الفصل الثلاثون (عتمة الزينة)

19.5K 258 8
                                    

"أنتي فعلاً طلعتي متستاهليش"

أربعة كلمات، كونت جُملة واحدة، أقل من ثانية لنطقها، وسنواتٍ من آلم لتُخلفه، وهي بالنهاية حروف متراصة قاسية فتكت بها..

طوال أربعة ساعات بأكملهم لم تكف عن التفكير، عن البُكاء، عن ذلك الشعور بالتشتت والتخبط والوجع الذي لا يكف عن إجتياح قلبها كالعاصفة.. أهو يأتي ليُخبرها بأنه لم يُراهن عليها؟ هل يعترف الآن أنها ليست مريضة؟ أمجدداً يُخبرها بأنها لا تحتاج للكثير سوى كلماتٍ بسيطة وحنان تفتقدهما؟

لقد أخبرها أنه لن يُدافع عن نفسه.. إذاً لماذا تحدث لها؟ لماذا أخبرها بأن تُصدق من تُريد؟ لماذا لا يُطنب بالمزيد حتى تستطيع أن تفهم وتعي كل ما يحدث حولها؟ وهل عنى حقاً أنها لا تستحق؟..

دوامة من النحيب سيطرت عليها لتبكي للمرة الآلف بتلك الليلة.. كلمات سليم لها لم تكن هينة.. لم ترأف بها.. وأمّا أفعاله فتقتلها!! كلما أقترب منها تشعر بأنها تُريده، تشعر بتلك الرغبة المُلحة بضرورة تواجده بالقرب منها.. لا، لا يجوز ذلك.. لقد تمت خطبتها على رجل آخر وكذلك سليم ذهب ليخطب أروى، كل منهما أختار الشخص الذي يريد أن يُكمل حياته معه وبدأ كل منهما ببداية مع شخص آخر.. لذا ما فائدة اللوم؟ لماذا يتعاتبا؟ ولماذا تشعر وكأنما كل شيء خطأ؟

كلماته تدور بعقلها، تتسابق، تتنازع، تُجيبها عن الكثير، أجاب ذلك السؤال الذي مَّلك الحيرة من عقلها وجعلتها تُسيطر على وجدانها بأكمله، أخبرها بُكل سلاسة لماذا كانت حزينة. فقط كلماته القاسية المتراصة بجانب بعضها البعض في سهولة شديدة بيّنت لها لماذا هي حزينة.. هي لا تريده أن يبتعد..

لقد قارنت كثيراً في طيات عقلها بينه وبين شهاب، لا تشعر بذلك الدفء الذي تشعر به مع سليم، لا تشعر بلوعة العشق سوى مع سليم، حتى الإبتسامة والسعادة والفرحة والقهقهات لا تشعر بهن سوى مع سليم!! نعم هي لا تريده أن يبتعد..

تعرف أن شهاب يسمعها، يجعلها قوية، لا يُطلق الأحكام التي تقتلها، ولكن ما قتلها آلاف المرات منذ أمس هو ذلك المشهد عندما ركع سليم أمام أروى وأمام أعين الجميع حتى يختارها ليتوج إصبعها بذلك الخاتم ويُخبر الجميع أنه أختارها دوناً عن باقي فتيات الكون لتصبح له وحده..

تواترت دموعها بلا هوادة عندما تذكرت حضوره لها بألمانيا واحتفاله بيوم مولدها، لقد شعرت نفس الشعور، لقد أحست وقتها بأنها الأنثى الوحيدة على وجه الأرض وأنه لا يرى سواها، لقد رآت تلك النظرة أمس بعينتي أروى..

أروى!! أروى التي أخبرتها بكل شيء وجعلتها تستمع لتلك الكلمات التي أنكرها سليم لتوه منذ سويعات، كيف لها أن توافق بمثل تلك السهولة على أن يُصبح خطيبها؟ أحقاً هل تغير معها مثل ما أخبرتها هي؟ هل سليم هو الكاذب ويدعي أنه لم يقل تلك الأشياء؟ هل أروى هي الكاذبة وخدعتها بتلك التسجيلات التي أستمعت لها بأم أذنيها؟

ثلاثية دجى الليلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن