4| ليلةٌ في ديسبمر +14

76 10 9
                                    

«لقد كان جوّكَ المُعذّبُ يا ديسمبر أكثر برودة، أكبر من قدرتي على التحمّل.»

شعور الفقدان، وحدةٌ تقتلُك وتَمحي الحياة فيكَ، ألمٌ يستوطن داخلك مُزحزحًا راحتكَ وسعادتكَ بعيدًا، ندمٌ يعتريك لعدم استغلال ذلك الوقت الذي كان بإمكانك قضائه مع من تحب قبل رحيله، ظلامٌ مُوحِشٌ يُحاوطكَ فيتوارىٰ ذاك النّور الذي لم يُبارحكَ يومًا فيهِ، نومٌ يُجافيكَ وأرقٌ يستكينُ بين جفونك فيستنزفُ من طاقتك طوال الوقتِ بلا أي أسف، موتُ الواقِعِ داخلكَ وتحوّل الألوان في عينيكَ للونٍ موحّد، الرّماديّ.

جميعُنا مررنا بذلك الشعور القاتِل، مررنا بتجربةِ خسارةِ أحدهم.
تختلفُ ظروفنا وقِصصنا لكنّ مشاعِرنا مُوحّدة، الألم واحدٌ والتجربةُ هي ذاتها...

لكن.. هل بفقداننا لشخصٍ ما مهما كانت درجة قرابته منّا ورحيلِهِ فجأةً عن حياتنا ستكون نهايتنا؟ القصص لا تنتهي بموتِ أحدهم، وقصتك لن تنتهِي إلا بانسحابِ أنفاسِك واحتلال سقيعُ الموتِ أطرافك وزوايا جسدك، ذبول جفونكَ وشحوب ملامحك يُثبتُ ذلك.

نظرت للسّاعةِ المُعلّقةِ على الحائِطِ وهي حقًا مُنزعجةٌ من صوتها الذي يدوي أرجاء الغُرفةِ المُعتمة دون وجود من يحجبه، لتجدها أصبحت مُنتصف الليل، لقد مرّ الوقتُ سريعًا، يجبُ عليها النّومُ مُبكرًا اليوم، لكنّ لا تستطيع في هذه الليلة بالذات؛ لقد جافى النومُ جفونها وهربَ بعيدًا تاركًا إيّاها في حقبةِ الذّكرياتِ تُعاني، تلك الدوّامة التي تستنزفُها داخليًا وخارجيًا.

أخذت شهيقًا تزفُره بقوةٍ علّها بذلك تُهدّئ روحها المُرتاعة، لا زالت لم تستِطع التخلّص من ذِكرى ذلك اليوم الملعون، ضعفٌ يحتلّ جسدها النحيلِ، غُصةٌ حارقة تخنقها وتُدميها، وكأنها تشهدُ أحداث تلك الليلة تُعاد من جديد.

عادت لتتنهّد مرّة أخرى، ثم توجّهت للفراش ترتمي بثُقلِ جسدها عليه، محاولةً إغلاق جفونها لتنام، لكن تلك المحاولات فشلت.. وها هي لا زالت مُستيقظة، ذاكَ الدّيسمبر لا يُريد تركها وشأنها، يُريد الانتقام منّها لذنبٍ ليس بذنبها، أو رُبما كان!

«يجبُ أن أنام، يجبُ أن أنام، يجبُ أن أنام.»
تمتمت بصوتٍ خافت تُذَكِّرُ نفسها بهذا، إن لم تستطع النّوم لن تذهب لها غدًا، في ذِكرى وفاتها..

«لِيلِي، أتُمانعين إن جلستُ هنا؟»

«رينا؟!» نهضت جالسةً على الفِراش حين سمعت صوتٌ تتلهّفُ اشتياقًا لسماعه يترددُ بأذنيها فتستيقظُ باحثةً عن صاحب الصوت، لكن لم يكُن هناك أحد.

«اصمُت، اصمُت، اصمُت رجاءً!» ردّدَت بانفعالٍ خافت وهي تضرب رأسها بكفّيها بقوةٍ وكأنّه السّبب، لكن تلك الأصوات لم تكُفّ ولم تصمُت أبدًا.

«لِيلِي، أتمنى أن نُصبح مُقرّبَتين، صديقتين جيّدتين.»

«رجاءً اتركني وشأني واصمُت!» علا صوتها رُغمًا عنّها، لقد أصبحت تشعُر بالضيقِ الشّديد وكأن هُناك من يمنعها من التنفّس، لا تشعُر أنّها بخيرٍ في هذه اللحظةِ أبدًا، أبدًا.

صرخاتٌ لا تُسمع!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن