نوفيلا "الفراشة البيضاء"
الفصل السادس
_ وقفت الست "لوزة" بصحن منزلها تلتفت يمينًا ويسارًا بإنتظاره كما أخبرها..
انفرجت أسريرها عندما رأته مُقبلًا عليها..
: تعال يا أسدي، عايزني في أيه بقى .. إنت مش عارف إن الدار هنا للحريم ومينفعش تبقى داخل طالع كدا..
ابتسم بهدوء لتظهر أسنانه البيضاء المتراصة بجانب بعضها البعض، زادت تلك الإبتسامة من إشراق وجهه الداكن بعض الشيء والذي يضج بالسعادة..
قال بسعادة: هي هنا... جات صح
شعرت بلهفتة الواضحة وأقسمت بداخلها أنها ستفعل أي شيء من أجل إسعادة..
لوزة: أيوا يا حسان، ليلى جات بس هي مع أختك جوا بترسم حِنة..
قال حسان بلهفة: نفسي أشوفها قووي يا أمي..
مصمصت شفتيها وتشدقت قائلة: ما تنشف يا واد شوية، وبعدين عايزين نفاتح الحاج إبراهيم في الموضوع ده ... نطلب إيديها بقى ونرتاح من لهفتك دي ..
غامت أعيونه بعشق: بحبها قوي يا أمي، ومستني اليوم إللي هتكون فيه مراتي وملكي..
قالت لوزة بتصميم: هتكون يا قلب أمك، الصبر بس ..
_________________________// _____
ولجت إلى غرفتها لجلب الهدية، لكن عقب دخولها شعرت بشيء غريب في الوسط... إلتفتت حولها بريبة لكن سُرعان ما تجاهلت هذا الشعور وحملت الصندوق وانصرفت إلى حيث الإحتفال...
= فور خروجها من الغرفة خرج من النافذة وهو يتنفس براحة ويفكر بطريقة أخرى حتى يبقى مدة أطول بهذا المنزل فقد تعافى بشكل كبير وأصبح الرحيل واجبًا ......
سيضطر إلى اللجوء لهذه الطريقة ليس أمامه سوى هذا الطريق ليكسب وقت ..
ويعلم أن هذا الطريق سيجعله يخسر ليلى إلى الأبد ولن يكون هناك سبيل للرجوع ..
سينتهي الطريق إليها دون الولوج إليه...
يا إللهي ...! يبدو أن الحِرمان سيظل رفيقة للأمد البعيد وكُتب عليه فراق من يُحبهم دائمًا...
لكن فراشته البيضاء التي أضائت ظُلمة أيامة وحملت السرور إلى قلبة لمرته الأولى..، ولم يدرك أن يهنىء بعد....!
____________________________
بالإحتفال الخاص بالزفاف بعد أن استعادت ثباتها وبهجتها الزائفة، وقفت بجانب صديقتها فرح بإبتسامة واسعة بعد وصلة مرحهم وبعدما نقشوا الحناء على أيديهم برسمات رقيقة..
وأتى موعد توديع العروس وذهابها إلى منزل الزوجية ليتم توديعها بالقبلات الحارة والأحضان الدافئة ولا ننسى دموع الفرح والفراق..
بطريق عودتهم إلى منزلهم كان كلًا منهم بعالمه الخاصة ... ليلى تحاول أن تبدوا على ما يُرام وتُقنع حالها أن ندوب الماضي ظعنت عنها..
بينما والدها فكان بعالم آخر بين طيات الأمر الذي يُقلقه دائمًا نور عينه "ليلى" ..
يخاف عليها من بعدة، عليه أن يُسلمها لرجل يأمن عليها معه، ويتق الله بها قبل رحيله عن هذا العالم، يخاف أن يتركها وحيدة وهي ليست لديها سواه ...
لكنه يُذكر نفسه دائمًا بأن الله موجود معها دائمًا..
يدعوا الله بداخله أن يرزقها الزوج الصالح الذي يُسلمه أمانته بكل طُمائنينه وراحة ...
دفع البوابة الحديدية الصغيرة الخاصة بحديقة منزلهم تفاجىء بوجود عامر بحديقة المنزل..
أما ليلى فشعرت بأن قلبها يكاد أن يقفز من بين ضلوعها وأدركت معنى هذا الشعور الذي بداخلها..
أقرت وأعترفت أنها وقعت بين براثين الفخ الذي تهرب منه لسنوات وتحاوط نفسها بسياج عريق حتى لا يتسرب إليها ....
لكن بالنهاية إستطاع هذا الغامض المجهول التسرب إليها رويدًا رويدًا دون أن تشعر ...
لكن أنا أستطيع التحكم بزمام الأمور ولن أترك نفسي لمشاعر الحب الزائفة لتسحقني بين طياتها اللعينة كما فعلت مع من سلفوا، الذين علقوا أقدارهم بها، فما كانت إلا أن طوتهم الردى..
أشاحت بأعيونها عن مرمى أنظاره الثاقبة ...
قطع الصمت العم إبراهيم وهو يقول: مساء الخير يا عامر... معلش بقى إتأخرت عليك بس إنت عارف شغل الأفراح بقى ...
عامر بهدوء: ولا يهمك يا عمي ... أنا كنت مستني علشان عايز حضرتك في موضوع مهم لو معندكش مانع..
العم إبراهيم: يا سلام ... قول مواضيع مش موضوع واحد ..
ليلى: طيب يا بابا تصبح على خير... أنا هدخل أنام بقى علشان عندي شغل بدري ..
العم إبراهيم: وانتي من أهل الخير يا بنتي..
ثم نظر لِ عامر: تعالى نقعد يا عامر نتكلم ..
تركتهم ودخلت المنزل وداخلها فضول لمعرفة ما الذي يريده من والدها... لكنها أقنعت ذاتها أن الأمر برمته لا يُعنيها ..
دخلت غرفتها وأبدلت ملابسها بمنامة قطنية بيضاء اللون ثم إستلقت على فراشها الناعم.... وظلت شاردة تفكر به وهي تتحسس الحلوى التي أعطاها لها...
حقًا هذا الشعور لا وصف له .. شعور جميل دافيء يُحلق بها إلى السماء حيث السُحب البيضاء إلا أن الماضي يجعلها تصتدم بالواقع بعنف لتتهاوى وتسقط إلى بقاع الأرض القاسية ...
حدثت نفسها بصوت مسموع: مش مسموح تقعي يا ليلى ... لازم المشاعر دي تندفن جوا قلبك ومتظهرش ...إحتفظي بيها لنفسك وبس .. الحب خطر جدًا يا ليلى ووجعه متقدريش عليه... الرجاله كلهم صنف واحد وعنوانهم الخداع والكدب واننيين ومش بيحبوا غير نفسهم وبس ..
هبطت عبرة من مقلتها لتمسحها سريعًا وأكملت حديثها بحزن: بس أنا حاسة بوجع جوا قلبي أووي وأول مرة أحس كدا ... بس أكيد وجع الخداع مؤلم أكتر فخليني بعيده أحسن..
بس شعور الحب حلو قوي ... لا لا مش من حقك يا ليلى وأكيد هو هيمشي وإنتي هتنسي... ومش هيظهر تاني في حياتك..
أيوا أيوا مسيره يمشي من هنا وأنا مسيري أنسى..
كل مرة هفضل أفكرك بالكلام ده واكرر وأعيد علشان متنسيش ...
وظلت على هذا الحال تعظ نفسها وتُحدثها حتى ذهبت بثُبات عميق قابضة بشدة على حبات الحلوى ولسانها يُردد "يارب قلبي ما يتوجع"
لا تتعجب فهذا حال من يخافون الألم .. يُصبح هاجسهم الأكبر ..
_______________________
بينما بالخارج..
نطق إبراهيم بصدمة: أنت بتقول أيه..!؟
توتر عامر في بادىء الأمر لكنه تماسك كي يُقنعه: أنا عارف ومقدر صدمتك يا عمي ... بس أنا حبيت اكون صريح معاك... أنا طالب إيد الآنسة ليلى على سنة الله ورسوله....
أنا مش عايزك تفكر إن أنا دخلت بيتك وحطيت عيني على بنتك ... لا والله الموضوع مش كدا خالص
أنا بس عجبني أدبها واحترامها وارتحتلها وحبيتك زي والدي وطالب القرب من حضرتك، وكمان يا عمي إنت معاك إسمي تقدر تسأل عليا كويس قبل ما تقول كلمتك ...
العم إبراهيم: أيوا يا ابني بس بصراحة إنت فاجئتني
عامر: أنا حبيت أكون صريح معاك واعتقد مفيش احسن من الصراحة ... وأنا تحت أمر حضرتك ...
فكر إبراهيم مليًا، هو لا يُنكر أنه أحب عامر وانه معجب بشخصيته وأخلاقة الحميدة .. هو لم يرى منه سوى كل خير أثناء فترة مكوثة معه .... لماذا لا ..؟
قال إبراهيم: أنا مقدرش أقولك إلا إني هسأل عليك وهاخد رأي صاحبة الشأن وفي الأول والأخر الرأي رئيها..
تنهد براحة وشعر أن غايتة قاب قوسين ..
عامر: خلاص يا عمي أنا هنتظر رأي حضرتك ... واتفضل دا عنواني في القاهره واسمي مع حضرتك
وأنا همشي بكرا إن شاء الله وهنتظر رأيك ورأي الآنسة ليلى ... وأجي اتقدم رسمي ..
العم إبراهيم: تمشي تروح فين يا ابني ... دا ميصحش إنت ضيفنا .. البيت بيتك خليك هنا لغاية ما تخلص شغلك أو لغاية ما تشوف سكن ... وإللي فيه الخير يقدمه ربنا ..
أعترض عامر: بس ميصحش أن..
قاطعة العم إبراهيم: مفيش بس... ويلا كفاية كدا .. يلا بينا ننام ..
عامر: ربنا يباركلك يا عمي ... تصبح على خير
عم إبراهيم: وإنت من أهل الخير..
ورحل إبراهيم إلى داخل المنزل..
لترتسم إبتسامة نصر على محياه..
: خلاص كدا كسبت وقت ويقدر يثق فيا أكتر ودا يساعدني ألاقي الورق ... ميعاد المهمة قرب لازم أنجز..
شعر بإهتزاز هاتفة بجيبه ... أجاب على الفور عند رؤية اسم المتصل ..
: أيه يا عامر وصلت للورق ولا لسه..
قال بنبرة باردة: لا لسه قدامي شوية ..
قال الأخر بغضب: لسه ليه ... المدة دي كلها ومش عارف توصل لشوية ورق ..
عامر بغضب مماثل: هو أنا بلعب يعني ولا أيه.. ما أنا بزفت بدور عليه..
الطرف الأخر: ما أنا قولتلك سيبني أوصله بطريقتي..
لكن إنت صممت على الخطة دي علشان حبيبت القلب ولا فاكرني نايم على وداني ومش داري بإللي بيحصل وإن اللفة دي كلها علشان خاطرها ...
كور يده بغضب وقال من بين أسنانه: سيرتها متجيش على لسانك القذر.. وتعرف لو مسيت شعره منها هيكون بدمارك ... الورق هيوصلك بالوقت إللي إتفقنا عليه
الطرف الآخر: مالك محموق كدا ليه .. دا شكل الموضوع جد بقى وعامر أفندي وقع ومحدش سمى عليه... عمومًا أنا مليش فيه أنا عايز الورق يوصلني علشان ميعاد عملية السطو على المتحف قربت ... وبعدين دي طريقة تكلم بيها عمك ..
قلب عينيه بضيق: الورق هيوصلك وملكش دعوة بالطريقة وبعد كدا نبقى خالصين ومسمعش صوتك القذر ده تاني
: دا إللي أنا عايزة.. وابقى كلم أبوك وأمك علشان صرعوني... سلام
أغلق عامر الهاتف وهو يتنفس بغضب ويكاد أن يقتلع خصلاته من الغيظ ويتوعد بداخله لهذا القذر ..
: صدقني نهايتك هتبقى على إيدي يا جمال الكلب وساعتها مش هرحمك ..
تنفس بهدوء حتى انتظمت أنفاسه ورفع هاتفه ليُحادثها فقد إشتاق لسماع صوتها ودعواتها..
يعلم أنها غاضبة منه ولا يُرضيها أفعاله لكن حين تعلم الحقيقة ستلتمس له الأعذار ...
أغمض عينه بشوق حينما سمع صوتها الحنون ..
يا الله ..، كم اشتقت لك أمي..!
_ خفق قلبها عندما سمعت أنفاسه التي تعلم وتيرتها عن ظهر قلب .. إنه هو فلذة كبدها "عامر"
قالت بشوق: عامر حبيبي صح... إتكلم يا نور عيني سمعني صوتك
_ طالعها زوجها الذي يجلس بجانبها بصدمة ممزوجة بفرح قائلًا بسعادة: دا عامر بجد يا ام عامر... طب إفتحي مكبر الصوت بسرعة ...
_ تساقطت دموعها بلوعه قائلة: سمعنا صوتك يا ابني... إنت بتعمل فينا ليه كدا يا عامر ..
_ نطق بصوت مهزوز يغلبه الشوق: إنتي عاملة أيه يا أمي إنتي وبابا ..
_ الأم وتُدعى "صفاء": إحنا مش كويسين خالص يا عامر... إنت فين يا ابني وبتعمل أيه تاني ... الطريق إللي إنت ماشي فيه اخره مسدود يا عامر .. أسمع كلام أمك وكفاية كدا ..
_ تدخل الأب "عبد الله" بالحديث قائلًا بحدة بعض الشيء: أبعد عن طريق عمك يا عامر ... دا أخر تحذير لك بدل ما أتبرى منك العمر كله وأحرمك...
أنا مش هقعد في بيتي مجرم ..
_ شهقت صفاء بفزع: أيه الكلام ده يا أبو عامر متقولش كدا الله يخليك ...
_ صرخ بصوت مرتفع غاضب: ليه يا صفاء، كفاية كدا .. عاجبك حال إبنك ده ... أنا جبت أخري منه..
= كل هذا الحديث يستمع إليه بحزن ... يلتمس لهم العذر فلو كان غيرهم لتبرأوا منه بسبب أفعاله ..
_ قال بحزن: المرة دي مختلفة يا أمي صدقيني .. أنا مش بعمل حاجة غلط والله... وبعد ما أخلص إللي بعمله هستقر ومش هتسمعوا حاجة تدايقكم تاني ... بس إدعيلي يا أمي محتاج دعواتك الفترة دي ..
_ نبرة صوته الحزين إخترقت قلب الأم الملهوف لتقول بتلهف: مالك يا عامر...فيك ايه يا حبيبي... أنا حاسة إنك موجوع .. قلبي ميكدبش عليا ..
_ تنهد بحزن: قلبي بيوجعني قووي يا أمي ... ومحتار مش عارف أعمل أيه..
_ إنقبض قلبها وقالت: كفاية كدا يا عامر ليه تتعب قلبك وتتعبني معاك... أيه إللي حصلك وخلاك كدا ..
_ عامر: خلاص يا أمي دي اخر حاجة وهرجع عامر إللي تعرفيه ... بس إدعيلي كتير ..
_ وبعقل أم فطن، علمت على الفور ما به دون أن يتحدث لتقول: هي مين دي بقى إللي ملوعه قلب ابني..
_ ابتسم بإتساع... تشعر به دون أن يتحدث وتعلم ما به من حديثة فقط: هتعرفيها وهحكيلك على كل حاجة... بس باين عليا مش مكتوب أفرح يا أمي... أنا مضطر أقفل خدي بالك من نفسك ومن بابا وأنا مش هغيب وهرجعلكم تاني...
_ صفاء: هتكلمني تاني يا عامر... ابقى طمني عليك يا ابني متسبنيش كدا أنا وأبوك ومتحرقش قلبنا أكتر من كدا ...
_ عامر: ماشي يا أمي... تصبحي على خير .. مع السلامة ...
= أغلق معها وذهب إلى غرفته ليُلقى بنفسه على الفراش بتعب وإرهاق وهو يتمنى أن يُلقي بأحماله وأتعابه إلى الهاوية...
قرر أن يضع حد لهذا الأمر فيكفي ما يحدث مع والده ووالدته بسببه... سيفعل ما بعقله وسيتخلص من هذا الكابوس للأبد...
ذهب عقله حيث فراشته البيضاء وظل يتذكر الدقائق التي جمعتهم سويًا والتي كانت كفيلة بجعله ينغمس بحبها أكثر من ذلك... وعلى يقين أنها تبادلة الحب بصمت... يعلم هذا بمجرد النظر لعينيها...
==================
انغمست في بكاء حارق وهي تشعر أن قلبها يتمزق حزنًا على ولدها... لا تعلم ماذا تفعل ليعود إلى رُشدة ..
بل من الأساس لا تعلم شيء عن حياته سوى أنه ولج إلى طريق مُظلم وبنهايتة الهلاك ينتظره...
: كفاية يا صفاء ... كفاية دموع يا حبيبتي ..
_ إزداد بكائها لتقول بتهدج بين شهقاتها: قلبي محروق يا عبد الله ... أنا قاعدة هنا وحياة أبني على كف عفريت .... مش عارفة هو فين ولا بيعمل أيه.. ولا اعرف حاجة عن حياته ...
_ عبد الله بحزن: إبنك هو إللي عمل في نفسه وفينا كدا يا صفاء ..
_ صفاء: منه لله جمال أخوك هو إللي زرع في طريق إبني الشوك ... حسبي الله ونعم الوكيل..
_ واصلت حديثها وطالعته بفرح باكي: بس تعرف شكله وقع في الحب وكمان شكله بيحبها قووي ... بس موجوع أنا حسيت بيه .. كان حزين ووحيد ومش عارف يعمل ايه يا عبد الله ...
إبننا بيضيع دا لو مكانش ضاع ...
_ مسح دموعها برفق وحنان وجذبها داخل أحضانه وربت على ظهرها بحنان: إبننا هيرجعلنا يا صفاء وهنجوزة إللي بيحبها كمان ...
_ أمنت خلفة بلوعة: يارب ... يارب ..
يُتبع...
توقعاتكم..بقلمي/ سارة نيل
"ملكة السرورر"
أنت تقرأ
نوفيلا "الفراشة البيضاء " والجزء الثاني "عَبق الفراشة"
Mystère / Thrillerإجتماعي، رومانسي، غموض