رجاء ام سحر

2.5K 78 3
                                    

بيت العوانس
الفصل السادس عشر

فتحت رجاء الباب ونظرات عينيها تمتلأ بالغضب المنذر بالويل والثبور وعظائم الأمور. ..ابعد محمود نظراته مباشرة عن امه في محاولة منه للهرب من التقريع والتعنيف علي فعلته ....في حين ألقت سحر بنفسها في حضن رجاء وهي تقبلها بكل حماس هاتفة
( وحشتيني اوي اوي يا طنط ...حقيقي ابنك رهيب ...عملي مفاجأة بشهر عسل جنان ....لكن انا مرتضش أبعد عنكم اكتر من اسبوع يا حماتي الغالية(
ازداد توهج عينا رجاء وهتفت وهي تضغط على أسنانها
( بقي كدا ...محمود اللي عمل المفاجأة واخدك تسافري لبنان لشهر العسل ....صحيح الكلام دا يا محمود ؟)
تمتم محمود بكلمات مبهمة غير واضحة المعاني وهو يهز رأسه لا تفهم اذا كان بالإيجاب أو النفي. ...اقتربت منه رجاء ليتحرك محمود للخلف في ذعر فتقف سحر أمامه مبتسمة وتحتضن رجاء مرة اخري وتنهال عليها بالقبلات والترحيب لتبدأ رجاء في الصراخ بصوت عالي
( كفاية يا ست سحر ....هتضحكي عليا بشوية الحنية دول....ابني عمره ما فكر ولا هيفكر يسافر من غير ما يقولي ...ازاي قدرتي تجنني الواد ويبعد عني ...ردى ؟طب رد انت يا ابن بطني اللي اتعبت وربيت راجل وفي الآخر يمشي ورا كلام مراته من اول ليلة جواز)
حاول محمود أن يحسن من موقفه فهتف
( يا ماما يا غالية محصلش حاجة لدا كله...هو اسبوع بس اتفسحنا وانبسطنا و......
صرخت رجاء مرة اخري ليخرس تماما ويرتعش خوفا وغيظا من حاله ويسمع والدته تهتف
( اسمع كلامى لازم يتنفذ....مراتك تسيبها فوق تنام لوحدها لحد ما تتربي....طلاق مش هنطلقها لكن هتخليها زى البيت الوقف كدا وكمان هجوزك عليها علشان تعرف هي وأبوها أن الله حق )
اتسعت عينا محمود وسقط جالسا علي كرسي بجواره وهو يردد بذهول
( اتجوز تاني !!!! انتي بتقولي ايه يا ماما؟ اسيب مراتي لوحدها فوق وافضل هنا ازاى ؟مستحيل طبعا!!!)
انفجرت سحر بالبكاء المصطنع وهتفت بدموع التماسيح:
( شايف يا محمود ...علشان تصدقني لما اقولك مامتك بتكرهنا احنا الاتنين وتتمني لينا الحزن ونخرب بيتنا من أول اسبوع)
ثم لم تلبث أن فكت إحدى الأزرار في قميصها وبدأت تدلك قلبها وتهتف
( آه يا قلبي...مش قادرة أخد نفسي ....هي دى مقابلة العروسة هموت ..هموت ....الحقني يا محمود)
تحرك محمود سريعا ملتاعا واقترب من سحر يحتضنها لترتمي هي بين ذراعيه وتخفي وجهها بالكامل وتزيد من حدة البكاء ....حملها محمود وخرج بها سريعا هاتفا بصرامة غير معتادة
( ماما ...لو سمحتي سحر مراتي ...انتى اللي اخترتيها...خلاص يبقي خلص الكلام..)
لم ينتظر محمود لسماع رد امه وهرع سريعا للهروب من وجه رجاء التي صرخت خلفه بجنون
( بتصدقها وتصدق كهن النسوان يا خايب.....طيب ايامك معايا طويلة يا سحر ....هجوزه يعني هجوزه...وبكرا تشوفي كلام مين اللي هيمشي في الآخر)
**************************************************************
تحركت فاتن بضجر شديد علي سلم البيت ...كان أمامها شخص يلبس ملابس غريبة لكنها أنيقة للغاية تعطيك احساس انه خرج من فيلم إنجليزي رومانسي في الخمسينيات من القرن الماضي. تأففت فاتن وهتفت بضيق
( يا أستاذ من فضلك ...عاوزة اطلع السلم )
نظر إليها لتبهر فاتن بوسامته الشديدة ووجهه المستدير قوي الملامح ...عينان براقتان لونهما اميل للون البني وفم ذو ابتسامة هيوليودية بجدارة وأسنان ناصعة البياض ....هزت فاتن رأسها في عنف وهتفت لنفسها بسخرية
( ايه يا فاتن مشفتيش رجالة قبل كدا.... ولا سيد والمعلم عبد الهادي نسوكي شكل الرجالة...نهار ابيض ...يخرب بيت جمال امك يا شيخ)
صاح الشخص بصوت كاد أن يذهب بالباقي من عقل فاتن ...صوت هادئ دافئ قوي واضح النبرات
( آسف يا مدام ..لازم اطلع بالشيلة دى كلها و مقدرش أوسع لحضرتك)
هتفت فاتن بحدة
( مدام ايه يا كابتن انت ...وكمان أفضل مستنية حضرتك تطلع واحدة واحدة السلم لسة فاضل كتير علي حضرتك لحد ما توصل...)
ونظرت لملابسه مرة اخري وهتفت
( المفروض انت كجنتلمان تقول لنفسك Ladies first  "السيدات اولا" واتحرك لو سمحت )
رفع الوسيم عينيه مبتسما لفاتن وهتف بصوت ندى
( الحقيقة بستغرب فيكم يا بنات العرب ككل....بتطالبوا بالمساواة في كل شئ مع الرجال واول زنقة تظهر بقى فين الرجولة ؟فين الشهامة...طب ما تعترفوا من الأول اننا رجالة)
اتسعت عينا فاتن وأبتسمت ببلاهة هاتفة
( لا والله)
مط الغريب شفتيه وهتف و هو يتحرك ببطء حاملا العديد من الأشياء
( معرفش أفكاركم عبارة عن اية ؟التحرر ولا الانغلاق؟ الحرية التامة ولا الرجولة المسيطرة الآمرة الناهية.  .أنا احترت حقيقي!!!)
ردت فاتن مرة أخرى
( لا والله)
عاد الغريب ليكمل كلامه وهو يتحرك بصعوبة شديدة ويلهث
( مثلا رجعت من اسبوعين ....ماما مصرة نرجع هنا للعراقة والأصول بس ممنوع اتدخل بسلام او كلام مع الجيران ....طب ازاي وغير انها بتقول عامله لي مفاجأة النهاردة....)
ونظر علي حين غرة لفاتن وصرخ حانقا
( المفاجآت دى حاجة عصرية مودرن ...اخيرا هتفهم والدتي نظام الحياة الحديثة ازاي!!)
رددت فاتن كالببغاء
( لا والله)
نظر إليها بغيظ
( هو في اية يا مدام ؟ اتفضلي اطلعي قدامي قبل ما دمي يتحرق....الستات كلهم شبه بعض...مفيش فايدة)
مطت فاتن شفتيها ببراءة وهتفت بخبث
( شكرا يا أستاذ....عالعموم احمد ربنا أن والدتك بتعرف الأصول والواجب ....فرصة سعيدة مش هتتكرر بأذن الله)
تحركت فاتن سريعا لتخطى هذا الوسيم الغريب ووصلت الي شقتهم بالدور الثالث لاهثة وفتحت الباب لتقع عيناها علي والديها وتغلق الباب هاتفة بغيظ
( جوز العصافير ...الكناريا اللي بيجددوا عهود الحب اليومين دول ....حقيقي بقيت اخاف لما الاقيكم جنب بعض وماما بتضحك كمان ....خلاص ضمنت كارثة...ربنا يستر وملاقيش عبالهادى مستخبي جوا ولا سيد في المطبخ..)
تنحنحت بقوة لتنظر إليها أمل مبتسمة دامعة العيون من فرط السعادة ونادت علي رضا هاتفة
( رضا تعالي يا قلبي ...فاتن وصلت ...عاوزاكم أنتم الاتنين بسرعة )
خرجت رضا بعيون متخوفة قلقة وسألت بهمس
( خير يا ماما؟  في عريس لا سمح الله ؟)
تعجب حمدي وهتف سريعا
( فعلا دا صحيح يا رضا ...توقع في محله)
أغمضت رضا عينيها بيأس وهتفت بصوت هامس لا يسمع
( عملها المجرم الشرير القاسي ....طيب يا كمال ..حسابك معايا بعدين )
فاقت رضا علي سؤال فاتن الحذر الوجل
( والعريس دا أن شاء الله لمين ؟ حد يطمني الله ربنا يخلي لك أمل اللي رجعت دى لمرحلة المراهقة والهمسات واللمسات المحرمة دوليا )
خبطتها امها بقوة علي صدغها وهتفت بغيظ
( يا بنت عيب ....هي منيرة خرجت وسابت لنا شبح في البيت ولا اية ؟ عالعموم العريس ليكى يا ست فاتن...)
تراجعت فاتن للخلف متقهقرة واضعة يدها علي رأسها وهتفت بحرقة
( هو في اية؟ عرسان البلد اكتشفوا عنوستي المتأخرة وقرروا يفكوها ولا ايه؟ حرام والله حرام عليك يا عم حمدي مش كدا ....دا أنا بنتك ....وأسأل أمل كدا!!!)
قهقهة حمدي بسعادة واقترب من فاتن ليحتضنها هاتفا
( العريس المرة دي أن شاء الله  مختلف ...ربنا يقدم اللي فيه الخير يا بنتي ويسعدك ويبعد عنكم الشر ...يلا بلاش رط وشوفوا ماما عاوزه ايه في شغل البيت ...اتحركوا يا كسالي وقولوا حاضر ونعم لماما....مفهوم؟!!)
هزت فاتن رأسها بيأس وهمست قائلة
( طبعا امولة مدلعاك يا حج حمدي مين قدك؟ حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا وحيد...)
في حين تنفست رضا الصعداء ووضعت يدها وجلة علي قلبها النابض بعنف وتمتمت
( الحمد لله العريس طلع لفاتن ....كدا كمال براءة....)
ثم لم تلبث أن تملك منها الخوف والقلق مرة أخرى وفكرت هامسة
( يعني صرف نظر وربنا هداه ولا قرر يطلع لي بمصيبة جديدة ....ربنا يبعده عني هو وجنانه ابن المجنونة دا)
تحركت الفتاتان بكسل وإحباط....لكن هل يسلما من الأم العتيقة الطراز ذات الجذور المصرية العربية الأصيلة...اجبارا وليس اختيارا تم تنفيذ المخطط الاستراتيجي لحملة النظافة المنزلية المعتادة في استقبال أي عريس ...تنهدت فاتن في إحباط وحزن وسألت رضا
( يا تري العريس رقم تلاته هيكون شكله ازاي ....حاسه المرة دى هيكون احول او أعرج او أي عاهة مستديمة ....ويا خوفي تكون العاهة عقلية تبقي جبرنا الحمد لله واتجوزت احلي جوازة والف الف مبروك ربنا يتمم بخير وعقبالك يا رضا)
ضحكت رضا بصفاء نية وسعادة حقيقة فرحة بتهافت العرسان علي أختها الصغرى فاتن وهتفت
( لاء ...واضح من العذاب اللي ماما عملته فينا والفستان الأزرق اللي أصرت انك تلبسية يبقي عريس من الدرجة الاولى)
نظرت إليها فاتن وهتفت باستهزاء
( يا سلام ...يعني علي حسب لون الفستان بيكون مستوي العريس ...درجة أولي وتانية وتالته كمان ...حقيقي يا رضا عندك قوة ملاحظة جبارة)
هزت رضا رأسها بتواضع دون أن تقطن لسخرية فاتن وهتفت
( طبعا يا بنتي الالوان الهادية زى الأزرق ودرجاته عشق ماما ...يبقي العريس واخد الرضا السامي....أما لو لبستي البينك وبقيتي شبه عروسة المولد اعرفي انه مش في الاعتبار ....عريس من الدرجة الرابعة كمان)
اتسعت عينا فاتن انبهارا برضا وفكرت وتذكرت ...فعلا كلامها في محله والمجهود الشاق اليوم يوحي بأهمية العريس وأنه يلاقي قبول لدى الجهات والقيادات العليا فتنهدت ونظرت نحو رضا متسائلة مشفقة
( رضا هو يعني ...اقصد انتي زعلانة او متضايقة......
نظرت إليها رضا وابتسامة الرضا تملئ وجهها وهتفت بحب اخوي صادق
( اول مرة اعرف انك غبية زى ما ماما بتقول يا فاتن ...ازعل مثلا علشان بيتقدملك عرسان ...بالعكس ربنا يكرمك و يفرحك يا اختي يارب)
احتضنتها فاتن وهتفت بحب
( ان شاء الله ربنا هيكرمك بواحد كامل مكمل هه فاهمة يا رضا ...اذا كنت انا غبية فانتي العبيطة...كمال يا ناس واد يفتح النفس كدا للجواز ....يخرب بيت دا جمال ....
صرخت فيها رضا
(غبية غبية..)
أخرجت لها فاتن لسانها لتهتف
( عبيطة .....عبيطة )

بيت العوانس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن