اعتنِق الانسانية أولًا، ثم ما شئت من الأديان.
كان سيمون يعيشُ في شقة بعمارَة وسطَ أحد أحياء الطبقَة الكادِحة. حيث تستطيع سماع جميع أصوات الحياة المكظومة عبر أزِقّتها الضيّقة، وبلشفيّة الجالِسين عند الناصية لا يهتمون سوى بشؤون غيرِهم.
ذو الاثنى عشر عامًا اعتاد أن يراقبُ أمه في كل ليلة تستعِدّ فيها للخروج لعملِها، فتضع الحُمرة الفاقعة على شفتيهَا، وترتدي أحد فساتِينها الدانتيل التي أحضرَتها لها احدى شقيقاتها من فرنسا -حيث اعتادوا أن يعيشوا في يوم ما، قبل مجيئهم لهذَا الخندق-
كان أمه مغنيّة من الدرجةِ الثالثة كما يقولون؛ تغني في أيّ مكانٍ تستطيع أن تجني منه بعض الجُنيْهات لتكفيها وابنها لأسبوع؛ هذا بالطبع إن كان البقشيش جيّدًا، أو كان الزبائن من النوع الذي لا يفرّق بين 'الراقصة' و'الفنانة'- ويرمي لكليْهما النقود على المسرح.
ورغم ذلك كان لها كبرياءٌ عجيب لطالما تساءلَ ابنها عن سببه. رغم معرِفته فيما بعد، أن حتى والده -ذلك الحائط الذي كانت تتكِئ عليه- قد خانَها قبل موتِه مع جارةٍ لهُم حين كانا بباريس، وأنّ هذا الكبرياء ينثني في المرات التي تعود فيها مخمورة الذهن وتصفع باب غرفتها لتنتحب وحدها لساعات، فيبقى هو جوار بابها يبكي معها دون سبب.
في أيام انشغالِ لينا بعملها -والتي هي معظم أيام الأسبوع- كان الصغير يهم باستذكار دروسه كآخر تنبيه يُقال له قبل خروجها من المنزل. وبعد أن ينتهي، يطفق ذارعًا أرجاء الشِقّة؛ باحثًا عن تسلية لا تتضمّن أن يكون لديه رفيق؛ حيث لم يكن هناك سواه ليؤنس نفسه.
في أحايين أخرى، كان يلقي جسده الضئيل على الأريكة، وتترامي أطرافه القصِيرة منها، ويؤرجحُ ساقيْه عبثًا بانتظار أن تستدير نحوه مروحَة الرأس. وفي أيام الشتاء يلتفّ كشرنقةٍ تحت الغطاء، ويتمنى لو كان باستطاعته أن يحضّر لنفسه كاكاو ساخِن، كما يفعل كيڤن ماكليستر رغم تحدّياته اللِصّيْن اللذان يريدان اقتحامَ منزل عائلته التي نسيَته. ويفكّر أن يا له من طفل غير محظوظ مِثله !
وقتما يشتدُّ صرير الهواء على مصراعِ النوافذ في بعض الليالي، لم تكن ترواده رؤًى مخيفة ركض بسببها أسفلِ فراشه -في الحقيقة، هو فعل ذلك في الأيام الأولى- لكنه تعوّد مع الوقت، وعوّد نفسه على البقاء وحيدًا في المنزل لِعِلّة قالتها أمه، أشبه بأنه 'رجُل البيت'.
عدا عن أنها لا تعامِله بذات الطريقَة حين يكونا مع بعضِهما، وتظلّ تراه كابنِ خمسَة أعوام، الذي لا يملك أدنى فِكرة عن العالَم حوله. والاجابَة على كلّ أسئلته وطلبَاته هي "لاحِقًا عندما تكبر".