العِملاق يخدش الإطار

149 13 10
                                    

لم أكن ممتنة أبدًا لما أنا عليه.
لا، دعني أعيد صياغة العبارة.. لم أستوعب أبدًا ما أنا عليه.
ذلك لأنني وقتما أعود للمنزل وحين أنظُر للمرآة ازاء فراشي، أكاد ألا أراني.

إنني أكثرُ من يائسة على السنوات التي حاولت شق طريقي فيها بعد إذ تركتُ تجربة مشوشَة لم أكُف أبدًا عن التساؤل بعدها عن من أكون. والسنوات الخمس التي تلتهَا، حين لم تتغير الأسئلة، لكنها تكابدت. 'ماذا سأفعل بعد كل هذا؟' كان هو العملاقُ الذي يفزعني في منامي، يقفِز من عتبات الباب الأماميّ، ويستند بظهره على ذات الحائِط. تخدش يده اطارات شهادَة تفوّقي الأولى. يتمسَك بها، يحطّمها، ويتناول الورقَ المقوّى بعناية ساخرة.

"آهٍ، كم ضيعتِ من الوقت، كان بامكانكِ ليلتها النوم مبكرًا، أو التحدث معهم عن المشاكِل التي لا تزال تؤرقك بدلًا عن محاولة النجاح الفاشلة هذه" يخبرني بصوتٍ غليظ، السؤال الذي يتبعه سؤال، أكاد أرى عبره بشفافيّة مجموع الورق التي خطّ عليه اسمي بصورة مكررة، بخطوط مختلِفة.

"يالها من مفخَرة!" إن كنتُ مخطئة لظننتهُ يؤيد ما يراه، لكنه لجم كلماته، بشزر وغيظ شديديْن.
ماذا سأفعل بعد كل الساعات التي تلت منتصف الليل؟ ماذا فعلتُ بها؟ وأنا أدفن رأسي داخل المعادلات الكيميائية، وقوانين الرياضيات، والحالات الشاذة في قوانين الفيزياء. قانون نيوتن.. ولكن أي واحد منهم؟ ماذا يحدُث للتيار حين يعبُر سلك القابِس؟ كيف تستجيب للموجات الكهرومغناطيسية؟ هل يتأثر تركيب الزئبق بالضغط؟. الضغط، الضغط، الضغط.

أكاد أن أنتزِع عيناي عن الكتاب، فأنتشل الدفاتر. متى كتبتُ هذه الملاحظة، وتلك، أي واحدة أهم، بماذا أبدأ أولًا؟ الوقت لاستجماع الأنفاس لم يكن كافيًا، لم أنجح أبدًا في الحقيقة. كنت أتحرّق لنهاية تلك الأيام حتى أرتمي على الفراش وأحدّق بالسقف، ثم أتنفس. كانت تلك غايتي الوحيدة.

تلك السنوات انتهت، ولم يتبعها سوى السؤال العملاق. أضحينا أصدقاء -إن لم يشعر باهانة لتسمية ما بيننا بهذا المسمّى- لقد بقي بانتظاري عند ركن الغُرفة، في كل ساعةٍ ثالثة بعد الظهر أعود فيها، فألقاه. كان يكبُر بمرور الأيام، يكبر مع الصراخ، النقاشات الحادة بين والداي، صوت صفع الباب عند خروج أحدٍ، الدموع في نهاية اليوم، كان يكبُر، ومع ذلك لم أعُد أخشاه بقدر ما أشفق عليه. كان يضطر لاحناء عُنقه كي يستطيع الجلوس والتقوقع في غرفتي وإيّاي، ويضمّ جسده الشفاف عليه.

"التعلّم لن يساعدك، أنتِ تهرُبين. لا تملِكين أصدقاء حقيقيين. بعضُ من يدّعي ذلك يكرهك إلى الأحشاء، يمقُت طريقة حديثك وظنّك أنكِ الأفضل. إلهي ألا تستطيعين الرؤية؟ كيف لشخصٍ أن يكون ذكيًا وساذجًا لهذا الحد؟" أخبرني مرّة.

نشيد الرجُل المجهولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن