سنبتسِم خلف أبواب العالَم

83 13 3
                                    


13/6/2021

"أحيانًا قد لا نستطيع المنحَ حتى من بعضِ ما نملكه، ولن تنمو البساتين من مياه البحر. وأن تعي ما أعنيه لهيَ مهمة صعبةٌ على رجُل مِثلك، رجُل يملك ما يكفيه ليخشى ويهرب من نِفسه. لكن حتى مع طمَعي فيك، جعلتَني أشعُر أنني الوحيدة التي أردتَ انقاذها بشدّة. ولسوء الحظ أن أدركتُ هذا مؤخرًا.

كنتُ أنوي عتابك على شيء لا أُدرِك ماهيّته. أن أحدّثك كشخص يرى الشمس تغيبُ في نهاية الأفق، ويعطِّش المكان حوله للصمتِ في طريق يبدو بلا نهاية. فيُخبرك باختصار قاسٍ لكلً ما خضته معه "وداعًا"، ثم يرحل.
وأحيانًا أتمنى لو أخذتُك معي، أو تركتُك تجترّ قدَرِي خلفك.

ولكن كيف لي أن أخبرك بأنني لن أعود؟ أنني سآخذ أَمتعتي التي ستكفيني للأبد، وحين أرتدي الرحيل سأتوقّع رؤيتك تلوِّح لي مبتسمًا كعادتك.
لكنها أنانيتي المُعتادة، سوى أنني قد قررت الرحيل دون أن أنظُر خلفي؛ كي لا ترى دموعي وأنا أتخيّل نفسي دونك فأَجدها كذلك.

وربما توجّب عليّ الاصغاء إليك دونَ محاولَة لطمس حزنِي ببعض الأشياء التي تعلمتها بالكاد منكَ؛ حين كنت تخبرني أن كلّ هذا سيزول يومًا، وأنّ عليّ التجلّد أكثر. لكن مواجَهتُك بكلماتِك لطالما كان أمرًا صعبًا، وقد بدا بذات الرهبَة إن تحدّثت معك عن ما أُدرك مدى استيعابَك الجيّد له، ومستحيلٌ إن فقدت ايمانَك فيه.. كايمانكَ أنك أنقذتني رغم أن كلّ شيء قد هزمني بالفِعل.

ليس هناك وقت كافٍ أبدًا لنأسف عن مقدار الألم الذي جلبناه لبعضنا. اجتررتُك معي في خلوة الموت، وكلانا قد علِم أن أمثالي مقتلَعون من جذورهم منذ يومهم الأوّل. نحن مجرّد كوَيكِبين لا نعلم من ألقانا في هذا اللج الذي يحمِل في جوفه أقدارَنا. وما أوقِنه تمام اليقين الآن، هو أن نورك قد كان كافيًا لأرى صورة المشهدِ الأخير، دون أن أخشى الظُلمة التي ستليه.

لقد حاولَت التنفس والحياة مرة، وقليلٌ ما وجدته من الأخيرة دون أراها تنسحِب عنِّي بلهفةٍ أسرع. لكن لم يختَر أحدنا هذا، فلا تبكِ عليّ، اذهَب لتلك الحياة التي أحببتَ كلّ ما فيها، ولن أُحب أن تذكرني كشخصٍ جعل الافلاتَ صعبًا عليك، وأعلمُ أنك مررت بالكثير قبلِي، وأندم لجعل نفسِي الأسوأ بينه.

لقد سبقتني النهاية لك، لكنك دومًا ما ستبقى في البدايات والمشاعر الصادِقة. ستعيشُ طويلًا، وتنجح في محاولاتِك القادمة- ذلك ما تمنيتُه لك كأمنية أخيرة.

أشعلتَ نفسك لأجلِي، وحتى وإن كمدتُ، فسأفعل ذلك موقنةً أنني قد كنت مرآةً لك يومًا ما، راجيةً أنك تعي الآن كمّ الحب الذي تستطيع بذلَه وحمله بجميع المساوئ والتحديّات.

ورغم أنني لم أحظَ بك بالكيفية التي رغِبتها، ولأنني لا أُريد ربط الوهم الذي يهمِس لي أحيانًا بأنكَ قد رجوتَ المِثل- فسأكتفي بالمرّات والمواقِف التي أخبرتَني فيها عن حُبّك هذا دون كلِمات. وسأؤمن أنها الأصدَق.

كنت تلُوم نفسك لأنك لم تكُن مُنجِدي، وهذا فقط إن لم تعلم أنكَ قد أنقذتني من أشياء عدّة بالفعل، ولا يهمّ إن لم يكن صراع الحياة والموت واحدًا منها؛ هو الأقلّ أهميّة، فقلبي ما سيظلُّ ممتنًا لك إلى الأبد.

وعندَما يُصبح موسِم الإزهار موسمًا للحُزن ورسائِل الوداع، وتكتسِي الوعود بالمستحيل قبل أن تُقطع، ويذبل ما تبقّى من أمل بين كفّيك- سأكون أول من يُزهر لأجلِك. وعندما يحلّ الصباح ولا يعود الشفق ليُحيط ساعات الرحيل، سآخُذك للمنزل، حيث نحطّ رِحال أرواحنا اليافِعة. سنبتسِم خلف أبواب العالم، وسأُقبّلك عندها. ولن أضيّعكِ من أذرُعي مجددًا.

أريدُ أن أراكَ، لكن ليس قريبًا.
أحبّكَ، مجددًا، وكثيرًا، وأشدّ مما سبَق.

ودائماً، سأكون مُخلِصتك."

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 09 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

نشيد الرجُل المجهولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن