مَشاعِرُ جيّاشَة

136 26 17
                                    


كَان مَحطّ ٱهتِمَامِي طِوالَ الوقْتِ الذِي أمْضَينَاهُ فِي السّيّارَة، عيْنَاهُ مرْشوقَتانِ علَى الطّرِيق فيمَا طوّقَت يدَاهُ المِقوَد الجِلدِيّ،

خُصُلاتُه الدّهمَاء تلَاعَبت بِهَا أذرُع الرّيَاح، فكَانَت بيْن الفَينَةِ و الأُخرَى تُغطّي جُزءًا مِن وَجهِه و أجِدُنِي لحظَتَهَا أشتُمُها لِإفْسادِ فُرصَتِي الذّهبيّةَ فِي التّمتّع بتفاصِيلِ وجهِه الفاتِنَة،

لَمْ أشْعُر لا بِمُرورِ الوَقتِ فِي تِلكَ الفَترَة، و لَا بِتوقّف السيّارةِ مُعلِنة عَن بُلوغِنَا المكَانَ المَقْصود،

ألقَيتُ نظرَة عَبرَ النّافِذةِ الزّجَاجيّة للسّيّارَة، كانَ المَكَان أشبَه بِجنّة أرْضيّة؛

الأَشجَار فارِعةُ الطّول شيّدتْ حِصنًا يحمِي المُنتَزه، و الوُرود مَدّت أعناقَها سَاعِية لِمُفارقَة أديمِ الأرْض و موَاجَهة الشّمس،

سِرنَا الهُوينَا لحَظاتٍ ثمّ صيّرنَا مِن أحَد المَقاعِد الخشبيّةِ مَجلسًا لنَا،

لفَحتنَا نَسماتُ الغَابِ العَليلَة فأغمَضتُ عينَيّ مُستَسلِمة لِلمسَاتِها المُريحَة،

«ألَا تَتذكّرينَ هذَا المكَان؟»

كَان يُسلّط نَظرَه علَى بِركةِ المِياه التِي لمَع سَطحُها تحتَ أشعّة الشّمس،

بَحثْت بيْن طيّاتِ ذاكِرتي عَن ذكْرى توَثّق هَذا المَكان، لكنّي لم أُجِد، و عُدتُ إلى واقِعي أجرّ أَذيَال الخَيبَة،

و حِين تأخّرتُ عَن الأِجابَة، التَفتَ نَحوِي و رَمقنِي بالنّظرة التِي لطالَما مقتّ ٱعتلَائهَا لِملامِحه،

نَظرَة حزِينة كانَت كفِيلة بِتقطِيع أنسِجةِ قلبِي، فأعرْضتُ وجهِي عنْه أستَجمِع شِتاتَ نفسِي،

وَ هزَزتُ رَأسِي بِـ'كلّا'

لا شكّ فِي أنّه يَشعُر بِخيبَة أمَل شَدِيدَة، كَيفَ لَا و صدِيقَتُه قَد نسِيت جَميعَ اللّحظاتِ التِي جمَعتهُما سويّا؟

«لَا بَأس»

لَم أَتوَقّع مِنه قوْل ذلِك، فٱلتفتّ نحوَه مَدهوشَة مِن كلِماتِه،

إلّا أنّه سرعانَ مَا شتّت تفكِيرِي عِندما دنَا مِنّي أكثر، و أخَذ يَلهُو بِخُصلاتِي الشّقرَاء بين أصَابِعه و الاِبتسَامة تنيرُ وَجهَه،

علِمتُ بمرورِ الوقتِ الذِي قضّيناهُ سويّا أنّ جُزءًا منّي كانَ يشعُر بٱنجذَابٍ غريبٍ نحوَ كون، فكأنّ بعضًا مِن مشاعِري تجاهَه ضاعَت بِضَياعِ ذِكريَاتِي و هاهِي تتحرّر شَيئًا فشيْئًا،

مَا عُدتُ بقادِرة على كَبتِ جِماحِ نَفسِي، إِذ أجِدنِي بَين الفَينَة و الأُخرَى تائِهة فِي تقاسِيمِ وجهِه خاصّة و جسدِه عامّة،

و أحيَانًا أغرَقُ فِي مجرّتيْه، أتُوه بَين حِبالِ رُموشِه، و أضلّ طَريقِي على شفتيْه،

وجَدتُني مُنقادَة بمِشاعرَ جيّاشةٍ ٱجتَاحتْ فؤَادِي، و مُنجرّة مع سيْلِ أحَاسِيس خِلتُها غفَت فِي أعمَاقِ بَاطِنِي،

أَيقَنتُ أنّ ما أكنّه لـِكون مِن حبّ وَ ٱمتِنانٍ لَن يحصِرَه مُجرّد إطَار صدَاقَة كمَا ندّعِي،

فقَد توضّحَت لِي الصّورَة كامِلة، و مجَالُها لَا يَنتَهي و لَن ينتهِي،

أَدرَكتُ فِي لحظَةِ غَفلة مِنّي، أنّ قلبِي خفَق حُبّا لمن أَمضى لَيالِيه ساهِرًا على رِعايَتِي،

و أنّ فُؤادِي اِستَوطَنه مَن قَضّى يَومَه حذوِي لَا يُفارِق مضجعِي،

لَقد وجَدتُ في النّهايَة مَن يَهتمّ لأَمرِي، وَجدتُ فيهِ من قد يَشفِي رُوحِي السّقيمَة و يُؤنِس نَفسِي اليتِيمة،

فلَا دَاعِي لإنْكارِ الأمرِ بَعد الآن،

لَقد وَقَعتُ فِي حُبّ كون!

حالتي الصحية ايز نوت اوكي ಥ_ಥ

كمية الجفاف الي ضاربني و انا اكتب الفصل ما تقدرون تتخيلوها،

شو رايكم غايز؟

ملتقانا الفصل الجاي انشالله 👋

Through The Window | ذكريات ضائعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن