★3ليس الى الأبد★

849 11 0
                                    

الفصل الثالث ★★

بقيت رينا أكثر من أسبوعين دون أن ترى لوجان بعد تلك الحادثة , حتى أنها تساءلت أذا لم تكن قد أبعدته نهائيا هذه المرة , وكان هذا التفكير يملؤها خوفا ويأسا , وعليها أن تتقبل ذلك مجبرة , وهو على كل حال لم يكن بالنسبة اليها الكل في الكل .
هكذا كانت ترضي نفسها , وتكرر بأنها أمرأة راشدة وعاقلة , وأهل لأن تتحمل المسؤولية دون الأعتماد عليه .
ومع ذلك فقد فوجئت بنفسها عدة مرات قرب الهاتف , تمنع نفسها من أن لا تطلبه في المطار , وأخيرا وللضرورة أتصلت به عيد ميلاد داني يقترب وأعرب الطفل عن رغبته الملحة في حضور العم لوجان , نظمت له رينا حفلة مع عدد من رفاقه,علها ترضيه وتذرعت بعدة أسباب لأنشغال لوجان , ولكن الطفل أستشرس في سبيل تلبية رغبته وكان على أمه أن تخضع لتنفيذ رغباته.
شرحت الموقف للوجان بصراحة وهي ترجوه ألا يجبر نفسه على الحضور أذا كان لديه أرتباط آخر , وليشرح ذلك لداني .
سأل بخشونة:
" بمعنى آخر , تفضلين عدم حضوري؟".
ردت بسرعة :
" لا ".
" سأكون هناك في الوقت المحدد , وأشكرك على الدعوة".
وأقفل دون أن يضيف أية كلمة , وأرادت رينا ألا تعلق أهمية على ذلك , فيجب ألا تعنيها مشاعر وآراء هذا الرجل .
وأثناء الحفلة , بدت مهذبة ولكن متحفظة , وحاولت أن تتحاشى فتح حوار معه , بقي لوجان حوالي الساعة والنصف , كانت كافية لتفرح داني وعندما ودع رينا أرتسمت على شفتيه أبتسامة ساخرة , نظرت اليه بقلب منقبض وهو يرحل , ولكنها لم تعد تتحمل خطر دعوته.
منتديات ليلاس
بعد عدة أيام عاد من تلقاء نفسه مع باقة كبيرة من النرجس , أبتسم بصعوبة أمام النظرة الحذرة والمصدومة التي لاقته بها , لأن هذه هي المرة الأولى التي يقدم لها أزهارا.
" هذه الزهور تعبر عن شكري لأنك كنت مضيافة في معظم الأحيان".
" ما كان عليك أن تفعل ذلك ( أجابت بخشونة ) نحن ندين لك بكثير.....".
" لا تدينان لي بشيء على الأطلاق".
أبتسمت رينا وهي تهز رأسها , سبقته الى الصالون حيث كان داني يتصفح كتابا مصورا وعندما لمح لوجان شع وجهه فرحا وأرتمى حول عنقه.
" عمي لوجان , أنت جئت لتأخذني بنزهة بالطائرة".
" ليس اليوم يا بني ( أجاب وهو ينحني بجانبه) يجب أولا أن أحدد موعدا مع أمك".
" لكنك وعدت......".
قالها وكأنه يوجه اليه أتهاما.
" لا تقلق , سأفي بوعدي عن قريب ولكن بعد أن آخذ رأي أمك".
تسمرت رينا في مكانها وصعد الدم في رأسها وصرخت كالمجنونة من الغضب:
" أبدا".
نظر اليها داني بأستغراب بينما كان لوجان يتفحصها بنظرات ثاقبة:
" أنا آسفة يا عزيزي , أنت لا تزال صغيرا....".
" أنا لست صغيرا , عمري أربع سنوات ( صرخ داني منزعجا ) العم لوجان أقسم أن يأخذني".
ضمته رينا بين ذراعيها.
" أضع اليّ يا عزيزي.........".
لكن داني دفعها بقسوة وضربها بقبضته وركاها بقدميه وتقلص وجهه , وبدأ يصرخ:
" أنا أكرهك يا ماما , العم لوجان وعدني".
رفعت رينا يديها لتحتمي من ضربات داني العشوائية , رفع لوجان الطفل عن الأرض ووضعه أمامه وأمسكه بعنف من كتفيه وأمره بقسوة:
" يكفي هذا يا دان".
توقفت فورا نزوة داني وبشكل قطعي , وأحس بأن لا حيلة له , وطفرت الدموع من عينيه , ولم يكن لوجان قد تحدث مع داني بهذه اللهجة من قبل.
" لا يهم ( تابع لوجان بهدوء أكثر ) ربما لم يكن من المستحسن أن نعرض الفكرة بهذه الخشونة والمفاجأة على أمك , لنترك لها الوقت لتقبلها , والآن أذا كنت تعتبر نفسك شابا عليك أن تتصرف بتعقل , أن الولد الحسن التربية لا يضرب النساء وخاصة أمه , وأرجو أن تطلب منها العفو.
تمتم داني:
" لا".
" ربما فيما بعد ( قال لوجان بأبتسامة خفيفة) والآن دعني لوحدي مع أمك وأذهب أنت لتلعب في غرفتك".
نظر داني الى أمه نظرة أستياء مليئة بالعدوانية وأطاع الأمر , نظرا الى بعضهما بعد أن سمعا صوت الباب وهو يغلق.
سأل لوجان بسذاجة:
" أين تكمن المشكلة؟".
" يجب ألا تعد داني بأي شيء مهما كان بدون أذني".
" في الحقيقة , أرجو أن تسامحيني , أردت أن أكون عرابه في الطيران لأول مرة يوم عيد ميلاده , وبما أن الفرصة لم تكن سانحة في تلك الفترة أن أسألك رأيك في الموضوع , أردت أن أسعده وأسعد نفسي بأعطاء هذا الوعد , ولكنني لم أفكر ولا للحظة أن أتجاوز رغبتك".
" على كل حال لقد كنت حازمة".
" لماذا؟ ( قطب حاجبيه مدهوشا) ستكون تجربة رائعة بالنسبة اليه , عيدا حقيقيا".
" أنه أبني , ولا أجد سببا أقدمه لك".نفد صبر لوجان ولكنه تابع:
" مع ذلك لن تحرميه هذه المتعة لتسعدي بأحباطي ,لكنني أعتقد أنك لم تركبي الطائرة منذ وفاة تيري , حتى أنك رفضت العمل.....".
أسرعت بالأعتراض:
" هذا لا علاقة له أبدا".
" ليس هناك من مبرر لكل هذا الخوف , عمري لم أصب بحاجث".
" تيري كان يقول مثل هذا الكلام تماما".
وبعد فترة صمت ثقيل أستأنف لوجان الحديث:
" تيري كان يضع نفسه في مواقف خطرة لا مبرر لها , لدرجة الحماقة".
سألت بأزدراء:
" وأنت , ألم تكن كذلك؟".
" لست بحاجة لأن أؤكد ذاتي لهذه الطريقة".
وعندما وصل الأمر الى نقد سلوك تيري ألقت رأسها الى الوراء بفخر وقالت:
" فسر لي ماذا تريد أن تقول".
" تيري كان يحاول دائما أن يؤكد لنفسه قيمته الذاتية , ولا أعتقد أنك تجهلين الأسباب التي دفعته ليغامر بحياته بعد أن عشت معه خمس سنوات".
نظرت اليه بذهول دون أن تفهم ما يعنيه.
" يا ألهي.....( تمتم ) لم أعتقد..........".
قاطعته رينا:
" تيري كان يعشق المخاطر , لا يخاف شيئا".
قال لوجان يصحح الموقف:
" تيري كان يستبسل الموت بأستمرار ليتأكد من شجاعته , وبالنتيجة كان هذا مرعبا".
بريق من الغضب لمع في عيني رينا:
" أتجرؤ أن تنعته بالجبن؟ مع أنك أعز أصدقائه".
" لا تفسري ما أقوله كما يحلو لك , لقد كان شجاعا بشكل غير معقول , وطالما كافح ليؤكد نفسه وليسيطر على مخاوفه , هكذا عرفته دائما حتى عندما كان طفلا , ولا أزال أذكر المرة الأولى التي رأيتع فيها يتضارب مع ولدين ضخمين وهو يعرف مسبقاأنه سيخسر المعركة , ولكنه مع ذلك جازف بدخولها".
" وأنت أسرعت لنجدته , لقد حدثني عن هذه المرحلة من حياته, وكنت أنت البطل بالنسبة اليه أليس كذلك؟".
" كنت صديقه , تيري كان دائما بحاجة الى شخصية قوية الى جانبه , ولهذا تزوجك".
" كيف؟ ( خرجت رينا عن طورها وصرخت) تيري لم يكن ضعيفا".
" وكذلك لا أزعم ذلك".
" والآن تجرؤ أن تدّعي العكس , أنت كائن رديء منحط , تيري ما كان يغتاب أحدا من أصدقائه ".
" ولماذا نموّه الحقائق ؟ لقد أحببت تيري كما كان بحسناته وسيئاته".
علقت رينا بسخرية:
" وأعجابه اللامحدود بك أرضى تعاليك , لقد كان صعبا بالنسبة اليك أن اخفي أحتقارك".
" أنا لم أحتقر تيري , أحترمه لقوته وأرادته ,وأعجب بمرحه ومزاجه ومختلف مواهبه وكنت فخورا بصداقته ,كانت طفولتي تعيسة وشقية وتيري هو الذي أبعدني عن البدائية وجعلني متمدنا في بعض الأمور".
لم تستطع رينا أن تخفي نظرة شك , وفجأة توقف لوجان عن الكلام وقهقه ضاحكا.
وهكذا زال الجو المشحون بالتوتر.
" صدقيني ( تابع يقول ) أنا لا أريد أن أشوّه ذكرى تيري , كنت متعلقا به كثيرا".
قالت ببساطة:
" أعرف".
فأضاف بهدوء:
" وأحب أبنه كثيرا".
أنتصبت رينا لكن لوجان تابع:
" تيري كان يعشق الطيران , كان يخاف , ولكنه أحب ذلك بشغف وقد ورث دان هذا , فلا تنقلي خوفك الشخصي الى أبنه".
" أنت مخطىء".
" أنت تخافين الطائرات منذ حادث تيري وأن كنت تنكرين ذلك , على كل حال ليس هذا سببا لتمنعيني من أصطحاب دان , من أجل ذكرى تيري".
تمزق قلب رينا من التردد , وأخيرا قررت , كررت وهي على وشك البكاء:
" موافقة , من أجل ذكرى تيري".
" لن تكون الرحلة طويلة , وسأكون حذرا جدا".
هزت رأسها وهي تعض شفتها , قال:
"" الى اللقاء غدا , هل بأمكانك أحضار داني الى المطار؟".
كانت رينا ستعترض وتخلق أي عذر , ولكنها تماسكت أمام نظراته المترقبة:
" حاضر , الى الغد".
ومن المؤكد أن داني قفز فرحا لدى سماع الخبر .
وفي اليوم التالي ظهرت الشمس في يوم رائع من أيام الربيع كما تمنت رينا , وحاولت في الطريق أن تشغل نفسها عن التفكير بتيري الذي طالما رافقته على نفس الطريق بهضباته وأعشابه وأشجاره وأزهاره , بسهوله ووديانه وأرضه البور والمزروعة , وعندما لمح داني الطائرات في الأفق أطلق صرخة حماس وأعجاب
كانت هناك ثلاث طائرات صغيرة من ذات المقعدين بالقرب من المرآب مع حوامة رابضة على العشب , هذه الطائرات الصغيرة كانت مخصصة لتسميد الأراضي التي تحتوي على وديان كثيرة في نيوزيلاندا , مزودة بخزان كبير للسماد أو مبيد الحشرات.
كان على الطيار أن يطير فوق سطح الأرض ليوزع المخزون على الأرض بدقّة وهكذا يصبح عرضة لتجارب محفوفة بالمخاطر ولذلك عليه أن يقوم بردود فعل سريعة وخارقة ليتحاشلا العقبات المفاجئة.
وعندما رأت رينا الطائرات والبنايات أنقبض قلبها وأصابها ألم حاد وقوي كما حدث في بداية الحادث.
شدّها داني من ذراعها بفرح عندما توقفت السيارة , وحبست رينا دموعها وأبتسمت له لكي لا تفسد عليه سعادته .
وفي قاعة الأستقبال أستقبلتهم موظفة جديدة شقراء , ثم ذهبت لتخبر لوجان بمجيئهم.
ألقت رينا نظرة على المكتب , لقد تغير تماما عما كان عليه أيام تيري , الزجاج والمعدن حل محل الخشب القديم والأرض فرشت بموكيت سميك والنباتات الخضراء تركت البصمات الأخيرة على الديكور.
تقدم لوجان لملاقاتهما وأشار لرينا بالجلوسعلى أريكة جلدية مريحة , وبقي واقفا أمامها مكتوف اليدين مستندا على طرف مكتبه.
سأل:
" هل رأيت هذا التغير؟".
" أنه ....... جميل جدا".
" ألا أستحق بعض المديح؟".
قالها ساخرا من نفسه , وبعد أن درس رد فعلها بدقة , سأل:
" هل هذا يضايقك؟".
أحست رينا بالخجل في أعماقها لأنه لم يعد هناك أي أثر من آثار الجو العائلي المريح الذي بدأ به مشروعهما الصغير , ولكن لفتت نظرها صورة معلقة خلف مكتب لوجان للشريكين واقفين بفخر بجانب النماذج الأولية , تقدمت رينا لتنظر اليها عن قرب وبعد لحظة شعرت بيدي لوجان على كتفيها , وقفز داني أمامهما :
" هذا أنت يا عم لوجان..... وأبي".
أجاب لوجان بهدوء:
" تماما لا يمكن أن أنفصل عن هذه الذكرى من أجل أي كان في هذا العالم".
أضاف ذلك وهو ينظر الى رينا , أستدارتلتجلس ورفعت داني على ركبتيها لتبدي ملاحظة بلهجة خالية من الأنفعال :
" كان المكتب بحاجة ماسة ليصبح حديثا".
أجاب:
" أنجيلا أيضا كانت مع هذا الرأي".
" أنجيلا؟".
" السكرتيرة الجديدة , ولم تكن مخطئة , فنحن نستقبل هنا الزبائن أكثر فأكثر ليجربوا معداتنا , وأحيانا نستقبل أعضاء مجالس أدارية".
" أذن , أنجيلا هي التي أهتمت بالديكور شخصيا".
أجاب وبارقة فرح في عينيه:
" نعم ".
قالت ساخرة وبمرارة:
" يا لها من جوهرة , أن هذه الشابة الجذابة بدون شك تمتلك الكثير من المواهب".
وبعد صمت وجيز قال لوجان بهدوء:
" أنت مخطئة في حساباتك عنها يا رينا".
أحمرت قليلا , وصرخ داني مطالبا بالرحلة التي طالما أنتظرها , صعد بسرعة الى الطائرة ذات المقعدين ولمعت الضحكة على ثغره , بقيت رينا واقفة أزاء الساحة تحرك يدها لأن أبنها يترصد أشارتها.
وعندما أرتفعت الطائرة وأنعطفت , أنزلت يدها وجلست على مقعد قديم وهي تكاد تموت من الخوف وأخذت تجفف عرقها.
بدت لها الحظات وكأنها تمر بلا نهاية قبل أن ترى ظهورالطائرة من جديد , شعرت بوجع في عينيها من كثرة تحديقها بالطائرة وهي تستعد للهبوط حتى أنها لم تنتبه لأنجيلا التي خرجت من المكتب ووقفت بجانبها , وعندما هبط لوجان بهدوء تنفست رينا بأرتياح.
سألت أنجيلا بصوت أنثوي وهي تقف خلفها وتتأملها بفضول:
"هل كل شيء على ما يرام يا سيدة كيمبل؟".
أجابت رينا بلهجة حيادية :
" نعم , أشكرك , فقط بدأت أتضايق من أنتظارهما...".
وبعد لحظة هرع داني نحو والدته مندفعا ليقص عليها الأنطباع الذي لا ينساه لأول تحليق له في الفضاء, وعندما أنتهى سأله لوجان:
" والآن , ما رأيك في أن تتذوق بوظة بالشوكولا ؟ أنها في البراد خصيصا لك".
صرخ داني:
" آه , نعم!".
" أذن , أذهب مع أنجيلا ريثما تعود أمك , فالآن جاء دورها".
أنقطعت أنفاس رينا وقالت معترضة:
" لا.... لا أريد.....".
لكن لوجان شدها من ذراعها , وصرخ داني:
" سأقول لك الوداع من هنا يا ماما كما فعلت أنت معي".
" لا أعتقد......".
" تعالي ( قاطعها لوجان , وبهدوء همس ) لا تخيبي أمل دان ".
أستكشف لوجان خوفها هذا....... ونصب لها هذا الفخ أمام أبنها لكي لا تستطيع التراجع.
أكدت لها أنجيلا بلهجة مطمئنة وهي تداعب شعر الصبي:
" سأهتم بدان يا سيدة كيمبل....".
لا شك أن أنجيلا موضع ثقة... تنهدت رينا بعمق وبذلت جهدا خارقالتتحكم في الرغبة المجنونة التي أنتابتها لتصخ وتولي هاربة.
مشت بجانب لوجان وهي تجر ساقيها المتصلبتين حتى الطائرة , وصورة تحطم الطائرة وزوجها المسكين تتراقص في مخيلتها.
ساعدها لوجان على الصعود , كأنها كانت في عالم آخر , حتى أنها لم تسمع كلامه المشجع , وبحركة آلية ربطت حزام الأمان بينما لوجان يتفحص مختلف المعدات ليساعدها على الراحة.
" أسترخي يا رينا , ثقي بي".
ظلت صامتة ولم يخترق هذا الصمت ألا صوت المحرك , أنتصبت رينا أكثر وهي تحس بالرعشة في أنحاء جسمها , وشدت على أسنانها عندما تحركت الطائرة بأتجاه ساحة الأقلاع .
" دان يشير لك مودعا , ردي عليه".
حاولت رينا بصعوبة أن تلمح طيف أبنها في رؤيتها الضبابية , وحركت يدها ثم أغلقت عينيها عندما أزدادت السرعة , وأخيرا وفي لحظة الأقلاع أحست بالأغماء , وعندما تجرأت وفتحت عينيها , رأت تحتها الحقل الأخضر والشريط الرمادي للطريق المحيط بالتلال أما الأسطح الحمراء والبرتقالية للمزارع فقد أضفت لمسة من الألوان الحية على المنظر.
وشيئا فشيئا أستعادت أسترخاءها , أنها لحظة السلام أو لحظة الأنتصار على الخوف , حقق لوجان هبوطا مشرفا ولكن في اللحظة التي مست فيها الطائرة الأرض عاد حادث تيري الى ذاكرتها بقسوة.
كان وجهها لا يفسر عندما مد لها لوجان يده ليساعدها على أن تقفز الى الأرض.
سأل:
" أنت على ما يرام؟".
" نعم".
وبعد جهد أضافت:
" شكرا يا لوجان".
أرتسمت أبتسامة خفيفة على شفتيه وتبعته رينا الى المكتب تجر ساقيها , كان داني يأكل لبوظة وهو جالس على كرسي وعلى صدره وحول رقبته فوطة ورقية , أما أنجيلا فكانت أمام األة الكاتبة , أبتسمت لهما بحرارة مما ضايق رينا وجعلها تشعر بنوع من التواطؤ بين لوجان والسكرتيرة.
قال لوجان مقترحا:
" ما رأيك أن نشرب شايا يا آنج؟".
آنج؟
ألقت رينا نظرة ساخرة على لوجان الذي رفع حاجبيه ممازحا , وهو يقودها الى مكتبه.
سألها دون أن ينظر اليها وهو واقف قرب النافذة :
" هل آلمك هذا؟ العودة الى هنا".
" نعم".
" مع أنك ستعملين في المؤسسة".
" كان يمكن أن أعمل في مكتب هاملتون؟".
" على كل حال , لا يمكن أن تتجنبي هذا المكان الى الأبد , هل أنت نادمة لأنك جابهت هذه الخطوة قبل الأوان؟".
" لا".
أستدار نحوها وتأملها بنظرات ثاقبة ثم أسرّ أليها:
" في الأسابيع الأولى , كان قاسيا جدا بالنسبة لي أن أتواجد هنا بدون تيري , وهذا بدون شك بسبب......".
تردد في أستكمال كلامه وهو يلقي نظرة دائرية على الغرفة , أدركت رينا ما يدور بخلده.
الديكور الجديد ساعده في أن يتحرر من الذكرى.
" الألم لا يمكن أن يدوم الى الأبد..........".
تابع باللهجة نفسها , وبشكل مفاجىء واجه لوجان رينا مستندا على كرسيها وأضاف:
" هذه الحقيقة تفيدك أيضا يا رينا , أنا متفائل , الحياة........".
قاطعته بسخرية :
" من المؤكد , أذا أستطعنا قول هذا.......".
" لا تتكلمي هكذا".
قاطعها لوجان بقسوة , ولكن رق تعبير وجهه عندما رأى داني يدخل.
" هل أحببت البوظة يا بني؟( سأله وهو يرفع له الفوطة) تعال معي لأغسل لك وجهك".
وأدركت رينا أنه أرتاح لهذا الأنقطاع.... في هذه اللحظة دخلت أنجيلا تحمل صينية الشاي.
قالت رينا بأدب:
" شكرا , هذا لطف منك".
أبتسمت أنجيلا وخرجت , عاد لوجان مع داني , وشرب الشاي بهدوء وهو يراقب لعب الصغير.
" حان الوقت لنعود ( قالت رينا بعد فترة) شكرا يا لوجان".
" بدون شكر , أرجوك ( أجاب بسخرية ) لقد سررت بهذه الزيارة".
ثم رافقهما الى السيارة , وبعد أن أغلق الأبواب أنحنى على الشباك المفتوح وقال:
" ما رأيكم أن نذهب الى البلاج سوية يوم الأحد ؟ يجب أن نستغل حرارة الجو".
بدأ داني يقفز على المقعد فرحا بينما أجابت رينا:
" سأفكر بذلك".
أضاف بصوت منخفض:
" من أجل دان يا رينا".
" لا ترغمني ( قالت بسخط ) ولن أستسلم للمساومة".
" لا تشوهي الأشياء يا رينا , فالدعوة كانت بسيطة".
" وجّه الدعوة لداني أذا كان يسرك ذلك , أنا لن أذهب".
" لقد وجّهتها لكما أنتما الأثنين".
فهم داني عدم الأتفاق , وبدأ بالبكاء وبشد كم والدته , ولم تعرف رينا كيف تتخلص من تصرفاته وتابعت:
" قلها بشكل آهر , ترفض أن تأخذ داني بدوني".
هز كتفيه وتوجه الى داني :
" يكفي هذا يا دان , أهدأ , وألا لن آخذك".
توقف داني على الفور , وهذا ما أثار رينا أكثر لأن سيطرة لوجان أكثر تأثيرا من قمعها الشخصي.
تابع لوجان:
" نعم أم لا؟".
لم تعد تجرؤ أن تبدي أعتراضها فأبنها ينظر اليها مرتعشا , ألتفتت الى لوجان وأشارت له برأسها علامة الموافقة.
" سأمر أذن في الثامنة والنصف , سأحضر كل شيء معي".
ولم يضف كلمة أخرى بل تراجع الى الوراء وأنطلقت رينا , قالت في نفسها أن هذه السعادة البادية على ملامح داني تثمّن بهذا الأستسلام.

✼نصف الحقيقة✼ - 🌱دافني كلير🌱- روايات عبير القديمة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن