الفصل الرابع عشر

27 0 0
                                    

الفصل الرابع عشر
بعد أسبوعين

قطنت سجدة في أحد الفنادق العادية بعد أن كانت تنام علي فراش من حرير في شقتها هي ويارا .. كانت تقطن في أرقي وأجمل الشقق في بيروت.. بدائت بالبحث عن عمل ولم يقبلها أي عمل بسبب خبر زواجها من إسرائيلي .. كانت سجدة تستقبل نظرات الإستحقار من حولها .. ولكنها لم تستحقر نفسها أو تندم علي ما فعلته  فهي فخورة بزواجها من جونيور وليست نادمة علي شئ ولو عاد بها الزمن لفعلت ما فعلته منذوا أن عرفته ولم تتأخر بذاك الزواج .. في نظرها .. كلام الناس مثل الصخور إمّا ان تحملها على ظهرك فينكسر أو تبني بها برجاً تحت أقدامك فتعلو وتنتصر .. لذلك لا تبالي بما يقال عنها .. كل ما تفكر به هو زوجها ووالد إبنها .. نعم هي الأن حامل .. لقد إكتشفت ذلك بالأمس عندما جربت جهاز الفحص المنزلي .. لذلك لا حل أمامها سوى أن تبحث عن عمل وتجمع المال كي تتمكن من إخراج جونيور ليربيا إبنهما معا كأي عائلة سعيدة .. لا تريد لإبنها أن يتشتت .. ويعيش ذات ذاك التشتت الذي عاشته والدته .. ذاك التشتت الذي عاشه والده أيضا .. لا تريد أن يرث أبنائهما عنهما التشتت والحياة المهجرة .. ولكن كيف ستجمع ذاك المبلغ في هذه الشهور .. ماذا ستفعل ؟ .. كان حلها الوحيد هو أن تأخذ ميراثها وتبيعه كي تخرج جونيور .. لا تريد المال ولا تريد شئ .. جونيور فقط وجوده في حياتها يكفيها .. بعد أن كانت تعمل في إحدى أكبر القناوات أصبحت الأن تعمل كنادلة في مطعم صغير وهو المكان الوحيد الذي قبل بها .. لقد كانت تقوم بعملها بأكمل وجه .. رغم ضعف القيمة المالية التي يمنحها لها صاحب المطعم إلا أنها لم تستطع تركه .. هي تخدع نفسها إن قالت أنها ستتمكن من جمع ذاك المبلغ .. المبلغ الذي يطلبونه ضخم ولن تتمكن من جمعه حتي وإن باعت نفسها .. ماذا تفعل ؟؟ .. ليتها تملك رقم مؤيد أو السيد فتحي او أحد أبنائه .. لا أحد غير تلك العائلة سيساعدها .. المشكلة أن جونيور أحرق هاتفه في فلسطين .. لكانت الأن تمكنت بالإتصال بمؤيد وإخباره عن صديقه مصطفي الخائن والكاذب .. لم تعرف سجدة ما ستفعله .. كيف تصل إليهم ؟ .. سيساعدونها لن يرفضوا ذلك .. هم يظنون أنهم وصلوا للبنان بسلام لم يخطر ببالهم أنهم قد تعرضوا للخيانة من مصطفي .. " سجدة .. توقفي عن الكسل الوقت ليس وقت الراحة عودى لعملك " .. أجفلت سجدة من صراخ رئيسها الجديد الغاضب بها .. السيد خالد هو مالك هذا المطعم الصغير الذي يحتل موقعا إسترتيجيا في طريق السياح .. عادت سجدة لعملها فورا بسرعة تجمع الطلبيات من علي الطاولات وصلت أخيرا لأحد الزبائن .. دون أن تنظر لوجهه رسمت إبتسامة ودوده علي ملامحها الشاحبة وقالت بتودد " مرحبا سيدى .. ما هو طلبك " .. نظر إليها الرجل للحظة بإنصدام وعدم تصديق .. هل هذه سجدة ؟ .. نظر إلي وجهها الشاحب الملتف بحجاب زهرى .. هل هذه سجدة ؟ .. لطالما أحبت اللون الأسود فما تغير الأن لترتدى وشاحا ملوننا وقميص بنفس اللون الهادئ ذاته .. ما الشئ الذي تغير لتترك اللون الأسود أم أن ذاك الإسرائيلي أنساها اللون الأسود ... نعم إنها ذات تلك الغمازات التي حفظها علي ظهر قلبه إنها ذات تلك العينين التي لطالما حلم بها .. قال همسا بإندهاش " سجدة " .. نظرت سجدة فورا لمصدر الصوت لتدرك أخيرا .. تذكرت ذاك الوجه والعينين العسليتين فقالت من فورها غير مصدقة " سيف ! " .. لم تتوقع رؤيته ولم ترد أن ترا وجهه بعد ذاك اليوم الذي غير حياتها .. أن تراه بعد كل ما حدث .. عادت ذكرى ذاك اليوم إليها .. ذاك اليوم .. تلك الصدمة .. كي تتالى صدماتها دفعة واحدة بعد صدمتها فيه .... نعم إنها سجدة .. سجدة التي لطالما أحبها .. سجدة التي لم ينساها قلبه .. بسبب تلك النزوة منه عندما كان يتسلي مع إمراءة أخرى في غيابها .. عندما جرح هذه الزهرة الصغيرة بتلك النزوه التي من بعدها علم عن زفافها .. زواجها من محتل كان صدمة لكل العالم .. كان يستقبل نظرات الشفقة من حوله في القناة كان يمسك ضحكته في كل مرة .. يظنون أنها هي من خانته دون أن يعلمو الحقيقة .. هو من أول من خان فردت له خيانته .. أليس من حقها ذلك !! .. إنتفضت سجدة في تلك اللحظة وجرى الكره والحقد في دمها .. كانت ستغادر لكنه وقف و أمسكها من معصمها وقال بتوتر " سجدة أنتظرى ! " .. كانت تحاول أن تسحب يدها منه ولكنه كان مقيدا لمعصمها الصغير بيده الخشنة .. كان المطعم مكتض بالرواد فلاحظت نظراتهم الفضولية لهما .. ومن يفوت مشهدا كهذة سجدة محمد في مواجهة خطيبها القديم والذي تركته من أجل إسرائيلي محتل .. همست بصوت أجش وهي تنظر حولها " أتركني " .. قال من فوره بنفس همسها " لا يجب أن نتحدث أولا " .. في تلك اللحظة دوى صوت لإمراءة من خلفهما " سيف ماذا تفعل ؟ " .. إلتفت سيف لتلك المراءة وتأفف بصمت ثم قال ولم يترك يد سجدة بعد " ناهد .. لقد كنت أنتظرك " .. ألقت ناهد نظرة عابرة علي المراءة التي يمسكها من معصمها .. لم تحتج لوقت كثير لتعلم من هي .. إنها سجدة خطيبته القديمة ومن يخطئها بعد ذاك الخبر الذي إنتشر عليها ... ترتدي ثياب المخصصة للعاملين بهذا المطعم وحجاب زهرى .. ومتي قررت سجدة أن تتحجب ؟ .. أم أن ذاك المحتل هو من حجبها .. إعتادت سجدة علي تلك النظرات من حولها .. ولم تعرها أي إهتمام لا يهمها ما يقوله الناس عنها مهما تحدث الناس في النهاية سيملون ويصمتون .. إنتقلت ناهد بنظرها إلي سيف وكأنها تسأله بعينيها ما الذي أحضرها إلي هنا .. إرتبك سيف للحظة ثم قال " ناهد نسيت أن أعرفك .. هذه سجدة محمد خطيبتي القديمة " ... قالت من فورها ببرود " أعرف سجدة التي تركتك من أجل إسرائيلي محتل " قال من فوره صارا علي أسنانه " ناهد! " قالت ببرائة مصطنعه " أليست هي !! " هل هذه هي ناهد التي خانها بها ! .. إنها فتاة في عمر الثمان والعشرين تقريبا شقراء بعينين بنية وأهداب طويلة وجه مربع وأنف مدبب وشفتين رقيقتين .. شعرها مقصوص يصل إلي نحرها بني تبدوا أنيقة بتنورتها الملتصقة القصيرة والقميص الواسع والمطمور داخل التنورة .. لقد كانت البذلة مبرزة لمفاتنها بشكل واضح جدا .. ولكن ! .. بطنها منتفخ وكأنها حامل .. سحبت سجدة في تلك اللحظة معصمها من سيف بعد أن أرخي يده عنها إلتفت إليها في تلك اللحظة .. وضعت يدها علي بطنها وإبتسمت رغم النار التي تحرق صدرها قالت ببرود يعكس ما في داخلها " وعما قريب سأكون أما لإبنه " .. المهزوم إذا ابتسم أفقد المنتصر لذة الفوز .. زادت من إتساع إبتسامتها التي أحرقت تلك المراءة التي ظنت أنها بما قالته ستعيرها ولكنها فاجئتها بساعدتها وردت فعلها الغير مبالية ... غادت سجدة فورا بعد تلك الكلمة التي لم تتوقع أنها ستنطق بها يوما .. تاركة خلفها إمراءة تغلي ورجل مجروح .. كما جرحها بخيانته جرحته هي أيضا .. شعرت باللذة الإنتصار أخيرا .. عادت إلي الداخل وعاد تفكيرها مجددا إلي زوجها المفقود .. شعرت بدمعة تحرق جفنيها .. هل ستراه مجددا ؟ .. هل سيعود ؟ .. لقد رحل قبل أن يعلم عن إبنه ..
[ ]
[ ]
[ ]
[ ]
شعر سيف كأن سيفا قد شق صدره وقسم قلبه لنصفين .. إثر تلك الكلمة .. وكأن حجرا من السماء سقط علي رأسه .. حامل .. حامل .. حامل من ذاك المحتل .. بالإبن الذي لطالما حمل به .. لطالما حلم أن يكون له إبن منها .. ولكن من حضي بتلك الفرصة هو ذاك المحتل .. وكل ذلك بسببه هو .. عندما كان يلهوا كالعادة مع إحدى بنات الليل .. تفاجئ ذات يوم بحملها .. لم يستطع أن يسقطه لأنها كانت متمسكة بهذا الإبن بل بلغت فيه عند الشرطة بأنه إغتصبها ولا يريد الزواج منها لذلك أرغمه القانون علي الزواج من هذه العاهرة .. وعندما رن هاتفه ذات يوم ظن أن المتصل هي ناهد لأن ناهد خرجت غاضبة منه .. لذلك رد دون أن ينظر للرقم .. أراد أن يخفف عنها لم يرد جرحها خصوصا بعد أن علم أنها مصابة بالسرطان وأن ذاك الإبن مصاب أيضا .. لم يرد أن يغضبها وهي تتعرض لكل تلك الضغوط .. لذلك بداء بطمئنتها بأنه يحبها وبأنه نسي سجدة وأن حبه أصبح لتلك العاهرة فقط .. فتفاجئ أن من كانت علي الخط هي سجدة .. ومن ذاك اليوم لم يلمس ناهد وحتي وهي زوجته وتاب عن تلك المعاصي التي كان يفعلها .. نظر إلي ناهد بغضب وقال " لما قلتي ذلك .. هي في النهاية مازالت حبيبتي " .. قالت ببرود " حبيبتك لأنها تركتك بينما أنا هي التي بقت بجانبك " .. كان سيقول .. أنت مجرد عاهرة وصمت بها .. كان سيخبرها أن ما يربطها به هو ذاك الإبن .. كان سيخبرها أنه يكرهها ولا يحبها وسيفرح لموتها بعد أن كذبت عليه تلك الكذبة .. ولكنه تماسك بصعوبة .. فكلامه سيزيد حالتها سواءً وكذلك إبنه ..
[ ]
[ ]
[ ]
[ ]
سمعت صوت طرق علي الباب علمت فورا أنه تقي لا أحد يدخل سواه .. قالت من فورها " ادخل الباب مفتوح " .. أخفي تقي فرحته بأن الباب مفتوح .. منذوا ذاك اليوم الذي طرد فيه سجدة ويارا تحبس نفسها في غرفتها .. إعتصمت علي الطعام لثلاث أيام فأرغمها .. وعندما يدخل وكأنها لا تراه .. تدخل للحمام أو تلعب علي هاتفها او تنام أو تشاهد التلفاز بينما هو يقف في غرفتها كأنه إحدى التحف .. لقد أصبح إستنكارها له هذه الأيام يستفزه ويثير غضبه .. كل هذا من أجل سجدة !! .. قارنها بزهراء التي كادت أن تطير من الفرح عندما علمت بطرده لها .. توزه ليلا ونهارا بالأفكار السيئة تجاه سجدة .. درجت أنه شعر بالملل من نفس الشريط .. فتح الباب ودخل إلتقطت عينيه مظهرها وهي نائمة علي السرير تشاهد شيئا ما في هاتفها .. لقد شعر بالإشتياق لها ... لهدوئها .. لرقتها .. لأنوثتها .. أصبحت غرفتها هي ملجئه الوحيد من كلام زهراء علي سجدة .. كلامها الذي يقطعه ويقتله .. ألا تشعر به كم هو يتألم بدل أن تخفف عنه تزيده .. عادت أفكاره مجددا إلي يارا .. إنه يشعر بتجاهلها له لمدة اسبوعين كاملين .. مضن دون أن يرى إبتسامتها وضحكتها المحببة إلي قلبه .. وماذا أيضا ؟ .. بكل طفوليه تخبئ نفسها عنه في هذه الغرفة التي سيحطمها يوما من الأيام .. نظرت إليه بطرف عينيها مدعية اللامبالاه تحاول كبح ضحكاتها عليه !! .. إنه يتصرف كالأطفال تماما .. يدخل كل يوم لغرفتها متعمد أن يوقع ما توظبه او ترتبه حتي تتكلم معه .. يتأفف كل لحظة حتي تسأله ما بك ؟ .. إلا أنها لا تستجيب لازالت متمسكة بقرارها ..لن تتكلم معه لن يلمسها لن يقبلها لن تأكل معه .. حتي يعطي سجدة حقها .. نظرت لما تفعله وهي تعيد وجهها للجدية تراه قادم إليها بوجه غاضب وقلبها يطرق بعنف .. هل سيهجم عليها ؟ تبا تبا لن تتحمل ؟ .. تعلم أنها قد زتها بما تفعله .. لكنه ليس ذنبها بل ذنبه هو .. جلس بجانبها علي السرير .. أمسك كوب ماء من علي الطاولة وشربه دفعة واحدة ثم وضعه علي الطاولة بعنف محدثا ضجة وهو يتأفف بعنف .. يريد أن يتحدث معها لا يطيق جمودها .. أخذ نفسا عميقا يحاول الهدوء ثم قال " أنا موافق ! " .. إلتفتت إليه من فورها وعينيها تحمل الدهشة وهو يقول " سأعطيها حقها ولكن عندى شروط لن أتخلي عنها " .. قالت بنبرتها الهادئة والتي أذابت قلبه " ما هي ؟ " .. لطالما إشتاق لسماع هذا الصوت الهادئ .. شعر بالفرحة لأنه نجح في جعلها تتكلم .. أخذ نفسا قبل أن يقول " أول شرط لا تطلبي مني أن نتصالح .. سأطيعها مالها لتمضي هي في حياتها وأنا في حياتي " .. رغم عدم رضها علي هذا الشرط إلا أنها هزة رأسها موافقة فهذا شئ مؤكد سيصعب علي تقي تقبلها بعد زواجها من المحتل .. أكمل " والشرط الثاني .. ستخرجين من سجنك هذا ... ستتناولين الطعام مع العائلة .. وتجلسين في الصالة .. وتستقبلين الضيوف .. تخرجين أيضا إلي الحديقة .. تعودى إلي ناديك الرياضي " .. هزت رأسها ولم تتكلم بينما أغمض هو عينيه وقال بتردد " أن لا ترفضيني مجددا " .. لم تتكلم بل جعلته يكمل " والأن هذه هي شروطي ما رأيك " .. طال صمتها للحظة ثم قالت بخفوت " موافقة " .. شعر بالسعادة لموافقتها فإنحني إليها وطبع قبلة صغيرة علي خدها الناعمة وقال وهو يقف " الأن يجب أن أخرج لدي عمل سأرجع وقت العشاء لنأكل كلنا معا كعائلة واحدة " .. وخرج من الغرفة مغلقا الباب ورأه بهدوء هذه المرة عكس المرة السابقة عندما ظنت أنه كسره .. المهم أن يعطي سجدة حقها .. فهي أكثر حاجة إليه الأن .. ترى أين هى ؟ .. وكيف حالها ؟ .. كم إشتاقت إليها ..
[ ]
[ ]
[ ]
[ ]
عادت سجدة أخيرا إلي الفندق .. فتحت باب غرفتها ودخلت .. ركض الكلب نحوها وهو يقفز معبرا  عن سعادته برؤيتها .. إبتسمت سجدة له ورمت حقيبتها وأخذته في حضنها .. رغم إبتسامتها إلا أن تلك الدمعة نزلت رغم عنها .. فور ان تتذكرت جونيور وكيف كان يلاعبه .. وكيف كان الكلب يستقبله فور دخوله .. وقفت وقالت " يبدوا انك جائع أليس كذلك ؟ " .. نبح الكلب فإبتسمت سجدة .. لقد كانت تسخر من جونيور عندما يلاعب الكلب ويتحدث معه .. وهاهي الأن تفعل المثل .. شعرت بالكلب يسحبها من اسفل ساقها بلطف فعرفت أنه جائع .. وضعت له الطبق علي الأرض وأخرجت رقاقاته الخاصة من الحقيبة وسكبت له منها لينهمر الكلب في الأكل .. عندما كانت ستعيدها لمحت كراسة جونيور التي وضعتها في الحقيبة .. هل كتب شيئا جديدا ؟؟ .. أخذت الكتاب وفتحته للتفجئ بكتابته بخط كبير مختلف عن باقي الخطوط (السمكة القوية هي التي تستطيع ان تسبح ضد التيار في حين يستطيع حتى السمك الميت أن يعوم مع التيار ( .. شعرت بالدموع في عينيها ولكنها منعتها عما قرأت (ربما بالظلم تستطيع أن تملك كُل ما تريد ولكن دعوة مظلوم واحده قد تفقدك كُل ما ملكت ( ... ألم يكتب شيئا عنها .. قلبت الصفحات أكثر تبحث فيها عن شئ عاطفي .. أخيرا وجدت ورقة مطوية كتب فيها ( سأحمل بين الثنايا رواية عشقها سأقول لهذا وذاك هذه اميرتي هذه من تركت الدنيا لعينيها هذه من شُغفت بها اليوم و قبل الغد اميرتي ( ضمت الكتاب لحضنها ونزلت دموعها لا إراديا .. ذكراه تؤلم قلبها .. لقد فقدته مبكرا رابع يوم زواجهما .. أليس ظلم هذا ! .. عاشت السعادة لثلاث أيام والرابع فقدته .. من المفترض أن تكون الأن في شهر عسل .. أن تنام بحضنه تستمتع بحكاياته وتربيته علي شعرها ... مسحت سجدة دموعها ورفعت نظرها للأعلي ورفعت يديها ودعت الله في سرها أن يحفظه ويعيده لها .. أن يعودا معا من جديد .. أن يكملا ما بدائه .. أن يكملا طريقهما التي أختارها معا .. أعادت الكراس لمكانه وأطفئت النور في الغرفة تاركة أضواء الأبجور الهادئة تونس ظلامها .. تذكرت كيف كان جونيور يحب النوم في الظلام الدامس دون أن يتخلل الغرفة أي ضوء .. لقد كانت تخاف من الظلام ولكن عندما تنام في حضنه الدافئ تنسي ذاك الخوف .. حضنه هو منامها هو ملجئها الأمن هو المكان الذي تجد فيه سعادتها .. أما الأن فلا حضن لها يحميها من ذاك الظلام ويهبها تلك السعادة ..
[ ]
[ ]
[ ]
[ ]
في اليوم التالي
عندما كانت سجدة تجلي الأواني بضمير .. وتقوم بعملها علي أكمل وجه .. أخبرتها زميلتها أن مدير المطعم يريدها .. غسلت سجدة يديها فورا من الصابون ونشفتها في المنشف .. ثم أحكمت ربط وشحهها وأدخلت شعرها المتناثر وعدلت ثيابها .. ثم ذهبت .. ترى ماذا يريد منها ؟ .. هل سيطردها ؟؟ .. ولكنها لم تخطئ كي يطردها !! .. طرقت باب مكتبه وعندما أذن لها بالدخول دخلت .. إلتقطت عينيها الرجل الجالس علي الكرسي أمام المكتب .. محنيا رأسه للأسفل في حياء .. رغم أنها لم ترى ملامحه إلا أنها عرفته .. بشعره الكثيف والبني .. شعرت بالضيق من وجوده .. ماذا يريد منها سيف ؟ .. كل شئ بينهم لقد إنتهي منذ زمن .. ترى ماذا يريد ؟ .. لماذا هو يلاحقها ؟؟ .. لقد أخبرته بأنها حامل من إسرائيلي ومع ذلك لازال يلاحقها !! .. في البداية وقفت أمام الباب حتي نادها المدير كي تدخل .. دخلت بخطوات بطيئة ومترددة .. نظر إليها مديرها الذي كان يجلس خلف مكتبه وقال وهو يقف " السيد سيف يريد التحدث إليك " .. قال ذلك وأشار لها أن تجلس علي الكرسي الفارغ المقابل لمكتبه ومقابل لسيف .. جلست حيث أشار ولازالت متوترة .. أما المدير فقد قال مغادرا " أما أنا سأجرى مكالمة ضرورية ثم سأعود " ... وأغلق الباب خلفه ... عندها توجه نظرها إلي الذي يجلس مطأطأ برأسه وقالت ببرود " ماذا تريد ؟؟ " .. رفع نظره إليها ونظر إلي عينيها التي زادت قتامه .. إنه يكره أن يرى نظرات الكره والحقد في عينيها الجميلتين .. هذه العينين البرئتين لا يجب أن تنظر إليه هكذا .. لا يجب أن تراه شريرا وسيئا .. هو لا يحب أن تنظر إليه هذه القطة هكذا .. ولكن لا يلومها وهو ينظر لنفسه بتلك النظرة أيضا .. إنه نادم عما فعله .. لو عاد به الزمن لأصلح أخطائه .. ها هو الأن ينتظر أن تلد تلك العاهرة له طفلا مريض .. قال بهدوء " أريد أن أعتذر منك .. أريد منك أن تسامحيني .. أنا حقا أسف علي خيانتي لك التي لا يمكن أن تغتفر " قالت من فورها بضيق وهي تشيح بنظرها عنه " أنا لن أرجع لك حتي لو قتلوني فزوجي لم يمت بعد صحيح قد تم إختطافه ولكنه لم يمت وإذا مات فهو حي في قلبي .. لذلك لا داعي لأن تعتذر " .. صدم للحظة من كلامها بل كان ألمه هذه المرة أخف من سابقتها وهي تتحدث عنه .. بل صدم في كونه مخطوف .. اليهودى مخطوف !! .. قال من فوره " مخطوف !! " .. نست سجدة أن سيف لا يعلم ولا أحد يعمل عن أمر إختطاف جونيور .. قالت بغصة مكتومة وهي تنزل نظرها للأسفل محاولة منع دموعها من النزول " نعم لقد خطف عندما هربنا من فلسطين " .. شعر بالحزن لأجلها .. فمن الصعب أن تجد الحب ثم تفقده .. إنها تعيش الأن ما عاشه هو عندما أحبها فتزوجت .. قرب رأسه منها وقال بنفس نبرته الهادئة ولكن تخللها الحزن " ومن خطفه ؟ .. كيف تركوك ترحلين " .. رأها وهي تمسح تلك الدمعه بسرعة وذكريات ذاك اليوم عادت إليها.. من هروبهما وحمله لها علي كتفيه وإصابته وصوته المتألم الذي مازال يدندن في أذنيها وهو يحاول نزع تلك الرصاصه إلي دفاعه الحمائي عنها وعندما أصر أن لا تسجن .. رغم إرهاقه وإصابته إلا أنه كان قويا .. إلي صفعت تقي وطرده لها .. عندها عرفت أن هذه الدنيا لا خير فيها .. قالت وقد تغيرت نبرة صوتها " خطفوه مجرمي الحدود وهم الأن يطالبون بالديه .. وعندما علموا أننا جونيور وسجدة .. تركوني أرحل كي أحضر لهم المال لأنهم يعلمون إذا لم أحضره أنا فلا أحد سيتذكرنا .. هم يعلمون أننا وحيدين .. لا عائلة تدفع ما فوقها وما تحتها من أجل إخراجنا " .. هز رأسه في أسى من قصتها .. عرف أنهما قد عانا كثيرا .. أن حبها له لم يأتي من فراغ .. حبها له جاء من جهاده من أجلها ونضاله .. يبدوا أن ما عاشاه يختلف عما تفتريه القناوات .. قال من فوره " هل بإمكاني مساعدتك ؟؟ .. يجب أن أساعدك في إخراجه فقط لتسامحيني .. أرجوك أنا أحتاج أن تسامحيني .. في خيانتي لك تدمرت حياتي بسبب تلك النزوة .. ربما مسامحتك لي قد تحسن شيئا من حياتي " ... نعم لم تفكر في ذلك .. سيف بإمكانه مساعدتها في الوصول إلي مؤيد .. ستصل إلي مؤيد عن طريقه .. وعندها مؤيد سيتواصل مع صديقه الخائن ليخرج لها جونيور حبيبها .. غرمت السعادة ملامحها عند فكرة أن جوميور سيعود لها رفعت نظرها إليه وقالت " موافقة سأسامحك إن قمت بإستقبالي في قناتك .. كي أقوم بلقاء وأتحدث فيه ما أريده أن يصل .. سأعلن فيه عن حياتي مع جونيور إختطافه كي يسمع مؤيد بذاك الخبر .. ولن يكون أحد أبناء السيد فتحي إن لم يأتي فورا للمساعدة .. هو الوحيد الذي سيتمكن من إخراج جونيور " .. حلقة فقط ! .. هذا أمر سهل جدا .. إن كان هذا ما تحتاجه لتغفر له فهو مستعد لفعل ذلك قال من فوره " حسننا .. غدا تعالي إلي القناة في الساعة الخامسة بالضبط في برنامج لقاء الساعة .. سنعرضها مباشر وسأعرضها في جميع اوقات النشرات كي يراها .. وإن لم يراها فأنا مستعد لمساعدتك وإخراجه " .. قال ذلك ووقف وقال " هل من شئ أخر قبل خروجي ؟!" .. شعرت بالفرح لأن زوجها سيرجع .. كادت أن تيئس من وجوده .. ولكن مهما طال الليل ستشرق الشمس في الصباح كما يقول المثل.. وقفت وقالت بتردد " سيف !! " نظر إلي عينيها التي غمرتها السعادة وتغيرت تلك النظرة الحاقدة نحوه .. شرد في جمال عينيها السوداء الواسعة والأهداب المحاطة حولها كالريش الأسود الناعم قال بهدوء " نعم " .. كاد ان يقول .. نعم يا روح سيف .. يا قلب سيف .. يا عيون سيف .. ولكنها ليست له ليقول لها ذلك فهي حتما ستضربه إن قال لها ذلك .. قالت بعد ان ترددت بإبتسامة جميلة أحيت قلبه " شكرا لك "..إبتسم لها لتظهر تلك الأسنان كأطراف علكة بيضاء مرتبة..وقال " لا شكور علي واجب " .. ثم خرج بسرعة مخفيا ردت فعله ونور الحب الذي يبرق في عينيه .. لازالت سجدة نفس ما هي .. لازالت تسبب له نفس ذاك التأثير .. ليته يستطيع نسيانها
[ ]
[ ]
[ ]
[ ]
عاد تقي وقت الغداء من عمله .. وهذه هي المرة الأولي التي يعود فيها باكرا .. دخل عبر أروقة الفيلا الواسعة إلي أن وصل إلي الصالون .. كما توقع لا يوجد أحد سوى زهراء .. زهراء تفاجئت وتوترة من مجيئه المفاجئ .. ولكنها أخفت توترها وراء إبتسامتها وهي تستقبله بالأحضان والقبلات .. طبع قبله عميقة علي خدها .. قبلة عبر بها عن حبه وشوقه لها .. دائما الحب الأول له طعم ونكهة مختلفة عن غيره .. للحظة تذكر اجمل أيامه معها .. كيف تعرف عليها وكيف أحبها وكيف أجن بحبها .. ولكن ظروفه أرغمته علي أن يتزوج عليها .. لا يعلم كيف سيجعلها تسامحه .. رغم أنها سامحته إلا أنه غير راضي لما فعله .. قال بهدوء " أشتقت لك حبيبتي " .. ضمته لحضنها وقالت " وأنا أيضا " .. في تلك اللحظة سمع صوت لباب يضرب بقوة فعرف مصدره دون أن يلتفت .. تجاهله وأشار لزهراء أن يدخلا غرفة الطعام .. جلست زهراء علي أحد الكراسي بجانب تقي الذي جلس علي الكرسي الذي يتوسط الطاولة .. تبادل مع زهراء التي بدت لطيفة أكثر مما يجب أطراف الحديث .. بدئن الخادمات بوضع الأطباق الأكلات المتنوعة .. فإشار تقي لإحداهما وقال " أخبرى يارا أن تأتي لتتناول معنا الغداء " .. قالت زهراء من فورها " من العادة أن تأكل في غرفتها " .. نظر إليها بنصف عين وقال " هي ليست مريضة لنضعها في حجر صحي .. يجب أن تتناول جميع وجباتها معنا إنها من العائلة " .. لم تتكلم زهراء بل بدئت في الأكل بنهم أخذ هو شوكته ووضع في طبقه القليل من الأرز واللحم وبداء في الأكل .. بعد القليل من الوقت جائت الخادمة التي أرسلها قبل قليل وحدها وقالت مخاطبة تقي " لقد قالت بأنها ليست جائعة يا سيدى " .. رمي الشوكة علي الطاولة ووقف منتصبا يغلي غضبا .. ألم يتفقا .. لما تريد أن تخيل بالشرط .. ولكنه لم يعطي سجدة المال بعد لذلك لن تستطيع اللعب معها .. ترك الطاولة وذهب إلي غرفتها ... أما زهراء فإنتظرت خروج الخادمة وأخذت هاتفها بسرعة وهي ترتعش وإتصلت علي رقم ما وقالت فور أن وصلها صوت من في الطرف الأخر " لا تأتي .. لن أستطيع الذهاب اليوم لقد عاد تقي مبكرا هذا اليوم " .. وأغلقت الخط فورا ووضعت الهاتف علي الطاولة علي وصول تقي ويارا .. كانت ملامح يارا غاضبة وجهها محتقن عاقدة لحاجبيها الرقيقين في إنزعاج .. دخل تقي لغرفتها وسحبها بقوة من يديها عندما كانت تدعي النوم كي تخفي نار غيرتها .. سحبها بقوة حتي أوقفها فجئة لقد شعرت بالخوف من شكله .. حجبيه المعقودين وذاك العرق في جبينه دليل علي غضبه .. قرب وجهها منه قال بغضب صارا علي أسنانه " علي ماذا إتفقنا !! .. هل نسيتي ؟ " قالت وهي ترتعش " لست " قاطعها وهو يقول "أنا لم أعطي سجدة المال بعد .. إما أن تتبعي الشروط أو سنلغي الإتفاق " شهقت في وجهه وقالت " ولكن لماذا ؟ .. لما لم تعطيها المال ؟؟ " قال من فوره وهو يسحبها معه خارج الغرفة " هل أنت غبية أم أنك حمقاء .. هناك إجرائات وأوراق قد تأخذ مني قرابة الأسبوع كي تنتهي " .. لقد صمتت علي إهانته لها المباشرة .. شعرت بالضيق من أسلوبه معها ولكنها هي المخطئة .. هي من أخلت بشروطه .. سمعته يقول بنبرة حازمة أمرة " أغرفي لتأكلي . هل ستأكلين الصحن فارغا " ... أخفت ضيقها وتنهدت بصمت .. لا تريد من زهراء أن تشمت فيها ولن تسمح له بإهانتها أمام زهراء .. رغفت بعضا من السلاطة ووضعتها في صحنها وبدئت تأكلها بهدوء مخفية خلفه كل غضبها وضيقها
[ ]
[ ]
[ ]
[ ]٠
[ ]
[ ]
[ ]
[ ]
اليوم التالي
دخلت سجدة لأول مرة مقر القناة التي كانت تعمل فيها .. قناة الأرض المقدسة الفضائية .. لم تتغير كثيرا بعد غيابها كان واضحا أنه قد أجرى لها صيانة بعد سفرها ولكنها لم تتغير .. تذكرت ذاك اليوم قبل سفرها بأسبوع عندما وضعت لسيف شرطا لكي تتزوجه وهو سفرها ذاك الذي غير حياتها .. لتكتشف فجئة أنها أصبحت إنسانه أخرى .. إنسانة مختلفة .. لم تصدق أن الحب يغير الشخص إلا عندما رأت ذلك في نفسها .. عرفت الأن لما تقي مجنون بزهراء ولما يارا مجنونة بتقي ولما سيف مجنون بها .. لقد صدقت لأول مرة الحب عندما أصابها .. شعرت بما شعرت به جوليت في حبها لروميوا .. إن جونيور كروميو وهي كجوليت .. لقد حارب الجميع من أجلها .. وحاربت الجميع من أجله .. دخلت بين أروقت القناة إلي أن وصلت إلي الأستوديو .. تذكرت عملها هنا تذكرت كل تلك الحلقات التي تقدمها ضد الإسرائيلين والتي كانت تعرض فيها جرائم جونيور في أهل غزة .. تذكرت كل تلك الحلقات التي سلبت قلوب المشاهدين .. لقد كانت إمراءة ناجحه في عملها وحققت الكثير من الإنجزات فيه .. ترى كيف يراها الأن معجبينها ومشاهدينها ؟؟ .. كيف يراها أبناء وأباء شهداء غزة وفلسطين بأكملها وهي تتزوج من ذاك المحتل الذي إحتل قلبها .. هل يرونها خائنة ؟ .. ولكنها لم تخن وطنها هي فقط وقعت في حب محتل أرغم علي الإحتلال .. لقد اخبرها جونيور من قبل بذلك .. أن مشكلتها هي أنها تفكر كثيرا بما يريده الناس وما يقولونه ولا تفكر بما تريده هي .. أكبر الخاسرين من يمضي حياته وهو يحاول أن يكون كما يريده الناس أن يكون .. لماذا لا تفكر بنفسها ؟ .. بحبها ؟؟ .. وبإبنها ؟؟ .. بزوجها ؟؟ .. تفكر بما سيجلب لها السعادة .. أخذت نفسا عميقا قبل أن تدخل ثم دخلت وألقت التحية متجنبة نظراتهم الموجودين التي إختلطت بين الإندهاش وبين الفضول وبين الإشمئزاز والكره والحقد والسخرية .. تجنبت كل ذلك .. فهي جائت من أجل سبب واحد .. من أجل أن توصل ما تريد إيصاله لمؤيد كي يساعدها في إنقاذ جونيور .. هذا فقط ما جائت لأجله .. هي لم تفعل هذا اللقاء كي تبرئ نفسها أمام الناس .. هي تعلم أنها لم تخن وطنها وهي واثقة من ذلك فلما تفكر في كلامهم
[ ]
[ ]
[ ]
[ ]
نهاية الفصل


قراءة ممتعه ☺☺

الأرض المقدسه حيث تعيش القصص. اكتشف الآن