كانت الساعة تشير إلى الثانية ليلا حينما كنت أسوق سيارتي عائدا من العمل بعد يوم شاق اضطررت فيه بسبب بعض الظروف للمكوث إلى حدود تلك الساعة المتأخرة .
رن هاتفي لكنني لم أرد خوفا من الشرطة التي لا تتساهل في إعطاء غرامة مالية كبيرة لكل من يستعمل الهاتف أثناء السياقة هنا في أوروبا . كنت واثقا بأن أخي هو من اتصل ليسأل عني ، لهذا كان خياري الوحيد هو أن أركن سيارتي على جانب طريق يؤدي إلى منتزه أعرفه حق المعرفة ، كان الظلام دامسا و الجو هادئا و قطرات المطر قد بدأت تتساقط ، فسارعت لأخذ هاتفي و أخبرته أنني الآن في طريقي للعودة إلى المنزل .
في الوقت الذي كنت أتكلم فيه بالهاتف رمقت عيني ضوءً ينزل بسرعة كبيرة من أعلى شجرة كانت أمامي مباشرة ، كان لونه ابيضاً بطول عشرين إلى ثلاثين سنتمتر ، خالجني شعور مرعب ، أحسست بأن كل خلية من جسمي أصبحت ترتجف ، وددت تكذيب نفسي لكن ذلك الشعور لم يكن ليكذب ، فالمكان كان خاليا ولم تمر أية سيارة حتى أقول بأن هناك انعكاس للضوء و أنا أعرف ذلك المكان جيدا ، لا يوجد أي طريق للسيارات ، ليس هناك إلا أشجار وراء الأشجار في شكل يشبه غابة صغيرة لهذا قلت بنفسي أنها ربما هلوسة بسبب قلة النوم و العياء بعد يوم متعب .
غادرت المكان بسرعة ويداي تكاد لا تتحكم في المقود و رجلاي ترتجفان فوق دواسة السيارة ، أردت أن أصل في أقرب وقت إلى المنزل و كنت بعد كل ثانية انظر في المرآة الخلفية و الطريق خالية و لم يكن يوجد غيري بذلك المكان . بعد منتصف الطريق وقع ما لم يكن في الحسبان ، أحسست بالسيارة تميل وصوت العجلة يدل على خروج الهواء منها ، فضلت ألا أوقف السيارة على التو ، لأن الطريق ضيقة والجو ممطر والظلام حالك .
لهذا غيرت طريقي و قمت بالدخول عشرة أمتار في مدخل على اليمين وهناك أوقفت السيارة ، - كانت هذه الطريق بدورها يمكن أن اسلكها للعبور إلى المنزل- نزلت من السيارة ، شغلت مصباح هاتفي الخافت لمساعدتي على تغيير العجلة بالاحتياطية و الأمطار كانت تهطل بغزارة حتى أصبحت أحس بملابسي الداخلية قد بدأت تغمرها المياه ، كنت كل برهة انظر يمينا وشمالا ، إلى الإمام و الخلف و المكان موحش .
عزمت أن أكمل الطريق ، لكنني سمعت صوتا بشريا غريبا فصعدت في السيارة بسرعة البرق و لم يعد يفصلني عن المنزل إلا بعض كيلومترات . قرب قنطرة صغيرة ، شاهدت شيئا مخيفا للغاية ، امرأة مخيفة بلباس أبيض و شعر أسود وعينين حمراوين تنظر إلي نظرة غريبة ، لم أفهم شيئا فأكملت طريقي و أنا بقمة الخوف حتى وصلت إلى المنزل و لم أخبر أحدا بما حصل معي .
كنت متوترا للغاية تلك الليلة و لم أنم جيدا و في الصباح عندما غادرت المنزل ، الكثير من معارفي بدؤوا يسألونني هل أنا مريض لأنني كنت أبدو شاحبا جدا و علامات الرعب كانت ما تزال ظاهرة على وجهي .