* ماذا لو *

91 6 6
                                    

في هذه الحياة العجيبة، و في هذه الدورة الأزلية الغريبة . خلف كل قناع ألف أقنعة ،و خلف كل جسد أرواح متشابكة . ستجد في كل بيت دافئ، قرب موقد نار متقدة ،و تحت بطانية قطنية مزينة بخطوط عشوائية معقدة ،رأس طفلة فوق حجر أم حانية. انساب صوتها العذب يداعب اذني صغيرتها بحنان ،تربت على شعرها برفق و تستهل امسيتها كالعادة بعبارتها الأسطورية،" كان يا مكان في قديم الزمان". و بصوت كل الامهات، من منا لم يقع اسيرا في قصة بياض الثلج و بينوكيو. من منا لم يبكي على سجن الجميلة في قصر الوحش، و ريبانز في البرج .ولا ننسى يتيمتنا الرقيقة سندريلا و حذائها. بل من منا لم يسافر مع أليس الى بلاد العجائب . لكن هل كل ما يلمع في البحار لآلئ ،و في السماء نجوم هل كل من في السجون مذنبون، و كل الناس طيبون . ماذا لو كنا نسمع الحكاية من طرف واحد و اغفلنا الطرف الاخر، ماذا لو حكمت البشرية جمعاء عليه و كرهته، وهو في الاصل كان الضحية لا الشرير . ماذا لو نسمعها من زاوية أخرى، راو آخر و نبني الحقيقة بأنفسنا ، ماذا لو .
لماذا لا تكون بياض الثلج قد أوهمت الحيوانات و الاقزام ان التفاحة مسمومة، وهي في الاصل كانت بمثابة هدية للتصالح. فجعلتهم يقتلون زوجة الأب التي كانت هي الاخرى تضاهيها جمالا ،ثم تستفيق بعد موتها حتى تحكم هي بنفسها المملكة . لماذا لا تكون الجميلة و والدها قد اوقعا الوحش في شراك مؤامرة ،حتى يضفرا بثروته .فعندما طرق الحب قلبه تحول إلى الامير الوسيم ،فقبلت الزواج به طمعا به و بتاجه. لماذا لا تكون سندريلا قد تركت خلفها حذاءها متعمدة ذلك حتى يتزوجها الامير هي، و لا يتزوج واحدة من اخواتها .و انتقاما لأمها بعد أن تزوج أبيها للمرة الثانية .

في كل عائلة ستجد حتما تلك الخالة التي تبث فينا الامل بابتسامتها الدائمة ،و نكتها المضحكة، و روحها الطفولية التي تنعش كل اجتماع عائلي في كل مناسبة. هي ذاتها التي تحمل من المشاكل ما لا تستوعبه، و تخفي روحها المكلومة و اوجاعها المريرة غلف قناع المهرج . في كل بيت ستجد الاب او الجد الصارم ، المخيف و القاسي. الذي لن تجد يوما ظهرا يحميك من الطعنات كظهره، و حنانا كحنانه، و لا احد يبكي لفراقك كبكائه. الا انه يخفي مشاعره خلف قناع الجوكر .في بعض الاحيان لا يجب ان نحكم على الكتاب من غلافه، بل يجب ان نتدبر في سطوره .
هذا ما أدركته شمس بوقوفها جامدة امامه ، كانت أمام أستاذها ، الأستاذ الخاص بمادة اللغة الفرنسية.
لم تستفق من الصدمة الا بعد ان تركها ذاهبا باتجاه القسم، يحمل حقيبة سوداء خمنت انها و بالتاكيد كانت تحتوي على الآلة الموسيقية ،التي انساب منها هذا الصوت العذب . دون أن يكلف نفسه عناء معرفة ما الذي جاء بها إلى حيث يتواجد ،اكمل طريقه ولم يستدر قط . رجعت ادراجها الى المنزل حيت والديها ببرود ،و ظلت شاردة لبقية اليوم .توجهت نحو غرفتها و ارتمت فوق سريرها بكل استسلام ،وهي تراجع في ذهنها السيناريو الغير متوقع الذي صادفته اليوم . كيف لشخص ببرودته ان يعزف الحانا دافئة كتلك التي سمعتها ، كيف لشخص بلامبالاته ان يركب انغاما و يشعر بها ،و يطرب صداها كل من سمعها كيف ؟ لم تتمالك نفسها و لم تستطع الصمود أمام فضولها , اخذت حاسوبها و بدأت تبحث عنه في جميع مواقع التواصل الاجتماعي . إلا أن جميع محاولاتها بالتعرف على شخصيته باءت بالفشل.
- لا وجود لأي حساب يحمل هذا الاسم ، سحقا !! كنت لأتفاجأ لو وجدته على أي حال . آتية !!! صرخة بها وهي في قمة غضبها ،تستجيب لنداء والدتها للعشاء .
جلست في هدوء دون ان تنبس بكلمة واحدة، تستمع لأطراف الحديث الذي يدور بين كل من أبيها و أمها و مشاغبات أخيها الصغير. لم تستطع أن تأكل الكثير إلا أنها حاولت حتى تتفادى استجوابات لا و لن تنتهي. فآثرت الجلوس في وقار ،و تناول القليل إلى أن سمعت ما جعلها و أخيرا تشاركهم أطراف الحديث.
- لمحت وأنا في طريقي للبيت أن أضواء البيت المقابل مضيئة، ألم يكن ملكا لعائلة "هيسبورغ"؟ تساؤل الاب جعل شمس تندفع هي الأخرى
-هل تقصد البروفسور "جيك هيسبورغ"
_ طبعا ، هل تعرفينه ؟
_ انه البروفسور المسؤول عن تدريسي اللغة الفرنسية .

تغيرت ملامح الأب ،و كستها الدهشة ثم تساءلت الام
_ ألم يكن قبل معلما للكمان في المدرسة الابتدائية التي تقع في الجادة الثانية.
الكمان !! نطقتها شمس برفق و هي تتحسس كلماتها، و ترى وقع صداها عليها، مسترجعة تلك الالحان العذبة التي انسابت منه .
_ فعلا ،كان ذلك قبل رحيله منذ ثمان سنوات، إلا أن أخباره قد انقطعت منذ ذلك الحين.
ثم ختم الاب الموضوع، و غيره الشيئ الذي أغاض شمس بعد أن كانت على مقربة من معرفة قصة هذا الشخص الغامض الذي شغل تفكيرها.
كانت لتستسلم فتاة في سنها، إلا أن شمس كانت كأي فتاة لكن أي فتاة لم تكن شمس .

خريف في حزيران🦋حيث تعيش القصص. اكتشف الآن