FLAV 5

459 19 0
                                    


/ الساعَة الرابعة ونِصف مساءً./

أخذَ مفتاحهُ الفِضيّ المُعلق على المِسمار وأغلقَ البابَ خلفهُ..

كانَ يرتدِي بنطالًا ضيقًا بلونِ الفحَم الداكِن و قميصًا حريريًا رماديّ اللونِ ، تقدمَ ماشيًا على مهلهِ في شوارعِ أثينَا الحيّة، على الرغمِ من التحذيراتِ التي نشرَتها قنوات الطقسِ عن هطُول الأمطار اليَوم ، إلا أنه أرادَ أن يأخذَ حصّتهُ من التدخينِ الآن.

لذا تحركَت قدماهُ الطويلتانِ نحوَ وجهتهِ التي تبعُد مسافَة ثلث ساعةٍ عنْ شقّتهِ ، إذ أنّ الهَواء البارِد الذي تلقاهُ صباحًا عندَ فَتحهِ للشرفةِ جعلهُ يرغَب بالخروجِ مشيًا على الأقدام.

لاحَت لأنظارِه بعدَ ثلث ساعةٍ البِنايةُ المَنشودَة، وتسلَلت لأنفِه رائِحة البحرِ القريبِ، كونَ المبنَى يقعُ بالقُرب من مِيناء السُفنِ.

انبعثَت رياحٌ قويّة لتُبعثر خصيلاتِه السودَاء، فأخذَ يستنشِقُ رائحةَ الهواء الحامِل لعبير المطرِ، يبدو أن المطر نزل في مكانٍ ما..

دلفَ من خِلالِ البوابَة التِي أصدَرت صريرًا واضِحًا وخَطت أقدَامه على الأرضيّة الملوّثةِ بالغُبار ليشقّ هدوء المكَان بوقعِ أقدامِه.

وقد كانَت ثوانٍ قلِيلة مَضت عندمَا وصلَ للغُرفة ذاتُ الثلاث جدرَان، مرّ عبرَ مساحتِها ليتشكلَ ظلهُ الرفيعَ بسبب ضوءِ الشمسِ الخافِت، وقَف أمامَ الجدارِ المُحطّم و أخذَ علبَة السجَائرِ البَيضَاء السّاكنة فوقَ الرُكام..

خلعَ عنهُ القميصَ وعلقهُ كالعادَة على ظهرِ الكُرسيّ نظرًا للحرارةِ المُنبعثةِ في الأجواءِ لانعدام النوافِذ عدا تلكَ التي يتأملُ مِن خِلالها السُحب القطنيّةَ فِي الخَارج.

نفَخ الهواءَ على العُلبةِ نافِضًا الغُبار ثم أخرجَ لُفَافةً رفِيعة، تنَاول الولاعَة السودَاء من جَيبه و رفَعها أمام وجهِ وضغَط عليهَا لتخرُج الشُعلة الحَمراء التي انعَكست على حدَقتيه العسليّتان..

مررَ طَرف السِجارةِ فوق الشرارةِ لينبعثَ دخانٌ بسيطٌ يليه احتراقُ السِجارة.

قلبَ الكُرسيّ وجلسَ بالمَقلوبِ حيث استقرت ذراعيهِ على ظهرِ الكُرسيّ، رفع اللفافةَ نحوَ فَمه بعدَ أن مررَ لسانهُ على شفتيهِ بابتسَامة.

..

رفَعت دراجتَها الهوائيّة السَوداء التِي كانت تتكأُ على الجدَارِ، ثمّ نظَرت لمَايلي التِي تضَع خوذةَ الحِماية على رأسها

في قلب أثِـيناحيث تعيش القصص. اكتشف الآن