الفصل الخامس

1.1K 81 2
                                    

نوفيلا "الفراشة البيضاء"

الفصل الخامس

كانت البلدة بأكملها تعج بالسعادة والفرح، الجميع متناثرون في الشوارع على غير العادة والأطفال يلعبون ويمرحون، فتلك الليلة ليست كأي ليلة، حيث يتواجد زفاف والإحتفالات تظل قائمة منذ طلب يد العروس إلى يوم الزفاف وتلك عادتهم وتقاليدهم...
واليوم هو يوم الزفاف وأخذ العروس إلى منزل الزوجية..
ولج كلًا من ليلى ووالدها، ومازن وبيده رحمة وخلفهم والدها ووالدتها.... سُرعان ما تفرقوا ..
لتذهب النساء إلى منطقة الإحتفال الخاصة بهم 
وكذلك الرجال..
الجميع فرحون، والنساء تدق الطبول، والفتيات تتراقص بملابسهم التقليدية الملونة ..
_ يلا ندخل لِ فرح نساعدها..
قالت رحمة بحماس..
ليلى: يلا تعالي نسأل خالتك لوزة على مكانها..
رحمة: هي جايه علينا اهي..
أقبلت عليهم امرأة ذات بشرة داكنة بِزيها الأخضر المُزركش والممتلئ بالأشغال اليدوية ..
قالت بعتاب: إزيكم يا بنات، إتأخرتوا كدا ليه ... جايين زي المعازيم وانتوا أصحاب الفرح يا ليلى إنتي ورحمة..
أجابتها ليلى بإبتسامة صادقة: معلش يا خالتي، إعذريني معرفتش أكون معاكم في التحضيرات..   
قالت "لوزة" وتكون والدة فرح العروس: خلاص يا حبايبي ولا يهمكم... إنتوا الأتنين مرسمتوش الحَنه وأنا عاملة حسابكم... يلا ادخلوا عند فرح في أوضتها وأنا هبعتلكم "كوثر" ترسملكم الحِنه... مينفعش في فرح يعدي وبنات البلد ميرسموش الحِنة...
قالت رحمة بمرحها المُعتاد: كنت هزعل أووي لو معملتوش حسابنا..  تسلمي يا خالتي لوزة ...يلا يا ليلو بينا..
توقفت ليلى فجأة وضربت رأسها بكف يدها بتذكر: إزاي نسيت دي..
إلتفتت إليها رحمة: في أيه يا بنتي... ايه إللي حصل..
قالت بضيق: نسيت هدية فرح في البيت ... مش عارفه إزاي راحت عن بالي..
رحمة بمكر: سلامة عقلك ... مين واكل عقلك وشاغلة يا ليلو.... ألا يكون سي عا...
قاطعتها ليلى صارخة: رحمة إنتي إنجننتي... بتلمحي لأيه..
_ عقدت رحمة زراعيها أمام صدرها ودارت حولها، قائلة: أيه يا ليلو أتصدمتي ليه كدا... علشان واجهتك بالحقيقة... أنا صاحبتك وأول واحدة فهماكي كويس ... وعارفة مخاوفك.... بس صدقيني مخاوفك دي ملهاش وجود ... أنا واخدة بالي إنك معجبة بيه أو هو على الأقل لافت نظرك ...
_ ارتبكت من حديثها، وخفق قلبها خوفًا، وأجابت بنبرة مرتعشة: مفيش الكلام ده يا رحمة، إنتي بيتهيألك بس، أنا عمري ما هقع في فخ الحب ابدًا ...
_ عندما لاحظت رحمة توترها وخوفها غيرت مجرى الحديث لأخر مرح، وهي حزينة على ما آل إليه حال صديقتها..
: بس قوليلي يا ثعلوبة أنا شوفته قالك حاجة في ودنك وحط في إيدك حاجة وهو معدي من جمبك..
_ وكأن حديث صديقتها كان بمثابة الإشارة الحمراء لتنبيهها وتذكريها بالماضي الأليم التي تكبُته بداخلها خلف باقات الإبتسامات التي توزعها هُنا وهُناك وقد نجحت بالفعل بجعل الجميع يصدق أنها إجتازت تلك العقبة وهي مازالت مُقيدة بأغلالها، حبيستها إلى الآن..
أجلت صوتها قائلتًا: أنا هروح أجيب الهدية وأجي مش هغيب ميصحش أدخلها وإيدي فاضية...
قلقت رحمة عليها وشعرت بالندم لتطرقها لمثل هذا الحديث، هي الوحيدة التي تعلم أن صديقتها مازالت حبيسة الماضي ..
: طب أجي معاكي ..
ليلى: لا خليكي إرسمي الحِنة على ما اجي، وعلشان أرسم أنا كمان...
وخرجت سريعًا من موقع الإحتفالات ذاهبة لمنزلهم لجلب الهدية الخاصة بالزفاف..
.................................................
عقب خروجهم شرع في البحث على الأوراق بكافة أنحاء المنزل بِدئًا بغرفة العم "إبراهيم"
لكن بدون فائدة .... فلم يعثر على شيء وتبقى فقط غرفة فراشته البيضاء..
نظر لباب الغرفة وشعور الندم يستولى عليه فهو يعلم أن ما يفعله خطأ وأنها خديعة لكنه مضطر لفعل هذا...
حسم أمره وولج إلى الغرفة بأقدام مسرعة ... إلا أنه لم يشعر بالوقت وهو يتأمل غرفتها التي أدهشته من جمالها وبساطتها وقد نسى ما أتى لأجله..
كان يعتقد أن يجد الغرفة باللون الأبيض فهو يعلم مدى عشقها لهذا اللون ... إلا أنه وجدها بلون الفستق ...
جميع الأثاث بنفس اللون... فراشها، خِزانتها، مكتبها، ومرئتها ...
غرفة دافئة، مليئة بعبَقها الآخذ...
أخذ يتأمل أشيائها... ليعرف عنها أكثر ... ما تحب وما تكره..
لكن مهلًا عزيزي فمهما علمت، هُناك أيضًا أشياء ناقصة تُخبئها الفراشة خلف أجنحتها الصغيرة..
جلس على فراشها وهو يستشعر نعومته، أخذ وسادتها المليئة برائحة "اللافندر" رائحتها الخاصة ووضع رأسه عليها..
_ آسف يا ليلى، لازم أعمل كدا سامحيني يا حبيبتي مضطر والله ... دا كله علشانك صدقيني ...
لأول مرة أكون متردد يا ليلى ومحتار ومش عارف أعمل أيه.. لأول مرة أكره نفسي كدا ..
وبعد ما يُقارب العشرة دقائق يلوم نفسة ويجلدها أفاق واستعاد رُشدة وأخذ يتفحص الغرفة وخبايها ويبحث عن ضالته ...
_ الورق فين ... يا ترى هو مخبيه فين..؟ إللي متأكد منه أنه في البيت مخرجش منه... المُهلة قربت تنتهى وأنا مش هعرف أقعد هنا أكتر من كدا ..
--------------------------------------------
ظلت تسير وهي تائهة، بحالة يُرثى لها، عقلها مُشتت والأفكار السوداوية تعج بداخلة...
وصلت لمنزلهم .. ووقفت قليلًا بالحديقة الأمامية كي تصتدم نسمات الهواء العليل بوجهها وتستنشق الهواء المُحمل بريح النيل بعمق حتى يُهدء من روعها..
وظلت بُرهة تستجمع ذاتها وتحاول جمع شتاتها المُفرق بين الماضي والحاضر وما سيحدث في المُستقبل..
_ حدثت ذاتها بصوت مسموع هادئ..
عمري ما هكرر الغلط ولا هقع في الفخ دا أبدًا، لازم أدفن الإحساس ده وأدوس أكتر على نفسي، مستحيل أضعف أو أظهر ضعفي لحد... لازم أفضل طول الوقت أضحك علشان بابا ميشكش في حاجة ولا أبين أي حاجة قدامة ..
لازم تبقى أقوى من كدا يا ليلى، إنتي أقوى من قلبك وهتقدري تتغلبي على الشعور ده...
مينفعش تقعي في أغلاط غيرك يا ليلى..
لإما كدا لإما  القهر  هيكون رفيقك وتكون دي نهايتك ...
واستدارت تدخل للمنزل بثبات ظاهري وبين طياتها الكثير...
_ شعر بالإحباط والغضب عندما لم يعثر على تلك الأوراق... لكن سُرعان ما شعر بالصدمة عندما سمع صوت الباب يُغلق ويبدوا أن أحدهم بالخارج...
وقف بصدمة لا يعلم أين يذهب بعد أن أصبح مُحاصر.... وبداخلة يتسائل....
أهذه هي النهاية..؟!
          
يُتبع...

توقعاتكم....

بقلمي/ سارة نيل

 نوفيلا "الفراشة البيضاء " والجزء الثاني "عَبق الفراشة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن