هجرة الفراشات 🦋

29 2 1
                                    

أطلق سراح البيضاء الثلجية حتى ترفرف بجناحيها نحو اللانهاية ، علها تحط على قبرها الزمردي ، و تنثر فوقه و عبق أزهار الاوركيد همساته الخالصة ....
كان باتجاهه نحو مكتبته الكستنائية ، زاويته المقدسة و ملجأه الدائم ينبوع الدفئ إلى أن سمع طرقات خافتة تكاد لا تسمع . ذهب باتجاهه حائرا فعادة لا زائر يطرق بابه و لا ضيفا يدفئ بيته . فتح بابه المشتاق للمسات الايادي المتجعدة و طرقات الملائكة الصاخبة ، لتلهف صغيرة خلفه حتى يفتح بضحكتها الرقيقة الصادقة ، و لدقات قلب خافقة تنتظر أن يفتح حتى ترى وقع المفاجأة على صاحبها . فتحه و الكثير من الفضول يداعب محياه ، فتحه ولم يجده ، لم يجد ضيفه الوهمي ، إلا أن وقع عينه على ذلك الصندوق الورقي بدد شعورا من الخيبة ، خيبة أن تفكر لوهلة أنك فقدت شخصا ما في هذا العالم ، في مكان مجهول و زمان غير معلوم ، لا زال يتذكر ثراك و يتقفى آثارك، يشتاق لرؤية محياك وجلسة رفقتك, ينكهها كأس شوكولاتة ساخن و تنسيمة من قطعة كعكة البرتقال وزهرة الفانيلا الخفيفة اللاذعة .
حمل ذلك الصندوق و قلبه بين يديه محاولا أن يجد عنوان مرسل أو بطاقة تحدد مصدره في فضول ،ثم ما لبث أن أوصد الباب . أوصد بابا كان يحمل إسمه في حياته الماضية, " هيسمبورغ " إسما اعتزله منذ اعتزاله الموسيقى ، اعتزاله لروحه . يوم خرجت تلك الروح الملائكية الذهبية ، خرجت بعد أن أيقنت أن لا مكان في قلبه بات يسعها ، مثلت روحه السمفونية بجناحيها المنفردة اللؤلؤية أمامه ، تنظر إليه بانكسار ،تشكو إليه و تشتكي منه فكان هو القاضي و الجاني ، الجلاد و المسجون . جلس في ذلك اليوم ، يوم غيمت السماء ثم اكفهرت بلونها الرمادي، أمطرت تواسيه فراق الأحبة ، أو بالأحرى فراق الحبيبتين في آن واحد، فراق فلدت الكبد العزيزة أو بالأحرى الأميرة الصغيرة ،ذات الجدلات البندقية و العيون المرجانية ، فراق الخليلة و رفيقة الدروب ،و بلسم جروح  القلوب . ركع على ركبتيه و بدلته الحالكة , بيده ازهار ياسمين دابلة  وسط اشجار الصنوبر الخضراء الباسقة , سالت دموعه متلئلئة على خدوده المحمرة، تتساقط على اوراق اشجار الخريف القرمزية .اقتربت منه برويدة و هي ترفرف بجناحيها الملائكيةو خطاها وهي تحلق متوازية من حوله في حركات رقيقة  تراقص انحناءات ثوبها اللامع المتطاير في خفة  ، فتحلق كالفراشة  لا يقيدها شيئ لا تقودها سوى تلك الشعلة السمفونية  , رفع رأسه نحوها   بعيون بنية وقد غلفها اللون الوردي بعد أن ترك حياته  , يرمق روحه الموسيقية جائته مناجية بطريقتها المميزة  كالعادة  , حرك لسانه و ابتسامة باهة  رسمت على محياه .

*احترقت بلوعة الاحبة و قد غابوا ,ا لهذا  جئت تنادي يا توأمُ .(هو )

                                  •كفاك بكاءا على ما طوى        الدهرُ, فالفراق صعبُ و النسيان أهونُ . (الروح )

*كيف لي وأنا السببُ , فقدت العزيز و أنا المذنبُ ,اين انت يا قدرُ فلتطلعني ما التالي و ما العقابُ .(هو)
                                   •اتجلدني بسياطك يا سيدي و عليه لا أقوى، اتلومني بجفاءك  حتى أهوى  ما ذنبي و القدر لم يهمس لي بما حكى .(الروح)

