قدح قهوة ساخنة ،تتراقص ألسنة بخاره في تناغم و رشاقة دافئة.و ليلة أخرى من ليالي ديسمبر الباردة، تعلن عن بدايتها بعد غروب وردي لشمس باهتة. اختارت على إثره الطبيعة ان تسدل ستارها الحالك ،و تنهي اخر فصل لها في هذه مسرحية.مسرحية الحياة، على امل اللقاء غدا في فصل جديد ،ابطال جدد يولدون، و موتى لم يختارو بعد بدلة و باقة ورود ملائمة لجنازتهم، بعد ملاقاة لقدرهم المحتوم . يوم اخر انتهى ، أقنعة مزيفة وقعت و رجع بطل كل حكاية في هذه الحياة أدراجه، يمحي مساحيق التجميل الخاصة بالمهرج و يرى في المرآة انعكاس الجوكر الماثل امامه. يجر أذيال الخيبة في استسلام ،أو إشراقة انتصار في ابتهال في بعض الأحيان . أبيت أنا وأنت البكاء على مآسينا ،لكن السماء أجهشت بالبكاء على ما آل اليه واقعك المرير يا ابن آدم . قلوب تائهة دامية ،وجوه مقفهرة استبدلت بأقنعة باسمة ، ألسنة كالسواط كاذبة، لا تعرف سوى النفاق و تزييف الحقيقة ،و اجساد تتحرك بآلية كالجثث الهامدة ،و عيون لا تنام باكية.
مطر يعزف سمفونية بيتهوفن في الخارج ،و ألسنة لهب في الموقد تتمايل في تناغم و شاعرية . برد قدح القهوة ،فتناولته بكل هدوء و سكون. ثبات يثلج القلب ونظرات باردة تبعث القشعريرة في الأبدان، كالصنم أمام الموقد. هي نجمة ،قساوة تحملها في ملامحها الفتية ،و جمود يغلف طباعها الغير طبيعية .مراهقة في أيام الزهور ، زهور أرجوانية بأشواك حادة تؤلم كل من فكر في الاقترب منها، مثلها مثل نبتة قصوان وحيدة تفتن كل من رأها، و تدمي كل من حداها .
عزلة هي اختارتها ،و أغلقت عليها باحكام تابوت الوحدة .اختارت ان تكون ك "دراك" مصاص دماء يخشى الضوء، و هي تخشى العطف.ك "ربانزل " سجينة برجها ،و نجمة حبيسة قساوتها .و ك "سندريلا" وقد تركت حذائها، أما هي فقد هجرت قلبها و إنسانيتها وتركتهما وراءها .
انتصبت في وقفتها و ذهبت باتجاه النافذة ،عيون باردة و نظرات ثاقبة، و مطر ازداد هطوله بوقوفها . لمحت قطتها منذ الصغر وهي تتجول في الفناء مبتلة لكن تتمشى بخيلاء، كأنها تعلم أن فراءها الابيض كالثلج ،و عيونها الزرقاء كالمحيط في لونه، و بريقهما كالنجوم في تلئلؤها، تنال إعجاب كل من يراها ، إلا عيونها هي .
تراها وهي تعارك الموت ، تراها في لحظة ضعف حبيسة بركة ماء تغرق و تأبى الاستسلام ، ترى أن الموت يقترب بفأسه الذي يبعث الرهبة في النفوس ،و رداؤه الأسود الحالك يقترب بهدوء .
لم تنبس ببنت شفقة و هي تراها تلفظ انفاسها الأخيرة، لم تتذكر كم من مرة داعبتها بفروها الثلجي، لم تتذكر صوتها الدافئ الحاني، لم تتذكر شيئا من هذا القبيل .
أخرجت يديها بجمود في اتجاه خيط الستارة، و بكل سهولة وتأني تجذب الخيط و الستارة تتبعه في اذعان. تسدل الستارة على اخر فصل من فصول مسرحية حياة ، حياة كائن كان بمثابة صديق و رفيق ، كانت اخر حبة رمل قد سقطت في الساعة الرملية، معلنة بأن القدر قد اغلق كتابه بوصول الستارة إلى حافة النافذة.
كانت هي غريبة، كانت هي نجمة.
أنت تقرأ
خريف في حزيران🦋
General Fiction* هو ذلك الخريف الذي لن تفهمه يومًا ، ذلك الخريف ما هو إلا روح منشطرة نصفًا ، روح عاصفة يلفحها زمهرير تلك الرياح الجامدة ، و أخرى ساكنة تذوب تحت وطأة شمس حارقة . غموض وظلام يغلفان الأولى، و اشراق يتخلله نسيم أقحوان يؤنس الثانية . أنا في منتصف ال...