حُلم صيف.

166 51 80
                                    

" كَحُلم صيف عابر هكذا تذوقتُ طعمَ الحياة. "

تموز صيف عام 2021.
يوم الخميس 6/15.

الساعة:11:00صباحاً.
قرية ريفية .


منزل خشبي صغير أبيض اللون.
بعيد ،بعيد للغاية عن ضوضاء وصخب المدينة،
مبني على الطراز الحديث ،أثاث مفروش بترافة
غرفة نوم في غاية الهدؤ،نافذة مطلة على المرج الجميل ،ستائر شفافة ممتدة على جانبي النافذة تتأرجح مع صوت صفير الريح .

أنتَ ترتدي ملابس صيفية باردة ولطيفة،
توجهتَ حافي القدمين الى المطبخ ،
أخذتَ تسير على تلك الأرضية الخشبية بهدؤ وخفة ،قمتَ بالضغط على زر إعداد القهوة ،
ثبتَ قدميك جيداً فوق عجلات الكرسي الذي تجلس عليه ،أستمررتَ بتحريك الكرسي يميناً ويساراً على الجانبين في حين أن أذرعكَ ممتدة تحت رأسك مستلقياً على تلك الطاولة محدقاً بآلة صنع القهوة تلك ،برودة تسللت من معدن الطاولة الى يديك وجسدك ،سرحتَ بخيالكَ بعيداً لثواني معدودة ليقطع ذلك الشرود صوت غليان القهوة خاصتك ، وحدكَ في المنزل لاأنس ولاجان معك لذلك كل شيء بات يُسمع بقوة أكثر من المُعتاد، صوت دقات الساعة على الجدران تدق بشكل منتظم رهيب متسللة الى كل أنش داخل المنزل ،
تحركتَ جانباً لتقوم بتمرير أصابعك حول أسطوانة الموسيقى السوداء الكلاسيكية تلك، قمتَ بتشغيلها على ذلك اللحن الأبدي الذي بدى بأنه لن يموت ،
شيء غريب ما تولد داخلك وأنتَ تستمع الى موسيقاها ترتفع تدريجياً ،تحركتَ من جديد ومرة أخرى،أحضرتَ كوب القهوة الزجاجي الشفاف خاصتك ،بدأت تسكبُ القهوة ليصدر خريرها صوته المألوف ،رائحة لطيفة ،أمسكتَ كوبكَ بأطراف أصابعك لتتوجه نحو النافذة، ثبتَ يدكَ اليسرى على حافتها ،بشكل لاأرادي أغمضتَ عينيك لتأخذ نفساً عميقاً وللغاية ،ياه الهواء منعش الى حد لايصدق ،أنه يتسلل الى عمق أعماقك بهدؤ رهيب، ستائر النافذة بقيت تتراقص مع الحان الموسيقى التي أخذت تحاكي المنزل ومافيه، بدأتَ تقطع صلاتكَ بكل ماهو مرتبط بهذا العالم ،شعرة واحدة،شعرة واحدة هي رابط الوصل لاأكثر وفجأة توقفت الأسطوانة عن العمل .


فتحتَ عينيك بهدؤ ثم سمحت لهما في ما بعد
أن يحدقا بالأفق لثواني ،المرج مفعم بروح الحياة ،بدا مخضراً مزهراً ،أشعة الشمس التي كانت في صراع طويل مع تلك الغيوم المبعثرة في كبد السماء لم تنتصر ،هي لم تنتصر لكنها لم تُهزم وهذا ماأطفى على المرج جواً رهيباً .

فجأة خطرَ بذهنكَ الذهاب في رحلة الى البحر،
الجو أكثر من رائع والبحر قريب وليسَ لديكَ شيء لتفعله فهذه عطتلكَ الرسمية ،لما لاتذهب إذاً ،
تحركتَ لتتوجه نحو الباب مسرعاً قمتَ بفتحه والخروج ، أخشاب الدرجات بدأت تصدر أزيزاً ملفتاً أثناء ضغطكَ عليها مما جعلكَ ذلكَ تلتفت الى قدميكَ الحافيتين ،سحقاً، عدتَ أدراجكَ لترتدي حذائاً صيفياً وتخرج مسرعاً ،دراجتكَ الهوائية المسنودة على جدران المنزل كانت مستعدة
لأخذك بأتجاه البحر ،ركبتَ دراجتكَ وانطلقتَ مسرعاً ،الأرض متموجة عشبية، لم تكن دراجتكَ تسير بشكل جيد ولكن مع ذلك الأمر كان لطيفاً، قليلاً فقط وأنتقلتَ الى الطريق السريع الممتد داخل ذلك المرج ،طريق مُعبد خالي تماماً من أي كائن بشري ،وجدتها فرصة لبسط ذارعيكَ في الهواء معانقاً الرياح وبقوة ،أغمضتَ عينيكَ لتستنشق كمية كبيرة من الهواء ضاحكاً ،بعدها شعرتَ بأنكَ تفقد السيطرة على زمام دراجتك، أوقفتها بصعوبة بالغة جانباً، الآن وقع نظركَ على سكة القطار التي تقع على يمينك بضع أمتار ،تركتَ دراجتكَ على الأرضية لتتوجه اليها هناك ،أثناء أنطلاقكَ نحوها بهدؤ كنت قد دستَ على كومة الأوراق الصفراء المتيبسة التي تحيط بجانبي
سكة القطار ،صوت تكسرها كان يبعث شعوراً
غريباً ،غريباً للغاية،قمتَ بخلع حذائك ممسكه
بيدك اليمنى لتصعد على حافة سكة الحديد المعدنية الباردة تلك،تسللت البرودة حتى النخاع ،
ذلك الشعور كان لطيفاً فأستمررتَ بالسير على حافتها الى الأمام قُدماً محاولاً وبشدة أن لاتفقد توازن جسدك وتقع ، فجأة هبت رياح صيفية
باردة قد حركت الأشجار خضراء الداكنة الممتدة على جانبي سكة الحديد, صوت حفيف الشجر كان شيء آخر وكأنه يحكي بلغة أخرى لا يمكن لأحد فهمها ،وأخيراً أنتَ بتَ ترى البحر في أحد الجوانب بعيداً عن سكة القطار ب50 متر تقريباً ،تحركتَ تجاهه مسرعاً ،راكضاً .


وأخيراً أنتَ قد وصلت ،أنقطعت أنفساك
وبشدة لتقف منتصباً ،البحر الأزرق قد فرش
أذرعه أمامك منادياً إياك بالتقدم ،وبشكل لاأرادي رميتَ حذائكَ جانباً لتبدأ بالسير على تلك الرمال الدافئة ،أنغمست أقدامكَ فيها عميقاً وعميقاً مع
كل خطوة،كم كانت ناعمة وكم كانت دافئة،
أصوات قواقع المحار وأصوات تلاطم أمواج
البحر قد أضافت لحناً عجيباً ومميزاً على تلك الأجواء ،السماء الزرقاءذات الغيوم البيضاء المبعثرة قد أخذت تحاكي البحر بصمت رهيب وكأنكَ بدأت تستمع الى حديثهما معاً،تكاد تُجزم بذلك !! ،فجأة وجدتَ نفسكَ تتوغل داخل البحر ،المياة الباردة قد أخذت تلامس قدميك متلاطمة بحافة الساحل الرملي ذهاباً وأياباً والعجيب بالأمر أن المياه زرقاء داكنة تدعوك
الى الغوص في أعماقها ،شيء فشيء أنتَ تتوغل ،المياة تصل الى خصرك ثم أكتافك ،ثم رأسك ،الآن بتَ في جوف البحر صوت دوي الماء قد أغلق مسامعك وبصرك بات مضبباً ،
أنفاسك ،أنفاسك ،بدأت تعي عدم قدرتكَ على التقاطها ،وأخيراً أدركتَ أنه يتوجب عليك الخروج
فوقفتَ منتصباً خارجاً من تحت مياه البحر ملتقطاً أنفاسكَ بصعوبة بالغة مع شهقات متتالية .

تمت .

طلب أنسة ,رغبت بفصل لطيف بعيداً عن
فئة الرعب والنفسية.

تخيل مع ليلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن