8- ★الفصل الثامن ★
بقيت رينا مذهولة , صامتة , مذهولة.
نهض لوجان بصعوبة مستندا على طرف الطاولة .
" سأذهب لأنام.......".
قالها بوهن , وأثناء خروجه كاد يصدم داني الذي جاء مهرولا:
" عم لوجان....".
قاطعته والدته فورا:
" تعال يا داني , عم لوجان متعب جدا".
حاولت أن تشغله طوال اليوم باللعب لكي لا يزعج لوجان في نومه , وبعد الظهر توقف المطر مما سمح لهما بالخروج والتنزه تحت أشعة شمس خجولة.
ولدى عودتهما وجدا كلمة من لوجان يخبرهما بأنه سيعود متأخرا." أحببتك....".
قالها بألم عميق , هل ماتت الآن عواطفه أتجاهها؟".
وعادت اليها صورة المشهد ووجه لوجان المعذّب اليائس , فأرتعشت خوفا , حاولت طويلا أن تخفي الحقيقة , ولكن الآن لم يعد ذلك ممكنا , صحيح أن لوجان كان يتحدث تحت تأثير التعب , ولم يحسب حسابا لكلماته لكن صدقه لا يشك فيه , تبقظت الذكريات البعيدة في ذهنها وصعدت الى سطح ذاكرتها ..... الأثنان أخفيا بعناد عن تيري الكراهية المستمرة والتنافر المتبادل , هي تحت ستار من البرود واللامبالاة , وهو خلف قناع من السلوك الهادىء والساخر , لكن في الحقيقة أن نزاعهما المستتر هو الذي يدفعهما الواحد نحو الآخر , وكأنه يخضع لأنجذاب مغناطيسي , حضور لوجان يكفي ليثيرها , وتحاول أن تجد تفسيرات مغلوطة وخاطئة لهذه الظاهرة , ولوجان يتابعها بعيونه ويغرقها بنظراته وتتظاهر بأنها لا تراه لكي لا تطرح على نفسها بعض التساؤلات , كما أنها لا تجرؤ أن تعترف لنفسها بالمتعة والغرور اللذين يثيرهما فيها بأهتماماته هذه.
لوجان ورينا أجبرا أنفسهما على تجاهل هذا الوعي الحسي , ولعبا لعبة السذاجة , وعندما أثارها مرة بدعاباته , التي كانت سلاحه الدفاعي المفضل , رمته بنظرة طويلة ومفهومة , كانت تشعر بالرضى وهي تفحمه على هذا الشكل , كانت متعالية عليه , ولكن هذا التعالي تحطم يوم وقعت على سلم المطار , وأرتمت على صدره ( أنت في مأمن , لن يحدث لك شيء ) , فهمت جيدا مغزى هذه الكلمات ذات المعنيين , لقد عرفت الخطر الذي أصابها.....نفت فورا هذه الحادثة من أفكارها لكي لا تعطيها أهمية , لكن علاقتهما تغيرت منذ ذلك اليوم , بدت رينا أكثر بعدا وأكثر عدوانية , وأصبح لوجان أقل سخرية وأكثر نعومة وكآبة.
أكد تيري بعد فترة:
" لم يعد هو نفسه , لقد روضته يا رينا".
" الكل ينتهي بأن يروّض نفسه مع تقدم العمر , حتى لوجان".
" توحين أليّ وكأنني أصبحت عجوزا ( تدخل لوجان قائلا) تيري وأنا لنا نفس العمر يا رينا".
ورغم كل شيء كان يبدو أنه يكبره بعدة سنوات , كان تيري من نوعية الفتى الذي يحتفظ بجانب طفولي, وسيظل كذلك , وهذا يعجب زوجته كثيرا.
أحببتك ) ما زالت الكلمة ترن في أذنيها , هل توقف الآن عن حبها؟ وهل هي دفعته الى أحضان أنجيلا , ببرودها وصدّها العنيد؟
ومن ناحية أخرى فهو متمسك بهذه العلاقة ... لربما يفكر أن يقطع علاقته بأنجيلا؟ أو أنه يتخذ الآن قرارات أكثر أهمية ؟
وعند منتصف الليل نامت مرهقة من الأنتظار والتفكير , وعندما أستيقظت في الصباح كان لوجان في الصباح كان لوجان في الحمام , وكان قد نام في الغرفة الأخرى , دخل المطبخ بينما كانت تحضر الفطور , وقد أستعاد حيويته المعتادة , لكن نظراته ما زالت قاسية وبعيدة.
أنفطر قلب رينا وتمتمت بصوت شبه متوسل:
" صباح الخير يا لوجان ".
لكنه لم يعرها أي أهتمام وظلت عيونه ثابتة على الطاولة.
سأل :
" هل أستطيع مساعدتك؟".
" لا , كل شيء جاهز".
" أنك نشيطة ومنظمة ( قال بحياد) أن تيري أرشدك بشكل جيد".
جرحها , فغرزت يديها المرتعشتين في جيوبها وقالت:
" سأذهب لأبدل ثيابي".
أقفلت الباب بالمفتاح وغسلت دموعها وعندما عادت كان لوجان قد رحل , في الأيام التالية جربت كل المحاولات للتقارب , كان أحيانا مشغولا وأحيانا يلعب مع داني , وفي مرات أخرى عليه أن يخرج , وفي الفترات القليلة التي يلتقيان منفردين يظل محافظا على سلوكه القاسي والساخر.
هذا الموقف وضعها في حالة هياج جنوني , وبدلا من أن تحافظ على هدوئها لترغمه أن يناقشها بتعقل دخلت في اللعبة , مما جعل لوجان يضحك مسرورا لأنه يكاد يجعلها تخرج عن طورها.
وفكرت عدة مرات أن تحشره في زاوية , وتطالبه بتفسير صريح , ولكنها كانت تخاف من هاجس واحد , وهو أن يفضل أنجيلا أذا ما وضعته في موقف الخيار.... أشترى لوجان حوّامة صغيرة لداني , محددة المسافة , تقلع كآلة حقيقية , وتسير مسافات قصيرة على عدة أمتار من الأرتفاع , لكن كل هذا لم يرض داني , وأصر أن يركب في حوامة حقيقية , قبل لوجان شرط أن ترافقهما رينا.
وصباح يوم سبت أخذهما الى المطار حيث كانت بأنتظارهم حوامة صغيرة حمراء.
قال داني وهو يتفحصها :
" أنها صغيرة ".
" معقولة".
أجاب لوجان وهو يرفعه ليصعدا الى داخلها , جلس الثلاثة في الطائرة وأغلق لوجان الباب الزجاجي.
" ما هذا؟".
سأل داني وهو يشير الى لوحة , دلّه لوجان على وعاء الزيت والوقود ومقياس الأرتفاع لكن داني تعب من شروحاته , فقاطعه ليعرف لحظة الأنطلاق.
" حالا يا بني".
أجاب لوجان بأبتسامة , راقب داني بأهتمام شفرات المراوح التي تدور ببطء فوق رؤوسهم ثم تأخذ السرعة اللازمة , وأزدادت الأهتزازات ثم أنحنت الآلة الى الأمام لحظة الأقلاع , وأطلق داني صرخات فرح وهو يشاهد الأرض تبتعد عنهم بسرعة , وحلقوا بهدوء فوق النباتات والبراري الشاسعة.
وبعد عشر دقائق لف لوجان , آخذا طريق العودة , وتنهدت رينا بأرتياح لحظة الهبوط.
" لست عصبية على ما أعتقد؟".
" ليس تماما , ولكنها مختلفة تماما عن الطائرة..."".
قاطعها:
" أما جربتها مع تيري؟".
" لا , لقد أشتريتما الحوامات بعد ولادة داني, ولم أشأ ....".
قاطعها بهدوء:
" أذكر".
وعندما توقفت المراوح تماما قفز لوجان على الأرض وساعد رينا على النزول بينما قفز داني فرحا وركض دون أن ينتظرهما.
تأمل وجه رينا , وعندما سألته بنظرة أجاب ببساطة:
" شكرا".
هزت رينا رأسها , وعادا الى المكتب وداني يركض أمامهما وهو يقلد أهتزاز الطائرة.
علّق وهو يفتح الباب:
"بالتأكيد , أيقظت فيه ولها جديدا".
كان يريد أن يعمل في مكتبه قليلا قبل أن يعودوا .
" سأحضر الشاي , هل تريد؟".
" بكل سرور".
راقبها طيلة الفترة التي كان يشرب فيها الشاي بهدوء , وبعد فترة سأل:
" هل تريدين أن تقودي حوّامة؟".
" لا أعرف..... هذا سيغيرني كثيرا".
" علينا أن نعرف كيف نتقبل الجديد , الحياة تقدم لنا الكثير من التجارب المهمة , ومن الخطأ ألا نجربها حتى وأن كانت أحيانا تشكل نوعا من المغامرة والمراهنة , يجب ألا نتراجع خوفا من التغير.
لقد أثار موضوعا مختلفة تماما.. فوضعت فنجانها بأرتياح وأجابت:
" لست خائفة , ولكنني لا أعرف تماما كل معطيات الموقف".
هز رأسه ساخرا , ثم شرب آخر نقطة من الشاي وعاد ليغرق في أوراقه.
" لم يتبق لي الكثير من العمل".
ألتحقت رينا بأبنها الى الخارج , تنزهت معه ثم عادا , وبأنتظار لوجان شغلا الوقت برسم الطائرات , ونهضت فورا عندما فتح لوجان الباب.
" هل مللت؟ كان عليك أن تأخذي شيئا للقراءة , لدى أنجيلا مجموعة من المجلات خصيصا للزوار".
" أنها جوهرة نادرة هذه الأنجيلا , تفكر بكل شيء".
قالتها بمرارة , ثم أستدارت وخرجت وهو ينظر اليها بأستغراب تام.
في السيارة غاصت مجددا في أفكارها , ولكنها عادت الى عالم الواقع مع صرخة داني الذي رأى بضع نقاط من الدم على قميصه الأصفر , أعطته منديلا ليمسح أنفه عندما عرفت أن الأمر بسيط , ولكنه ظل يبكي مما أضطر لوجان أن يتوقف على جانب الطريق ليسمح لرينا أن تنتقل الى الخلف بجاني داني لتهدئه.
" أعطني مناديل الورق الموجودة في العلبة لو سمحت يا لوجان ".
أعطاها المناديل بعد أن بحث في العلبة الى أن وجدها , وعادت رينا الى الكرسي الأمامي بعد توقف النزف , ووضعت داني في حضنها , رغم التعبير الساخر الأنتقادي على وجه لوجان.
نام داني باكرا , وعندما عادت رينا الى الصالون كان لوجان يحضر كأسا من الشراب.
" هل أقدم لك كأسا؟".
" نعم أشكرك".
أخذت رينا مكانا على أحدى الأرائك المريحة , وبدأت تتفحص الغرفة من حولها بعصبية .
سأل :
" ماذا هناك؟".
" لا شيء , أشعر بأنني أختفي في هذه الأرائك".
" يمكنك أستبدالها أذا رغبت , حتى يمكنك تغيير ديكور المنزل ككل".
صرخت بعصبية:
" تركت هذا الموضوع لأنجيلا".
تجمد فجأة وهو يقف بجانب المدفأة يلهو بكأسه .
" ماذا لديك ضد أنجيلا؟".
" لا شيء على الأطلاق , ولكنها تمتلك ذوقا كبيرا , وعلى كل فأن مكتبك يشهد على ذلك".
سألها:
" أنت جئت منذ فترة الى المطار؟".
" لا".
" أذن ماذا يعني هذا؟".
وأخرج من جيبه ورقة المخالفة .
" اين وجدتها؟".
" في علبة القفاز , وأنا أبحث عن المناديل , في بادىء الأمر لم أعرف لمن كانت , فوضعتها في جيبي على أمل أن أسددها ".
شدّتها رينا من يده.
قالت بسخرية:
" نسيت تماما , على كل حال لن تلعب دور الزوج المتسلط وتعطيني درسا في الأخلاق لأنني أسرعت في القيادة".
" ليست هناك أخطاء تحاسبين عليها , ما يهمني هو شيء واحد , ماذا كنت تفعلين على هذا الطريق في ذلك اليوم؟".
" لماذا؟ أعتقد أنني أستطيع أن أتنزه أينما شئت".
" لن تقنعيني بهذا الكلام , أنت أتيت الى المؤسسة ولم أرك".
" بماذا تتهمني يا لوجان؟ بموعد سرّي مع أحد موظفيك؟".
" أنا لا أدينك بشيء , أريد أن أعرف ببساطة لماذا سرت هذه المسافة بلا معنى؟".
" لم تكن بلا معنى , لدي أسبابي".
" ما هي؟".
صمتت فأضاف:
" أرى سببين ممكنين لزيارتك , أنا..... أو تيري".
" ولكن هذا لا يخص تيري".
" آمل ذلك".
وبعد لحظة صمت أضاف:
" في أي شيء كنت تريدين أن تحدثيني؟".
" لا شيء مهم , حتى أنني لم أعد أتذكره , كنت مشغولا...... ولم أشأ أزعاجك".
" أنك حتى لم تدخلي المؤسسة وألا لأخبرتني أنجيلا".
نهضت رينا بعصبية ونظرت اليه بأزدراء وحقد." يبدو أن أنجيلا كانت أيضا مشغولة".
قالتها بصوت مبحوح وأستدارت لتخرج , أمسكها لوجان وألح:
" أشرحي , ماذا كانت تفعل؟".
أسترجعت رينا بسرعة أحداث ذلك اليوم في ذاكرتها وأجابت :
" كانت تقبلك ( قالتها ثائرة ) والآن دعني".
" أنت مخطئة".
" لا تكذب , رأيتكما".
أرغمها لوجان على الجلوس , وقال بصوت رقيق بعكس تعبيره المهدد :
" أخبريني ماذا رأيت تحديدا وبدقة ؟".
" أنت.......... مع أنجيلا , من الباب الزجاجي".
" الزجاج الخشن يشوه الرؤية على ما أعتقد وأنت موافقة على هذه النقطة".
" كنت تحتضنها بين ذراعيك".
" صحيح ( قال بصوت هادىء ) أذا كان ذلك في اليوم الذي أفكر فيه...... لكني في عمري لم أعانق أنجيلا".
تحركت رينا وكان صبرها قد نفذ ,, وتابع لوجان:
" أبقي هادئة , وأصغي الي , لا شك أن أنجيلا سكرتيرة نشيطة وفعالة , ولكن في ليوم الذي نحن بصدده أرتكبت خطأين مع أحد عملائنا , وللمرة الأولى , مما أثار غضبي ووجهت أليها توبيخا قاسيا , فأجهشت بالبكاء , وبما أنني رغم كل شيء لست بحيوان , أمسكتها لحظة كانت ستغادر مكتبي لأعتذر لها , ربتّ عليها بصداقة لأخفف عنها , وأذا بها تنتحب باكية على كتفي , وأخبرتني بأنها قطعت علاقتها مع صديقها , أتفهمين الآن لماذا أرتمت بين ذراعي؟ كانت تبحث ببساطة عن شيء من الراحة".
" عن الراحة؟".
" نعم ولا أكثر , وبعد عدة لحظات من الحوتر الودي , أسرت اليّ عما يضايقها , وهذه أبسط الأمور".
" وأيجار المنزل , هل كان أيضا لمؤاستها؟".
أرتبك لوجان وسأل:
" من أين حصلت على هذه المعلومات؟".
" سمعت الحوار الذي دار بينكما ليلة الأستقبال".
" هل تنصّت على الباب؟".
" ليس عن قصد ( قاطعته ) خرجت لأستنشق الهواء....".
أنت تقرأ
✼نصف الحقيقة✼ - 🌱دافني كلير🌱- روايات عبير القديمة
Romanceالعنوان الأصلي: dark remembrance عندما تشاء الظروف تصعقنا بما لا نتوقع ننظر حولنا فجأه فاذا الحياه غيرها والمفاجأه الكبيره التي اذهلتنا لم تترك وراؤها الآ هواه واشعه تشطر العالم نصفين عندما توفي تيري عقب احدى محاولآته الجريئه في الطيران كان عهد زوجت...