٨

16.3K 1K 91
                                    

الفصل الثامن

انتفض قلبه عدة مرات بعدما طال الصمت بينهما بعد انسحاب شهاب السريع، نظراتها كانت تحاول الإمساك بنظراته الهاربة من واقع عيناها المظلم وخاصةً إن بدأ ناقوس الخطر يدق بداخلها حول طبيعة علاقته بشهاب وذلك الغموض الذي يحاول أن يخفيه بعيدًا عنها.

اقتربت منه بعدما كانت تحتفظ بنفس المسافة التي كانت تقف بها، وقررت أن تهدمها وتقترب منه أكثر حتى تستطيع النظر في عيناه بوضوح وتجد ما يراضي فضولها حول توتره وحديثه المبهم.

همست بكلمة لا ثالث لها وكأنها ترسل له تحذيرات ليجيب بوضوح دون خلق أسباب واهية :

- في إيه؟!.

رفع أصابعه يداعب خصلاته للخلف، مجيبًا بضيق استطاع أن يظهره ويخفي خلفه ارتباكه :

- مفيش، أنا وشهاب كنا بنتخاتق زي ما سمعتي..

ألقى بجملته وسمح لعيناه بالتجول فوق ملامحها للحظات، مستكشفًا مدى استماعها لحديثهما، وخاصةً إن كان هو لا يتذكر تفاصيل حديثه رغم مرور دقائق بسيطة عليه، ومن شدة توتره أصبح كالغريق في بحر مظلم، يترك نفسه للهلاك، وداخله ينتظر الشعاع أو الأمل الذي ينتشله من هذا المصير المحتوم بالضياع!.

-  أيوه سمعت، بس مفهمتش أنت هتخسر نفسك ليه؟!.

رمقها لثوان مفكرًا في أمرًا يحاول الخروج به من تلك المعضلة، ولا شك أن هناك نورًا بسيطًا اجتاح صدره بعد  هذا الكم من الظلام والتخبط.

تنهد بغضب غلفه بالكذب والخداع وهو يقول :

-مشاكل مع شهاب وأصحابنا وهو مُصر يوقعني في الغلط معاهم، ومش عاوز أخسر حد، ومش مقدر يا رقية اليوم ده والضغط اللي أنا فيه، بالعكس زي ما يكون بيزود فوقي أكتر بتلميحاته وكلامه المستفز.

تراجعت عن إصرارها الذي كانت تتشبث به منذ قليل في معرفة ما يدور بينه وبين شهاب، وقررت أن تترك أمر علامات الاستفهام التي تهاجم عقلها بين حين وآخر وتحاول إيجاد مبررات له، ربما لم يخطأ حمزة، وهي بدأت تتعلق به كالمجنونة، فبدت كالأم التي تريد تعقبه في كل صغيرة وكبيرة..

تنهدت بخفوت وهي تحاول رسم ابتسامة صغيرة فوق ثغرها، تهتف بهدوء وصوت حاني علها تخرجه من دائرة الضيق التي استوطنت ملامحه وجسده :

- أنت صح، كان المفروض يقدر حاجه زي دي، سيبك منه، وتعال أفرح بتعبك ونجاحك، يلا.

أومأ لها بصمت، وتحرك معها لداخل دون أي طاقة، رصيده بدأ بالنفاذ، حتى أنه تمنى أن يصمت للأبد حتى لا يتفوه بأي أكاذيب أخرى، وتزيد عليه همومه، وتقتل معها ما تبقى من روحه.

أصبح الطريق أمامه مشوش، وأهدافه التي كان يسعى لتحقيقها في البداية ضاعت كالسراب، حتى مبادئه واحترامه لذاته تشوهت بندوب عميقة يصعب معالجتها!.
                              *****
بعد مرور يومان.

لعبة الهويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن