5|خطايا

47 11 3
                                    

«وما كان الله بتاركك حزينًا وحدك حتى لو ظننت أنت ذلك، تضرّعك إليه حزينًا يائسًا في دُجى الليل طالبًا الرحمة لن يضيع أبدًا.»

يا ابن آدم! لقد تفاقمت على كاهليك الذنوب، وكثرُت خطاياك... ألم يحِن الوقت بعد حتىٰ تعود لرُشدك وتُقلع عن فعل المعاصي؟ ألم تكتفي من خطاياك المُتراكمة، وروحك المُدنسة بالذنوب؟ ألم تتعب بعد؟ كفاك عِصيانًا، إن التوبة تُناديك فاذهب إليها، فإنها والله مُشتاقةٌ لك... سيمُرّ عُمرك هباءً دون أن تدري، حينها سيكون الأوان قد فات، وانتهت الفُرص.

أحيانًا ما يكون اليأس من رحمة الله هو أكبر الأسباب التي تُجبر الإنسان على التعمّق في خطاياه أكثر، وارتكاب الذنوب بصورةٍ مُتكررة وهو يعرف جيدًا أن ما يفعلهُ خطأ.

كان يسير في الشوارع بلا هُدًى بعدما افترق عن أصدقائه ككُل ليلة، يذهب بعد الساعة التاسعة إلى الحانةِ بأجرة يومه فيُنفقه فيها، ثُم يعود للمنزل في الرابعة فجرًا سكيرًا مُترنحًا، لكنه اليوم غَيّر وجهته وبات يمشي في الطُرق مُترنحًا إثر الخُمور التي تناولها دون وجهة مُحددة.

يشعر بالضياع ولا يعرف أي وجهةٍ يختار، نظر حوله بعد ساعة من المشي ليجد أنه واقفٌ أمام شاطئ البحر، تقدم للأمام قليلًا ثُم جلس على الشاطئ، حيثُ الأمواج تتلاطم لتُصدر ضجيجًا خفيفًا كان مُحببًا له.

أغمض عينيه وهو يشعر بهبوب النسيم إليه، ثُم فتحهما مُتأملًا البحر بأمواجه الساحرة، وهو يتساءل في نفسه عن سبب وجوده في الحياة إن كانت حياته هكذا، لا فائدة من وجوده حيًا.

يؤذي نفسه.. ويؤذي الآخرين معه أكثر، كُلّما مرّ يومٌ على وجودِهِ حيًا، يُسبب جروحًا غائرةً لمن حولِهِ يأسًا منهُ وحُزنًا عليه، أما من حلٍ لهذا الضياع، ألم يكفيه هذا.. حان وقت الرجوع لطريق الصواب.. لكن لا يعرف كيف، كلما حاول الرجوع والاقلاع عن ما يفعله، عاد إلى نفس الطريق رغمًا عنه.

همس في نفسه بيأسٍ وقد تفاقم الحُزن على كاهليه:
«وما حاجة الله بتوبة عبدٍ عاصٍ مثلي، لا يُصلي ولا يصوم، ويفعل كل ما هو مُحرم، لا يستحق حتى أن يتنفس هذا الهواء.. لا يستحق أبدًا.»

ودون وعيٍ منه بكى، وكان بكاءهُ عاليًا وهو يضع كفّيه أمام وجهه، لا يعرف ما يفعل فعليًا.. لا يعرف إن كان الله سيقبل توبته أم لا، يُريد التوبة، يُريدُها بشدة، يُريد أن يكون عبدًا طائعًا صالحًا لا يعصي الله أبدًا، ويطمع في رحمة الله ومغفرته، يُريد حقًا أن يُصبح إنسانًا سويًا...

هُناك ألمٌ فظيعٌ يستكينُ بين أضلُعه وثُقلّ يُعيق تنفّسه، يشعر بالاختناق ويُريدُ منهُ أن يذهب عنهُ لكنّه لا يفعل، فالخطايا التي تُدنّس روحهُ كفيلةٌ بقتلِهِ شنقًا في هذه اللحظة.

صرخاتٌ لا تُسمع!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن