الفصل التاسع .
- رقية أنا...
هتف بها حمزة بنبرة منكسرة ذبحته وخاصة مع تجسد مرارة فعلته أمامه.
قاطعته ونزيف الحزن يقطر من مقلتيها :
- مش عاوزة أسمع كلمة منك.
صمتت لبرهة تستجمع قواها وكبرياؤها الذي حطم على يد من امتلك قلبها في لحظة غدر وخداع، رفعت بنصرها تخلع منه قيدًا ذهبيًا اختارته يومًا وظنت أنه هو الرابط الوثيق الذي يتوج علاقتهم للأبد :
- دبلتك أهي خدها، واعمل في حسابك أنك هتطلقني.
ألقته بوجهه فسقط أرضًا تحت قدمه، وبدون أي كلمات أخرى قد تزيد من جرحها، وتهدر بقايا كرامتها اتجهت صوب الخارج بأقصى سرعة لديها، ورغم أن الرؤية كانت لديها شبه معدومة؛ بسبب ذلك الغلاف الرقيق الذي تكون من دموعها الحزينة وأعاق بعض تحركاتها، إلا أنها كانت ترى أمامها طريقها الوردي الذي قد خطت فيه من قبل بإرادتها يتحول إلى شيء يصعب وصفة، لآخر مظلم وقاسٍ، وما أدراك حين ينبثق الظلام من رحم الحب!.
اندفع حمزة خلفها يحاول منعها بكل قوته، رقية تستحق التبرير، تستحق أن يوضح لها سبب موافقته منذ البداية، تستحق أن تعلم مقدار حبها الذي يتملك منه في الثانية آلاف المرات..
وضعت أيسل يدها تمنعه من الخروج من الغرفة قائلة بنبرة عدائية رغم تلك الدموع المتساقطة فوق وجهها من حزن وقهر مما حدث لشقيقتها..
- متفكرش تروح وراها، أنا همنعك.
- سيبني الحقها.
هتف بها حمزة بعصبية مفرطة، فلا وقت لديه في خوض جدال لن يحل شيء، فالوضع الآن لم يعد يحتمل شيء، فبدت وكأن سماء حبه تحولت فجأة إلى غيوم.
تقدم شهاب منهما بعد وقت طويل استغرقه في الصمت، وعقله كان يعمل بقوة ليخرجه من ذلك المأزق الذي حشر به.
- أيسل سيبه.
تحولت أيسل فجأة من تلك الفتاة الرقيقة الناعمة، لأخرى شرسة تريد اقتناص حق شقيقتها من ذلك الذئب البشري والذي قد أزال قلبه ووضع مكانه حجرًا حتى يفعل ذلك.
- أنت مالكش دعوة، اسكت خالص.
استغل حمزة تحول انتباهها نحو شهاب، وقرر أن يفلت يده من قبضتها، وتحرك بلهفة عاثت في أروقة قلبه، بحثًا عنها رغم علمه بأن عاصفتها بالتأكيد ستكون عاتية من شدة غضبها.
انطلق في الخارج يبحث بعينيه التي كانت تحارب بعض دموعه من السقوط، لتعلن عن نهاية ثباته، وبداية هزيمته واعترافه بأن ذلك الفراق ما هو إلا بابً من أبواب الحب المجهولة، تخفي خلفها ذاتنا المحطمة وقلوبنا المنسكرة!.
لمحها على بعد مسافة من الكافية تحديدًا في نهاية الطريق، ركض سريعًا يحاول اللحاق بها، وما إن اقترب منها حتى وجدها تسير بخطوات مبعثرة تبكي بانهيار وصوت شهقاتها يمزق أحبالها الصوتية، بالتأكيد لو سمعها أغلظ القلوب، لانهارت حزنًا عليها.