*حرة أنت يا روحُ ، لم يعد الجسد يقوى على حملك يا ملاكُ ، لا تعاندي فلا تحلو لي الحياة و الرفيق يعلاه الترابُ .(هو)

                                • جئتني و قلبك ممزقُ ، تطلب مني الرحيل و أنا الأسيرةُ ، تدعي أنك المجرم و تغفل عن طعنة هجرتك يا نادمُ ، لا مكان لي بعد أن سكن الجفاء القلوبُ و لم يعد لي مكان فسلام مني يا ابن ادمُ .(الروح)
 
غادرت الروح سيدها ،  ثم سكنت أوراق الاشجار تعلن حدادها  . هاجرت الفراشات ،و ظلت العصافير تنصت و تحيك ما سترويه على أذان النائمين في الصباح . ركع على ركبتيه و بدلته الحالكة , بيده ازهار ياسمين دابلة  وسط اشجار الصنوبرالخضراء الباسقة لكن هذه المرة  بعد أن جفت الدموع السائلة .
جلس يداعب ذلك الصندوق الورقي برقة، وهو يتذكر أخر مرة كان هو نفسه ،كان رفقة روحه التي تركها  بعد أن تسلل اليأس الى قلبه . كأنه كان يعلم أن القادم بمثابة تذكرة الركوب على متن قطار الماضي . يقلبه و يخشى أن تفوته تفاصيله الدقيقة، بلمسة أنثوية ، وردية لامعة تأسر الفؤاد قبل العين . فتحه و قد راقته الدعوة ، استنشق تلك الرائحة التي كانت تطغى عليه، كان يحفظها عن ظهر قلب كيف لا و قد كانت رحيق شعر صغيرته البندقي . ابتسم و قد اغرورقت عيناها و هو يتفحص فحوى الصندوق . وردة بلورية اللون، يابسة عطرها الخفيف و ثناياها المتهالكة، الذابلة زادت  من جمالها و جاذبيتها . كانت إلى جانبها رسالة كتبت بخط طفولي يجعلك تبتسم دون الحاجة لذلك ، على ورقة بلون قهوة أزقة فرنسا الراقية . بدأ يتلمسها كأنه يحاول أن يقرأها بقلبه ، يتلمس انحناءات الحروف و يستشعر حرارة الكلمات .
                                                            
                                                             ********
         إلى من أيقظتني ألحانه من سبات الشتاء ،و إلى من سرقت نوتاته قلبي الذي يشبه الرسمة أدناه  . هلا تعود ؟ فقد اشتقت إلى صديق يفهم لغتي ، إنني في حاجة لعجوز يؤنس وحدتي ، على الرغم من تأوهاته المزعجة من آلام الظهر  . فهلا تعود ؟.

                                  الفتاة ذات الشريط الخزامي 
                           ⁦。◕‿◕。⁩ 
                              
                              ❤️
********
وضع يديه يتحسس تلك التربة المبللة بقطرات ندى الغروب ، سرعان ما تناول القليل منه ثم بدأ يدعكه بيده حتى يستشعر إلى أين ينتمي ، حتى يستنشق رائحته الممزوجة بعطر اللوتس المرسوس على الحواف . هذه المرة كان هو الزائر، و هي من تنتظر . هذه المرة كان هو من سيمد يد العون و هي من ستتلقى هذه اليد . 
«« سيدك قد غزى الشيب رأسه يا توأمُ ، تقوس ظهره و بات يتأوه يا روحُ ، بات كثير الانتقادات و الكلام المزعج يا صغيرتي . فهلا تعودين فعجوزك لا يقوى على الرحيل من هذه الدنيا بدونك يا ذات الأجنحة اللؤلؤية. فهلا تعودي ؟»»
«« هل يظل الضرير طريقه ، و قد حفظ أحجاره يا سيدي . هل تقوى الأم على فراق العاق و لو عصى . و هل تنسى الشمس موعدها حتى تلاقي القمر . فكيف لي ألا أعود ؟ »».
عاد الموسيقار إلى روحه ، و نفض رماد الماضي من أمامه كيف لا ؟، فلم تكن مجرد كلمات و حبر جف  على و رق ،بل كان لقاء مشاعر و ٱستنجاد  أرواح . كيف لا و قد انتهت هجرة الفراشات 🦋✨.
   

                                                                          

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jul 25, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

خريف في حزيران🦋حيث تعيش القصص. اكتشف الآن