفال الذين شاهدتهم , وانا فعلا آسفة لأحضاركم معي"
وقال روبي :
" ونحن ايضا نشاركك الأسف .... لقد ضربني ذلك الرجل!"
وصرخت لويس ..." أريد العودة الى بلدي ... اريد العودة الآن ...."
" لن ترحلوا الآن , ولن تفعلوا ذلك قبل مضي ستة اسابيع , ومن مصلحتكم ان تسلكوا سلوكا حسنا طوال هذه المدة"
وانفجرت لويس باكية , وحاولت توني ان تهدئ من روعهم فقالت :
"فلنعمل معا لنعيد النظام الى هذه الغرفة"
ولم تشترك لويس , ولاحظت توني إحمرار وجهها , ربما تكون مريضة , وكانت لويس مريضة فعلا فلزمت الفراش.
وزارها الطبيب في اليوم التالي , ونصحها بعدم مغادرة السرير بسبب ارتفاع حرارتها وقال :
" انها الحصبة , سوف ارسل اليها بعض الأدوية بعد الظهر"
وعندما نزلت توني من غرفتها تقابلت و داروس الذي بادرها بقوله :
"ماذا حدث لهذه الطفلة ؟ شاهدت الطبيب خارجا لتوه ...."
" لويس مصابة بالحصب ويتعين ان تبقى في سريرها ...."
ولمحت الشرر يتطاير من عينيه وهو يقول :
" حسنا توصلت إلى ما تبغين الآن ....."
"أؤكد لك أنني لم أدبر مرض الطفلة"
"كلا ... ولكنها فرصة جاءت في وقت مناسب"
"انك شخص بغيض .... ألا تحس بأية مشاعر تجاه الطفلة المسكينة المريضة التي تطلب أمها الآن"
"الطفلة المسكينة ! من الأنسب ان تقولي الشريرة الملعونة .... ولكن من الذي أخطأ بإحضارها الى هنا ؟"
وقالت توني مدافعة :
"لويس أفضل بكثير وهي معي هنا .... بام لديها الكثير تفعله بدون ان تزيد متاعبها في العناية بطفلة مريضة"
وزالت تعابير الغضب عن وجهه , وقال في دهشة :
"انك تثيرين حيرتي .... يبدو ان اهتمامك بشقيقتك امر حقيقي ..... ولو كان الأمر كذلك فلماذا تبقين على الأموال التي اخذتها مني ؟"
"بام لا تقبل إعانة ... قلت لك ذلك من قبل "
"هناك طرق ووسائل أخرى لأعطاء النقود بدون ان تقدم كإعانة "
"هل تريد ان تعرف ماذا فعلت بهذه الأموال ؟"
"انني اعرف ما فعلت بها ...."
"صحيح .... هل تعرف حقيقة؟"
وبدا الأهتمام على توني وهي تنتظر رده :
"تختزنينها ولا تعتزمين ‘نفاق بنس واحد منها ... إنك بخيلة جشعة يا توني"
"اشكرك ... انك ايضا لا تمنح الكثير بروح السخاء.."
وضحك.
وحاولت توني التفاهم معه للحصول على جزء من مخصصاتها التي كان قرر وقفها , لكنه رفض ذلك , وقال :
"اذا تجرأت مرة أخرى وأرسلت لي كشف حساب سأنهال عليك ضربا"
وقالت توني وقد سرت رعشة غريبة في جسمها :
"لن تستطيع السيطرة عليّ بأي عنف جسدي"
"لماذا ؟ هل تعتبرين نفسك نداً لي ؟"
"اود ان اقول انني سألجأ الى الشرطة اذا تجرأت وحاولت حتى لمسي بإصبعك"
"اخشى ألا يفيدك ذلك ... الزوج اليوناني من حقه ان يؤدب زوجته المخطئة"
كان في استطاعتها ان تخبره انه نصف انكليزي ... ولكن داروس كان يفضل اعتبار نفسه يونانيا . ورمقته توني بنظرة تحد , وقالت :
"باستطاعتي ان اخرج عن طاعتك"
"هذا صحيح ... ولكن جدي في هذه الحالة سيعتبر الزواج منتهيا "
ولمعت عيناه بالسعادة بينما أضاف :
"في اليونان تعتبر المعاشرة الزوجية هي التي تقرر اذا كان الزوجان متزوجين حقيقة ام لا .... ولا توجد بيننا معاشرة زوجية كما تعلمين "
وهز كتفيه ثم ضحك برقة عندما تسلل الدم الى وجهها .
كانت تتمنى ان تناقشه ... وان تتهمه بالكذب ولكنها كانت قد اقامت في اليونان مدة كافية لتعلم أهمية الحياة الزوجية بالنسبة الى الزوج اليوناني .
والواقع انها لم تكن تفكر حقيقة في ترك زوجها , كانت تأمل في التوصل الى طريقة ما تجعله يدفع ثمن الأهانات التي وجهها اليها . ومع ذلك كان شاغلها الوحيد الآن هو كيفية الحصول على الأموال . ومت الأيام وشعرت توني ان الأطفال أصبحوا أكثر هدوءا . كانت توني تعتقد هذا الهدوء انما يرجع الى مرض شقيقتهم لويس , الا انها اكتشفت في اليوم الرابع عدم وجود روبي اثناء تناول الشاي .
وسألت :
"اين روبي ؟"
ونظر ديفيد اليها قائلا :
"في غرفته"
"ماذا يفعل هناك ... اذهب اليه واخبره ان الشاي حاضر"
"انه لا يستطيع النزول "
وخفق قلب توني سريعا , وتمنت الا يكون روبي مريضا .. يكفيها رعاية لويس اثناء مرضها ..كانت الطفلة لا تثير المتاعب بسبب مرضها فقط ,لكنها كانت شرسة وقحة بطبيعتها ولعل هذا يرجع الى عدم وجود سيطرة ابوية .الواقع ان الولدين كانا عنيدين لا يطيعان احدا وبرغم ان توني كانت تشعر بالسعادة احيانا لأنهما يزعجان زوجها لكنها كانت تشعر بالضيق والحرج حتى تنقض عليهما وتشبعهما ضربا . كان الألم يحز في قلبها بسبب التلف الذي أحدثاه ... كان هذا التلف يبدو اشبه بإجراء انتقامي . وعندما يحطمان قطعة اثرية نادرة وهما يتصارعان في غرفة الجلوس كانت تشعر بالأسف على فقدها اكثر مما تشعر بالغضب وهي تتلقى تأنيب زوجها .
" ورده قايين "
وسألت بسرعة :
"ماذا تعني بذلك؟"
"هذا الرجل البغيض – أقصد العم داروس – طلب من روبي الصعود الى الغرفة بعد الغداء , ولم يسمح له بالنزول مرة اخرى اليوم"
"العم داروس .... كيف يحدث ذلك.... ما الذي فعله ؟"
"كان يتحدث بوقاحة الى البستاني .... وعندما طلب داروس منه ان يعتذر , خاطبه هو الآخر بوقاحة , ولذلك أمره بالصعود الى الغرفة"
وأحست توني بمشاعر مختلفة , فبينما شعرت ان خطتها الأخيرة للأنتقام من داروس فشت , كانت تحس على النقيض بالأرتياح لأن الأطفال اخذوا يخضعون لنوع من التربية السليمة –وأدهشها ان تقول فجأة له :
"العم داروس كان على صواب عندما عاقبه
فنظر اليها ديفيد وهو يقول :
"هل تتفقين مع العم داروس؟"
"بالتأكيد"
" ورده قايين "
"اود العودة الى بلدي ... لويس مريضة في الفراش وروبي معاقب في الغرفة , فماذا افعل وحدي ؟"
"باستطاعتك ان تمضي وقتك بالقراءة ...كما طلب منك"
وفي هذه الأثناء كان داروس يمرّ امام الغرفة , ثم دخلها ونظر الى ديفيد في جفوة . وقالت توني :
"ابلغني ديفيد ان روبي في غرفته بناء على أوامرك"
ونظر اليها والغطرسة بادية عليه حتى في الطريقة التي وضع بها يده على الباب :
"هذا صحيح , هل لديك أية تعقيبات على ما فعلت ؟"
ونظرت توني الى ديفيد الذي كان ينتظر منها ان تنتصر لأخيه .
"كلا.... ليس لي تعقيبات ... ولكن أيتعيّن عليه ان يبقى في غرفته طوال اليوم؟أليس هذا وقتاً طويلاً؟"
وأدهشه انها لم تكن غاضبة ولكنه لم يفصح عن هذه الدهشة وهو يقول في نبرات هادئة:
"في الأحوال العادية تعتبر هذه العقوبة قاسية , ولكن روبي تمّ تحذيره مرتين , وكان يدرك جيداً ما يتوقعه اذا تجاهل التحذير الثاني"
"هل سيتناول أي طعام؟"
"أرسلنا الشاي اليه في غرفته"
ولم تبد أي تعليق فنظر داروس الى ديفيد وقال :
"أتذكر القراءة التي نصحتك بها ... تستطيع ان تحضر الى غرفتي بعد تناول الشاي لتحدثني عنها"
واندهشت توني من مسلكه , ان السيطرة على الطفل شئ . والأهتمام به الى هذا الحد شئ آخر , لابد ان يكون شخصا آخر غير داروس فما الذي حدث له ؟
وقال ديفيد في تأدب وهو ينظر الى يديه الموضوعتين فوق ركبتيه :
"لم أقرأ شيئا...."
"أعتقدت ذلك .... ألم احذرك , افرغ من الشاي ثم أصعد الى غرفتك , وسوف تبقى مثل روبي حتى صباح الغد"
ونظر ديفيد الى خالته مستعطفا وهو يبكي :
"أريد العودة الى بيتي"
لم تكن قد استعادت صوابها بعد من الدهشة التي اصابتها . لم تكن تتوقع ابدا ان يكون في أخلاق داروس هذا الجانب من الطباع . كان هادئا ومع ذلك كان حاسما . الغضب الذي بدا عليه بعد وصول الأطفال تحوّل الآن الى اهتمام لا داعي له . ومحاولة داروس السيطرة على الأطفال لمجرد الدفاع عن النفس في حد ذاته امر مفهوم . لكن محاولته التأثير عليهم بهذه الطريقة كانت شيئا من الصعب فهمه.
وفي هذه الليلة شعر الأطفال الثلاثة ان الأحوال تغيرت بالنسبة لهم تماما . أصبح هناك شخص – غير والدتهم العطوفة التي تستجيب دائما لكل مطالبهم – يستطيع ان يتصدى لهم , وان يضع قيودا على تحركاتهم .
وعندما التقى الأطفال في غرفتهم كانت تجتاحهم مشاعر التمرد على هذه القيود الجديدة التي لم يألفوها من قبل . وكان هناك اصرار بينهم على مواجهة هذا الموقف.
وقال روبي :
"ما الذي يدفعنا الى البقاء هنا ؟ كل تحركاتنا اصبحت مقيدة تماما"
ورد ديفيد :
"انني اعيش في سجن كبير واسع . العم داروس يحاول فرض سيطرته الكاملة على كل تحركاتنا"
"علينا ان نتخذ قرارنا الليلة لنبلغه الى خالتي بمجرد ان تستيقظ في الصباح"
"يبدو ان خالتي توني لا تستطيع هي ايضا أن تجد مخرجا لنا مما نحن فيه "
"علينا ان نتدبر الامر حتى نحمل العم داروس أما على تغيير طريقته في معاملتنا او أعادتنا الى بيتنا"
" لاحظت شيئا هاما الليلة..... خالتي توني وقفت الى جانبه وهو يروي لها الأسباب التي دفعته الى معاقبتك"
" ربما تكون خائفة مثلنا ,أنه رجل شرير متغطرس"
وأعتدلت لويس وهي في فراشها :
" أنكما تفكران بطريقة كلها أنانية , كل همكما أن تتوافر لكما أسباب الراحة بدون ضابط أو أن تعودا الى بيتنا لتضاعفا من المشقة التي تعاني منها والدتي , فلنتدبر الأمر جيدا , لابد أن يكون في أصرار خالتي توني على وجودنا معها هنا فائدة كبيرة"
" ربما.... لكنها فائدة تحد من حركتنا وكيفية استمتاعنا باللعب..... "
وقالت لويس في نبرة كلها أستعطاف:
" قدمت والدتي لنا كل ما في طاقتها أثناء الدراسة... فلماذا لا نتيح لها الفرصة كي تسترد أنفاسها ؟ أن استمرار وجودنا هنا يسمح لها بالعلاج لاستعادة صحتها , وربما استطاعت بعد ذلك أن توفر لنا امكانيات أكبر للعب واللهو "
ورد روبي قائلا:
" انا مصمم على العودة , جئت الى بيت خالتي توني وكانت تحدوني الآمال في قضاء وقت كله لعب واستمتاع بالطبيعة, اما الآن فأنني أشعر أنني استأنفت دراستي مرة أخرى"
وأضاف ديفيد الى كلام أخيه:
" العم داروس مصمم على ان نقرأ كل يوم الى جانب اللعب"
وقالت لويس:
" خالتي تؤيده , لابد أن يكون هناك وقت للأستمتاع باللعب واللهو وآخر للقرأءة والدرس"
وفجأة سمع الأطفال طرقا على باب الغرفة ثم انفتح الباب برفق... ودخل العم داروس:
" هل أشارككم هذا المؤتمر الصغير؟"
وصمت الجميع , لم يجروء أحد على الرد عليه , ربما أحتجاجا على مسلكه معهم , وربما خوفا من عقوباته القاسية التي يمكن أن يفرضها بدون رأفة
وأستطرد قائلا:
" أعرف أنكم تنتقدون مسلكي معكم , انكم أيها الصغار لا تدركون بعد أنني لا أقصد أن أفرض عليكم قيودا لمجرد الرغبة في مضايقتكم , كل ما في الأمر أنني أردت غرس نوع من السلوك المنتظم في نفوسكم يوفر لكم متعة حقيقية أثناء وقت فراغكم "
كان داروس يتحدث اليهم في عطف ومودة  لقد خلا حديثه تماما من أي تهديد بعقاب او أية اوامر صارمة
" لاأشك أبدا في أنكم جميعا تحبون والدتكم  أنها في حاجة الآن لأن تتفرغ لنفسها بعض الوقت حتى تستكمل علاجها  هل تبخلون عليها بهذه الفرصة؟"
ورد الجميع في صوت واحد:
" كلا.... أننا ندعو لها بالشفاء"
وأحس داروس بأن هناك استجابة من الأطفال لهذة الطريقة من التفاهم:
" أذا فلنتفق على ان نتعايش معا , ولنخصص من يومنا وقتا للأستمتاع باللهو , وآخر للأستفادة بالدراسة  وليحترم كل منا رغبات الآخر"
" ورده قايين "
وكانت المفاجأة ان يدرك الأطفال الثلاثة حقائق الموقف بأسرع مما ادركته خالتهم توني  وتعاهد الجميع على تغيير سلوكهم 0 لابد من معايشة العم داروس حسب التقاليد التي يعتقد انها صائبة 0 اما العم داروس فلن يبخل عليهم مقابل ذلك بشئ 00سوف تتتوافر لهم كل وسائل اللهو !
وأحس الأطفال بعطف حقيقي من العم داروس , انه ليس بهذه الدرجة من الشراسة التي بدت لهم في لقائهم الأول معه0

🦋الثأر 🦋🌿ان هامبسون 🌿روايات عبير القديمه حيث تعيش القصص. اكتشف الآن