2| أما آن لكِ العودة؟

147 34 43
                                    

___
«وكانت قضيتها قضية وطن»

«الموت، كلمة تُجسّد حقيقةً هي أكثر الحقائق تصديقًا وواقعيةً في هذه الحياة، الموت هو خروج الروح عن الجسد، ليُصبح الجسد باليًا خاويًا من أي معالم للحياة، هشًا يتطاير مع نسمات الريح العابرة، يُصبح مُجرّدًا من المشاعر، يختفي منه الدفء ويعتريهِ سقيعُ الموت، تختفي معالم وجهه خلف معالم أخرى، باهتةٌ، شاحبة، وواهنة!

وهل هذا هو الموتُ الذي يُجسّدُني؟

ماتت مشاعري وتبدّلت بمشاعر أخرى أكثر.. إيلامًا! أكثر قسوةً، أكثر عذابًا لي، أنا لازلتُ أشعر، لكن مشاعري عبارة عن حممٍ بركانية ثائرةٌ ومُتأججة بصدري، تُحرق قلبي، تحرق فيّ إلى أن تآكل صدري، وأصبح مليئّا بالصدأ، أصبح كبيتٍ مهجور، خاوٍ من أي معالم تدل على الحياة، وهذا هو النوع الآخر من الموت! حينما تموت داخليًا، لكنك خارجيًا لا زلت حيًا، تتنفس، تمشي، تنظر فقط وأنت عاجزٌ عن إبداء أي ردة فعلٍ طبيعية كأي إنسان طبيعي، دون أية تصرفاتٍ مُحددة، فقط تنظر وتُشاهد الآخرين وهُم يستمرّون بحياتهم بشكلٍ عادي، بصمت، وقد فقدت الرغبة في قضاء حياتك، كإنسان! وكان هذا أكثر إيلامًا من أي شيءٍ آخر.»

تنهيدة عميقة خرجت من بين شفاتها التي كانت ترتجف بشدة، لا تعرف إذا كان ارتجافها هذا إثر ذلك النسيم الذي هبّ مُنذ قليلٍ مُداعبًا بشرتها بنعومةٍ مُربتًا عليها، أو إثر أفكارها السوداوية وذكرياتها اللعينة المُحيطة بعقلها من كُل اتجاهٍ وزاوية، كانت تجلس أعلى الكُرسيّ بجانب الشرفة والتي كان بابها مفتوحًا، بعض النسيم البارد داعبَ بشرتها بخفةٍ مرّةً أخرى، برقة جعلتها تُطبق جفنيها مُستنشقةً عبقه المختلط برائحة المطر، كان الجو شبه بارد بسبب المطر الذي تساقط على حين غفلة، لقد كانت السماء صافية طوال النهار والشمس مشرقة، لكن حين حلّ الليل كعادته حلّ بكُل ما يحملهُ من أسًى وشجن، بكُل ما يحملهُ وحشةٍ وألم، تساقطت القطرات بخفةٍ إلى تكاثرت وتحوّلت إلى زخات مطرٍ قويّة، كحياتها تمامًا، والتي كانت ما تسير بشكلٍ جيد، ولكن فجأة، انقلبت رأسًا على عقب وانتهت، لتجلس هنا بهذا الشكل البائس والباعث للشفقة تسترجع ذكريات الماضي والذي تريد دفنه حيًا لكنه يأبى ذلك، يبدو أنه وجد المُتعة في تعذيبها هكذا على الرحيل بسلام.

خائفة؟ يبدو هذا، هي فعليًا خائفة كل الوقت، والذي يمُر عليها كالسيف الذي يُقطِّعُ بأحشائها من كثرة خوفها من القادم، تخاف أن يتكرر ما حدث في الماضي، تخاف بشدة أن يحدث مجددًا وأن تُعاد أحداثه الموجعة، بالرغم من أنها الآن لم يعُد لديها ما تخاف عليه، لا لحظة! هي بالفعل لديها! نعم لديها عمتها الوحيد والتي اعتنت بها مُذ انتهت حياتها ورحلت معها روحها، التي انسحبت من جسدها بقسوة.

أمن الطبيعي أن يعيش الإنسان طوال حياته خائفًا؟ يعيش ويتنفس كل لحظةٍ من لحظات حياتهِ ذاعرًا من كُل ما يُحيطه؟ مُقيدًا بأصفاد الماضي الذي يرفض تحريره ليمضي في سبيله بسلام؟ كيف وهي تعيش داخل وطنٍ مات مُنذُ زمنٍ طويل؟ كيف ووطنها فاقدٌ لوطنيته ولأرضه وشعبه؟!

صرخاتٌ لا تُسمع!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن