الفصل الثامن

640 17 2
                                    

الحلم المستحيل


" و...........وقعت".
قالت تلك الكلمة وهي تشد القطع الممزقة الى صدرها وتنظر الى الأرض.
" لا بد أنك وقعت بقوة كبيرة !".

أقترب منها قليلا فتراجعت بسرعة الى الوراء , لأن الصدمة التي خلّفتها محاولة أدوني الشريرة كانت لا تزال قوية جدا في نفسها , شاهد ريك في عينيها نظرات أمرأة حزينة تعرضت لحادثة بشعة , فقال لها بنيرة جدية:
" تركتك مع أدوني".
لاحظ فجأة شفتها المتورمة , فأتسعت عيناه حنقا ودهشة وصرخ قائلا :
" رباه ! ما هذا؟".
قاطعته بعصبية بالغة , قائلة :
" أتركني يا ريك , دعني أذهب الى ......".
قال لها والشرر يتطاير من عينيه المتسعتين غضبا وذهولا :
" هل فعل ذلك بك ؟ هل حاول؟".
" أرجوك , أريد الذهاب الى غرفتي ".
حاولت السير فتصدّى لها , حبس الخوف أنفاسها , ولكنها تمكنت أن تقول له :
" تشاجرنا , هذا كل ما في الأمر , مزّق فستاني ولكنني لا .... لا أظن أنه كان يعني ذلك".
" هل صفعك أو لكمك ؟ أم أنه قبّلك عنوة ورغما عنك ؟".
" وقعت ....... وأرتطم وجهي بالأرض , أرجوك يا ريك , أريد الذهاب الى غرفتي لأستبدال ملابسي".
" يا فتاتي العزيزة , لا تدافعي عن الوحش أذا كان فعل ذلك بك !".
نظرت دونا الى وجه ريك وفهمت لأول مرة سبب أشمئزازه من أدوني , بالرغم من تأكدها أن دمهما واحد , قال لها مرة أن في نفس أدوني شيئا من الوحشية القاسية , وعرف الآن بمجرد تأمل حالتها أنها وقعت ضحية له , أقترب منها ريك خطوة أخرى , وسألها:
" ماذا حاول أن يفعل معك ؟ لا تخافي , يا صغيرتي , فأنا لن ألحق بك أي أذى ولن أمد يدي أليك ! ولكن إذا تعرضت للأذى على يد أدوني ,فأنني سألقنه درسا قاسيا لن ينساه في حياته , أخبريني , يا دونا , ماذا حدث !".
كان آخر شيء تريده الآن أن يفقد ريك أعصابه تماما , لأنه قوي جدا وقد يقتل أدوني أذا ذهب اليه بمثل هذا الغضب العارم قالت له :
" قلت له جملة سخيفة جعلته بشتعل غضبا , أرجوك , إعتبر الموضوع وكأنه لم يكن , سأطلب من سيرافينا أن تعفيني من مسؤوليتي , لأنني قررت مغادرة افيللا بأسرع وقت ممكن , أنه أفضل حل......... بالنسبة الى الجميع ".
" لا يمكنك أن تذهبي !".
أتسمت ملامح وجهه بالعنف والوحشية , وتنازعت قلبها مشاعر مضادة متناقضة ....... فمن ناحية كانت خائفة مذعورة من النتائج المحتملة , ومن الأخرى كانت مسرورة لأنه لا يريدها أن تذهب , ولكنها لم تتمكن من تجاهل التصرفات الوحشية القاسية التي ورثها أدوني عن ريك.
" لن أدعك تهربين من ذلك الوغد الحقير ! لست مضطرة .....".
" بلى , يا ريك ".
حاولت تجاوزه ولكنها كادت تهوي على الأرض لمجرد أحتكاكها به , رفعها بين ذراعيه القويتين وأخذها الى غرفتها , أغلق الباب برجله , فيما كان يضمها بقوة ويدفن وجهه في شعرها , وسمعته يتمتم قائلا:
" سأقتله لو أنه نال منك مآربه ! يجب أن أعرف الحقيقة , يا دونا , وإلا فقد أصاب بالجنون !".
كانت ترتجف بقوة ولم تكن متأكدة مما إذا كانت خائفة من ريك أم لا , أوه , لا ...... لا يمكنها أن تلوم ريك على الشر الذي ظهر بأدوني.
" لا.... لم يصل الى هذا الحد".
أحسّت فجأة بأن ذراعيها زحفتا بإرادة ذاتية وطوقتا عنقه , أقتربت منه لتشعر بقوته ....... وحمايته التي تحتاج اليها الآن بصورة بائسة , ثم مضت الى القول:
" لم تعد الأمور بأيدينا , غضب أدوني كثيرا لأنني حدّثته عن خطوبته .... أخبرتني عنها سيرافينا ولكنني لم أكن أتصور أو أحلم بأنه..... بأنه سيغضب الى هذه الدرجة , فهو لا يريد الفتاة الأيطالية....".
" لا , إنه يريدك أنت ! فأنت نوع جديد من الألعاب والدمى التي يتمنى الحصول عليها وتحطيمها بين يديه المدمرتين , ولكنني سأكسر يديه أذا وضعهما ثانية عليك !".
تحدّث بعنف شرس مع أنه كان يحملها برقة وحنان.
فأجابته بمحبة وهدوء:
" ريك , لا يمكنني أن أبقى في الفيللا , يمكنك بالتأكيد أن تفهم ذلك !".
" لن أدعك تذهبين , وأنت تدركين ذلك !".
" لست منطقيا ومتعقلا الآن يا ريك , لديك سيرافينا ....... ونعرف كلانا أن ما من طريقة على الأطلاق لتجاهل وضعها بالنسبة اليك , أنها تملكك جسما وروحا".
ظهر الغضب في صوته المتألم عندما سألها بحدة:
" هل تعتقدين ذلك حقا ؟ هل تظنين أنني مجرد نسخة أكبر عن أدوني , الذي لا هدف له من بقائك هنا سوى تلويث تحفظك وطهارتك وعفّتك ؟ نعم ...... أفهم , الى حد ما , ماذا تفعلين به ! يريد الفاسدون دائما جر الطيبين والنظيفين الى أوحالهم , إنه شعور أساسي لا يمكنهم السيطرة عليه , وهذا الأمر في أزدياد متواصل مع الناس , أليس من النادر في هذه الأيام أن يلتقي الرجل شابة تحترم نفسها بصورة فعلية وحقيقية ؟ إيجاد فتاة كهذه كإ'يجاد جوهرة ثمينة على حافة نهر , يجب ألا تنفردي مع أدوني مرة أخرى أطلاقا , هل تسمعين ما أقوله لك؟".
" أنني ذاهبة يا ريك , أرجوك , أصغ لما أقوله......".
أغرق بقية كلماتها في عناق حنون , فرقص قلبها فرحا وسرورا وألقت برأسها على ذراعه ...... ونسيت كل شيء , كانت تعرف تماما أنها لن تقدر على مقاومة ريك , أذا بلغت منه عواطفه حدا ينسيه ضميره وفروسيته , نعمت بشعور القرب منه وسمعته فجأة يتمتم قرب أذنها:
"لا تتركيني يا دونا , أنا لا أتوسل أبدا في حياتي , ولكنني أريدك أن تبقي حتى نضطر الى قول كلمة الوداع".
الوداع ! كلمة حزينة جدا تضع مسافة باردة بين أشخاص يتوقون الى القرب والدفء , أنها تكره هذه الكلمة وما توحي به , ضمّته اليها بقوة وأغرقت وجهه قرب قلبها ..... حيث كانت ترتعش هياما.
" رباه ! أيتها الحبيبة الغالية ! لا يمكنك أن تعرفي , ولا يمكنني أن أصف لك مدى الوحدة والعذاب اللذين أشعر بهما لمجرد التفوّه بهذه الكلمة ! إبقي يا فؤادي , وسأضمن لك أن أدوني لن يزعجك أبدا بعد الآن , إنه وعد ثابت يا عزيزتي , وأنا لا أحنث أبدا بالوعد".
ظل جسمها ساكنا في حين كان قلبها يرتعش بين ضلوعها .... لم يكن لديها أي شعاع من الأمل , ولكنها ستبقى ......... لأنه طلب منها ذلك , أضطرت للأستسلام لرغبات قلبها , مع أن قلبها سخر منها ووصفها بأنها سخيفة وغبية ...... سخيفة لأنها تعرف أن لياليه كلها لسيرافينا , في حين ليست لديها هي سوى لحظات وجيزة يسوقها معها أثناء النهار , شعرت بأنفاسه الحارة فوق عينيها المغمضتين وسمعته يسألها:
" لن ترفضي طلبي يا دونا , أليس كذلك؟ سوف أتأكد بنفسي من أن أدوني لن يخيفك مرة أخرى بعد الآن ".
فتحت عينيها وحدّقت بعينيه الجميلتين وبالشعلة الصغيرة التي بداخلهما , وقالت:
" ريك , أرجوك ألا تفعل شيئا معه أو تضع يدك عليه , لا مبرر لذلك , ربما ستغضب سيرافينا منك , أنت تعرف كم هي متعلقة به ! ".
" نعم , والمؤسف جدا أن هذا التعلق لم يكن لصالحه , ثم........لمذا قلت أنه لا مبرر لتأديبه بالطريقة التي يستحقها؟".
إبتسمت دونا رغما عنها وقالت :
" وجّهت ....... اليه ضربة قوية جدا بركبتي , وأتصور , من صرخة الألم التي أطلقها , أنني أصبت الهدف".
رد ريك رأسه الى الوراء وضحك بصوت مرتفع , قائلا:
" رائعة ! ستضعه هذه الضربة في مكانه الصحيح ولو لفترة !".
عادت الجدّية الى ملامحه , فأمسك بوجهها وقال لها بحنان :
" ستبقين , أليس كذلك؟".
" يفترض بي ألا أبقى يا ريك , لو كانت لدي ذرّة عقل واحد , لجمعت أغراضي اليوم وغادرت الفيللا قبل أن يحدث شيء آخر , ماذا يحدث لو ضبطنا معا على ذها الشكل ......... وأنت في غرفة نومي؟".
تنهّد بقوة ثم أنزلها الى الأرض بهدوء وحنان , تأمل غرفتها بإعجاب , نظرا للبساطة الجميلة في أثاثها , وقال :
" إنها غرفة جميلة ومريحة وهادئة , وليست عابقة برائحة العطور المزعجة".
" فقط برائحة الخيول , تظل هاتان الغرفتان على الأسطبل".
" ألا يزعجك ذلك ؟".
" أبدا , أحب رائحة الخيول وأصوات حوافرها".
" يجب أن نقوم معا بنزهة على ظهور الخيل , لدينا هنا مجموعة رائعة".
جمعت دونا القطع الممزقة وضمّتها الى صدرها , وهي تحاول الظهور بأن الأمر عادي جدا ,ولكنها شعرت بأن ريك يقاوم عواطفه بعنف بالغ....... وتمنت في لحظة مجنونة أن تكون عواطفه أقوى من ضميره.
" لأجلك أنت يا دونا , سأمتنع عن تحطيم فك أدوني.... مع أنني أحب كثيرا القيام بذلك , كلّما أسرع في الزواج من تلك الفتاة , كان ذلك أفضل له , سيتم الزوج من دون أي تأخير , مع أنني أشعر بالأسف الشديد أتجاه الفتاة !".
سار نحو الباب ثم وقف عنده ووجّه اليها ابتسامة خفيفة , قائلا:
" حتى نلتقي مرة ثانية !".
هزّت له برأسها موافقة , فحيّاها وغادر الغرفة ثم أغلق الباب وراءه , خلعت ثيابها الممزقة وأرتدت عباءة جميلة , ثم وضعت دواء على شفتها وبدأت تسرّح شعرها , أستلقت بعد قليل على سريرها منهكة , تؤلمها شفتها والرضوض التي سبّبها لها أدوني , ولكن الألم الداخلي كان أقوى وأشد ......... وأكثر صعوبة على التحمل.
وافقت على البقاء وهي تعرف أن القرار صعب للغاية , أنه بيت تظلّله أحداث الماضي , ومحاولة سيرافينا الأنتحار لمعاقبة ريك على مطالبته بالحرية لأدارة ناديه في روما , كيف سيكون رد فعلها أذن أذا ضبطته مرة يعانق سكرتيرتها ؟ لقد تمكّن حتى الآن من ممارسة ضبط النفس والسيطرة على عواطفه ومشاعره , ولكن دونا تعرف أنه في كل مرة يضمها اليه يقترب أكثر فأكثر من التخلي عن تلك السيطرة , وأبتسمت بشيء من الأرتياح لأن رجلا قويا كهذا يريدها الى هذه الدرجة.
ولكن أبتسامتها أختفت بصورة تدريجية , لأنه لم يكن لديها عوضا عن مشاعرها سوى الوحدة الموحشة القاتلة التي لا تفهم الفتاة معناها الحقيقي إلا عندما تلتقي رجلا يعني لها كل شيء في حياتها ....... رجلا مثل ريك تجد في لمساته وكلماته سحرا وجاذبية لم تجدهما أبدا في أي رجل آخر , تألمت ........ وبكت....... ونامت , وعندما أستيقظت , وجدت الطعام قربها ....... وعلمت بأرتياح وسرور أن ريك أراد لها أن تتناول طعامها بهدوء بعيدا عن الضجيج ونظرات الأستفسار , وفي وقت لاحق من ذلك اليوم , دس لها تحت باب غرفتها ورقة أرتجف جسمها بأرتياح عندما قرأتها.

🌿 - خاتم الأنتقام🌿 - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة   حيث تعيش القصص. اكتشف الآن