★6 شهر عسل مع الدمع.... ★

712 14 1
                                    

★الفصل السادس ★

عندما أستيقظت رينا في التاسعة صباحا كانت الشمس تملأ الغرفة , وكان الصمت يعم المكان بأكمله.
كان لوجان قد نام عدة ساعات على الأريكة في الصالون قبل أن يخرج.....
توجهت رينا الى المطبخ لتعد وجبة الأفطار , وبعد قليل ظهر لوجان على مدخل الباب وقد بدت على وجهه مظاهر الهم .
" صباح الخير ".
" صباح الخير ( أجابها وهو يدخل ) هل أستطيع مساعدتك؟".
" كل شيء جاهز".
جلست الى الطاولة , وجلس لوجان دون أن يعيرها أنتباها , وظل فترة طويلة يأكل بصمت وهدوء ,وكأن هناك ما يشغب تفكيره.
قالت:
" الطقس جميل , هل سبحت؟".
" نعم , الماء رائع".
لم ترد ونهضت لتسخن الماء.
" هل تفضل الشاي أم القهوة؟".
" سيان , رينا بخصوص الباراحة......".
قاطعته وكأنها غير مبالية :
" كم قطعة سكر تريد؟".
" تعرفين عادتي تماما".
قالها بخشونة , وقف وراءها وأمسكها من كتفيها وأجبرها أن تواجهه , تخلصت رينا منه بحركة عصبية وتراجعت الى الوراء وصرخت جزعة:
" لا تلمسني".
أشتعلت في هينيه ثورة , عض شفتيه , وبذل جهدا كبيرا ليتماسك وتابع:
" رينا , الأحباط الذي حصل البارحة , أتحمل مسؤولياه بالكامل ........ أنها غلطتي ..... لقد تصرفت...... كرجل بدائي".
" وهذا رأيي أيضا".
قالتها بعنف وهي مسرورة من رؤيته حائرا ومرتبكا.
" أقدم كل أعتذاري وأسفي".
" هل تعتقد أنك تستطيع ترتيب الأمور بهذه الطريقة؟".
قالتها بتهكم وأزدراء .
" لا , ولكنني الآن اشعر بضرورة ذلك , ولأصلاح الخطأ لا أرى ألا أمكانية.....".
" لا......".
قاطعته بسرعة وهي تدير رأسها وقال:
" أعطيني فرصة , أرجوك , يجب أن ينجح زواجنا".
" أتطالب بحقوقك الزوجية ؟ حسنا , لا أتنكر لهذه الواجبات.... وأنت لا ترحم عندما تقرر شيئا , أليس كذلك ؟ أردت أن تتزوجني مهما كلف الثمن , وهذا ما حصل , مع أنني حذرتك سلفا من أنني وافقت فقط من أجل داني , وأنت تدّعي بأنك لا تعلق أية أهمية على أسبابي , مع 1لك أرجو ألا تنساها يا لوجان , فمن أجل سعادة أبن تيري أنا مستعدة لأتحمل أي شيء".
" رينا لا تلعبس دور الضحية , كوني واضحة وصريحة , أنت لم تضحي من أجل دان , الرغبات نفسها تسكننا نحن الأثنين , لولا كلامي التعيس ليلة البارحة لأستسلمت لي كلية".

" لا تخادع يا لوجان , من المؤكد أنك تتمتع بشيء من الجاذبية , وكثرة التجارب , ولكن من الممكن لأي رجل آخر أن يوقظ فيّ ردود الفعل نفسها , ليس من الصعب أن تغوي أمرأة حيث يظل الحس ظامئا ...... أنني أتألم كثيرا من وحدتي الروحية , وأعترف بذلك من دون خجل , أردت أن تملأ هذا الفراغ المرعب وهذا يكفيك على ما يبدو , ولكنني حذرتك من أنك لن تخلف تيري في قلبي ولن أحبك بالطريقة نفسها , ولكن داني بحاجة الى أب ومن أجله رضيت أن أخضع لمتطلباتك , هذا هو السبب الوحيد لتصرفي".
أحس لوجان بمرارة لم يعرفها من قبل وأجاب ببرود شديد:
" لا أفكر أن أحل محل تيري , أحتفظي بذكرياتك الجميلة , هبي قلبك لهذه الذكريات أذا كان هذا الشيء يرضيك ولكنني سأكون ذلك الذي ... يتقاسم معك الحياة".
صدمت رينا وتمتمت :
" أنت بالفعل رجل بدائي".
" شكرا , هل تريدين برهانا آخر؟".
قالها بدون رحمة , شحبت رينا وتقلصت ثم أجابت:
" أكرر لك , لن أمنع نفسي عنك".
" ومن خلف جفنيك المغمضين تتابعين التفكير بتيري , وهل ستتابعين تمثيل لعبة البرود وقتا طويلا يا رينا؟".
شدّها بقوة , وأجبرها أن تنظر اليه , ولكن أمام لامبالاتها وعيونها الغارقة في المبهم قال:
" في الوقت الراهن أفضل ألا أجاريك في هذا الفصل , ولكنك لن تستطيعي الى الأبد أن توزعي فكرك بين رجلين".
تركها فجأة ثم خرج وهو في ذروة أنفعاله وسقطت رينا على الكرسي ورأسها بين يديها , لقد أمضيا شهر عسل غريبا , نام لوجان في الصالون في الليلتين التاليتين , وبعد أن يتناول أفطاره يخرج كل يوم ليمضي يومه في التجذيف , طلب مرة من رينا أن ترافقه ولكنها رفضت , نادرا ما يتكلمان ألا لتبادل الكلمات الضرورية بأدب تام كغريبين تماما , قامت رينا بنزهة طويلة على شط البحيرة وحيدة وأخذت حمام شمس على الرمل.
صباح الأثنين أخذا طريق العودة وتوجه لوجان مباشرة الى منزل رينا ليحضر متاعها , دخلت لمنزل الفارغ وفي قلبها غصة , جو غريب من الهجران يخيم على المكان ويعكس أنطباع الحزن والأسف , في غرفة النوم جمع لوجان الحقائب وعاد ليضعها في السيارة , وبحزن كبير توقفت رينا في الغرفة غير قادرة أن ترفع عينيها من على السرير الذي تقاسمته مع تيري... وللمرة الأخيرة تأملت المكان لتثبت الصورة في ذاكرتها , وعندما عاد لوجان وجدها على وشك البكاء , وقف على العتبة وقد أكتسى وجهه بقناع لا يفسر , وبدون أية كلمة تركها لوداعها الصامت
وبعد عشر دقائق ألتحقت به رينا وتوجها الى السيدة كريمنز لأخذ داني.
وفي الطريق الى هاملتون كسر داني التوتر الحاصل وهو يروي لهما عن العطلة التي قضاها مع الجارة.
كان لوجان يسكن منزلا فخما على شط النهر الذي يجتاز المدينة , تحيط به الحدائق والمراعي الشاسعة.
منذ دخولهم الصالة أسرع داني ليقيم في غرفته الجديدة , وبدأ لوجان بنقل الحقائب وتبعته رينا , وعندما ترددت بالدخول شرح لها زوجها:
" داني يتوقع أن يرانا نتقاسم غرفة واحدة للنوم على ما أعتقد؟".
" لا أعرف .... أكيد , نعم".
" وتريدين أن تعطيه عنا صورة الزوجين السعيدين , أليس كذلك؟".
" نعم يا لوجان , ربما نستطيع أن نبدو أكثر......".
" أكثر أتحادا ؟ هذا يتوقف عليك يا رينا".
قالت بغضب:
" الزواج لا يقوم على العلاقات الحسية فقط".
" أعرف , لكن لا يمكننا أن نتظاهر لا بالصداقة ولا بالحنان ".
في هذه اللحظة قاطعهما صوت داني من الممر مناديا أمه لتساعده في ترتيب أشيائه.
نام الطفل متأخرا من شدة الأنفعال بالأشياء الجديدة , وجلست رينا في الصالون مع لوجان وهي تشعر بالغربة في هذا المنزل , يلزمها الكثير من الوقت لتعتاد على هذا الجو المختلف تماما عن جوها.
" أنني متعبة , سأذهب لأنام".
" وجودنا منفردين يخيفك؟".
أمسكها من يدها وساعدها على النهوض , وعندما أحس بتسارع نبضها قال ساخرا:
" قلبك يخفق بشدة , أخوفا أم أنفعالا؟".
" لا هذا ولا ذاك ( قالت بأحتقار) دعني يا لوجان".
حاولت أن تتخلص من قبضته , ولكنه ظل مشددا عليها بغضب.
" تذكري يا رينا أنك وعدتني بألا تقاومي , أذا رغبت..... أن أقوم بواجباتي الزوجية".
أغلقت كفها لتخفي الرعشة اللارادية.
" لا أفكر بمقاومتك".
همست بعينين هائمتين , حضنها وشدّها اليه أكثر علّه يوقظ لديها تجاوبا , ولكنها بقيت جامدة.
بذلت رينا جهدا لتظل سلبية , وتحافظ على توازنها , وعندما شعرت بحرارة عواطفها أطلقت صرخة أحتجاج عفوية.
" ماذا حصل؟ ( سألها وهو يضع يديه على خصرها , وقال ساخرا) هل أنت مضطربة؟".
لم تعد تستطيع أن تحتمل نظرة عينيه الحادة التي تفتقد الرحمة فعضت شفتها.
وفجأة تركها بعنف حتى كادت تفقد توازنها.
" تصبحين على خير".
غادرت الصالون مترنحة صامتة تتساءل , هل صدّق هذا البرود في تصرفاتها أم أنه يلعب معها لعبة القط والفأر؟
ظلت في السرير الواسع مفتوحة العينين في الظلام غارقة في أفكارها , وعندما دخل لوجان تظاهرت بالنوم وهي تسمعه يأخذ مكانه بصمت , ووجدت رينا صعوبة كبيرة في أن تظل فترة طويلة محافظة على أيقاع أنفاسها المنتظم.
" لقد فهمت الآن تماما يا رينا , لا لزوم لمتابعة هذا التمثيل الأحمق , سأنام في الغرفة الأخرى".
وبعد رحيله بقيت فترة طويلة من الليل تتقلب دون أن تجد الراحة.
تأقلم داني بشكل رائع مع بيته الجديد , لقد صنع له لوجان الأرجوحة التي وعده بها , وعمّر داني كوخا على غصن السنديانة المنحدر على شاطىء النهر , كانا يقضيان معا معظم الوقت , ورينا تشعر بالغيرة بعد أن تشكل لديها أنطباع , وكأن لوجان سرق أبنها , كانت تراقبهما من خلف الستارة وهما في الحديقة , الوالد اجديد يعلم داني دق المسامير ونشر الخشب وغيرها , والطفل يعشق لوجان وينظر اليه كبطل حقيقي من أبطال الأساطير.
وكلما أحست رينا بقربهما زاد أنقباض قلبها وفاضت دموع عينيها.
ظاهريا , يبدو الزواج طبيعيا تماما , لوجان زوج مثالي يساعدها في الأعمال المنزلية بالأضافة الى كونه أبا ممتازا , ولكن الحقيقة أن الصراع الأصم المشترك يهدد دوما بالأنفجار , رينا تصر على تماسكها ولوجان متربص يتحين الفرصة ليعجل بأندلاع الأزمة.
رينا تمضي سهراتها في القراءة أو مشاهدة التلفزيون ولوجان متربص لها يراقب تصرفاتها التي لا تخفى عليه , أو ينزوي في مكتبه للعمل.
تنام كل ليلة لوحدها , وهو في الغرفة الأخرى , يدخل أحيانا الى غرفتها لتبديل ثيابه ولا يفوّت أبتسامة ساخرة أذا ما فاجأته بدخولها.
كانت واعية تماما لهذا الموقف العبثي الذي لا يمكن أن يستمر الى الأبد , ولكن كيف سينتهي ؟ هذا ما لا تجرؤ أن تفكر به....
كانت ترافق داني مرتين في الأسبوع الى أحد نوادي الألعاب , وفي يوم دعاه أحد رفاقه الجدد الى منزله , أوصلته رينا بعد أن وافقت على ذهابه على أن تعود لأخذه في الخامسة مساء .
وبدلا من أن تعود الى ذلك المنزل الواسع الفارغ وتجد نفسها وحيدة مع أفكارها قررت أن تقوم بنزهة الى شاطىء البحيرة , وبينما كانت تتسللى بألقاء قطع الخبز الى البجعات والأسماك رأت زوجين شابين مع طفلهما الذي يركض وراء البط بتشجيع من والديه السعيدين , وهما وراءه يتعانقان بحنان.وفجأة هرعت الشابة لتلتقط أبنها من جانب الشط وهرع الشاب لرفعه بين يديه , هذا المشهد الثلاثي أثار في مخيلتها صورة من ذكرياتها , لكنها تبقى منزوية بعيدة ووحيدة لدى أجتماع داني ولوجان.
وبأندفاع مفاجىء نهضت الى السيارة بعد أن شعرت بحاجة كبيرة لتتناقش مع لوجان.
ولديها ما يكفيها من الوقت لتذهب الى المطار وتعود قبل الخامسة.
أن الحياة لا تحتمل على هذا المنوال , ويجب أن يعتمد زواجهما على علاقة وجدانية على الأقل لصالح داني , ومن الطبيعي أن تقوم هي بالخطوة الأولى ولوجان سيكون متفهما أذا ما أبدت حسن نواياها.
قطعت المسافة بسرعة ولدى وصولها تفحصت شكاها بقلق , عيناها اللامعتان وشحوب وجهها تعكس توجّسها ,وبيد مرتعشة وضعت لمسة من أحمر الشفاه ورتبت شعرها قبل أن تنزل .
لم تجد السكرتيرة في غرفتها ولكنها سمعت أصواتا من مكتب لوجان , وبينما كانت تتردد في الدخول شاهدت طيفا يمر خلف الزجاج السميك , وعرفت شعر أنجيلا الأشقر , تجمدت يد رينا على مقبض الباب وهي تلتقط أصواتا خافتة وفي هذه اللحظة , أقترب طيف لوجان من أنجيلا وخنقت رينا صرختها وهي ترى الظلين يمتزجان , لوجان يحتضن سكرتيرته بين ذراعيه.

✼نصف الحقيقة✼ - 🌱دافني كلير🌱- روايات عبير القديمة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن