قِطَعُ الأُحجِية

119 25 7
                                    


{ الرّابِع مِن مايو:

كُنتُ مَشغُولة بتوزِيع الطّلباتِ على الزّبائِن، و قرّرت بعد أن أصابنِي الإعياءُ الوُقوفَ خارِج المَقهَى لِفترة وجيزَة بعيدًا عن الازْدحامِ بالدّاخِل،

لَمحَت عينَاي سيّارة فخمَة تُركَنُ على جانِب الطّريق، ترجّل مِنها شابّ مُعتدِلُ القامَة ممشوقُ القوَام، ذو خصلاتٍ سوداء حريريّة تموّجت على إيقاعِ النّسمات،

جلَس في الحدِيقةِ المُقابِلةِ للمَقهَى الذي أعمَلُ فيه و أخذَ يقرَأ كِتابًا، بقيتُ أراقِبهُ مِن النّافذة الأماميّة للمقهى فبدَا لِي هادئًا كالبحرِ لطيفًا كالنّسمات،

إلى أنْ غابَت الشّمس فقادَ سيًارتُه مُبتعِدًا عن المكان، تمنّيتُ لَو أنّه يحلّ زبونًا في مقهى 'فانيليَا و كارَاميل' حِينَها ستسنَحُ لِي فُرصةُ تأمّلِه من مسافةٍ أقرَب عِوضَ التّحديقِ بهِ مِن خِلالِ زجاجِ النّافِذة!

-

السّادس عشر مِن مايو:

مَضَى إثنَا عشرَ يومًا و ذلِك الفَتى الوَسيمُ يَفعَلُ الأمر ذاتَه كلّ مَساء، فوجَدتُ نفسِي أقضي أوقاتًا طويلة فِي تأمّله عبْر نافِذة المَقهى،

لم ألحظ أنّي بدأتُ أكنّ له المشاعِر إلّا بعد أن صِرتُ أتجمّل كلً يوم و أرتدِي أفضلَ الأزيَاء علّ القدَر يُرتّب لنا لِقَاء فأكونُ في أبهَى حُلّة!

-

الثّامِن عَشر مِن مايُو:

جَاد علَيّ صَاحِب المَقهَى بإجازَة دَامَت لِيومٍ واحِد، يَا لَه مِن رجُلٍ بخِيل إلّا أنّني مُمتنّة له كلّ الاِمتنَان، فبِفضلِه، تقَاطَعت سُبُلي مَع ذلِك الشّابِ الذي خطَف أنفَاسِي؛

لَمحتُه في أحَد المُنتزِهاتِ يشقّ طرِيقه ركضًا عَاصِفًا بوعيي و قدْ غطّى جسدَه زيّ رياضيّ داكِن السّواد،

تصنّمتُ في مَكانِي و تابَعتُه بِعينيّ، كانَت خُصلاتُه الدّهماء تهتزّ يمينًا و شمالًا فِيما اِلتصَقَ بَعضُها بجبينِه الذِي صيّرت مِنه قطَرات العَرَق طرِيقًا يصِلُها بفكّه الحادّ،

حِين قرّر أخذَ ٱستِراحَة علَى أحَد المَقاعِد الخَشبيّة دعَوتُ نفسِي للجُلوسِ حِذوَه، لَم يُمانِع،

حظِيتُ ساعَتهَا بِأوّل حدِيثٍ معه كُنتُ مَن بدأه، علِمتُ أنّ ٱسمَهُ كُون، و أنّه أحدُ المُدرَاءِ بِشرَكة تصنِيع سيّارَات، ما يُفسّر مظهَرهُ الثريّ،

لَقد كَان أَلطَف ممّا توقّعت، لهُ بَسمةٌ دافِئة، ضِحكَةٌ رقِيقة و نَظرةٌ حنُونة لم أتلَقّى مِثلَها طِوالَ السّنواتِ التّي عِشتُها،

يَبدُو أنّني قَد نِلتُ إعجَابه فقَد دعَانِي لِلقائِه في اليوْم التّالِي، لَا أستطِيعُ الاِنتظَار!

-

التّاسِع عشر مِن مايُو:

اِصطَحَبَنِي كُون إلى أحدِ المَطاعِمِ التِي تتوسّط المدِينَة، كانَ الطّعامُ لذِيذًا، لكنّ مَظهَرهُ كَان أشهَى، فأمضَيتُ الأُمسِيَة أفترِسُه بِحدقتيّ،

تنَاوَلنَا العَشَاء سويّا، و تبَادلنَا أطرَاف الحدِيث، لَقد كَان مِن المُريح مُحاوَرته، فأحسَستُ لوهلَة و كأنّنا فِي مَوعِد غرامِيّ.

-

الخَامِس و العِشرُون مِن مَايُو:

مَضَى أسبُوعٌ مُنذ حظِيتُ بِمحَادثَتي الأولَى مَع كون، اِنسَجمنَا بِسهولَة حتّى أنّنا صِرنَا أصدِقاء رَغمَ أنّ قَلبِي لم يُفكّر بِه كمُجرّد صديقٍ فقَط، بَل أحبّه من النّظرَة الأولَى،

قرّرت و أخيرًا الاِعترافَ لَه بِمشاعِري في مَعرِض الفنُون الذي سيُقامُ غدًا في سيول،

سيكُونُ الأمر رُومانسيّا للغايَة لو سارَ كلّ شَيء على مَا يُرام. }

لَقد تعرّضتُ للحادِثِ مَساء اليومِ السّادِس و العِشرِين مِن مايُو، فهَل سنَحت ليَ فُرصَة الاِعترافِ لهُ بِمشاعِري، أَم أنّ السيّارة صَدَمتنِي قبلَ ذلك؟

سَارَعتُ بِمفارَقة الكُرسيّ الذِي حمَل جسدِي، شعرتُ بالإرْهاقِ يَنخَرُ جِسمي على حِين غرّة، و أصابَنِي دُوَارٌ شدِيد أفقَدنِي توازُنِي فهَويتُ على الأرْض،

حَاوَلتُ النّهوض فلَيس الوَقتُ مُناسِبًا لِفقدَانِ الوَعي، فكّرتُ في كون، لم يَستَسلِم كلّ هذَا الوَقتِ مِن أجلِي، مِن أجلِ علاقتِنا المتِينة، كذلِك أنا لن أستسلِم خاصّة أنّي أدركْتُ الحقِيقة المَخفيّة ورَاء علَاقَتِنا المُبهمَة،

تشوّش نظرِي لِهنيْهة، يالحظّي العَاثِر!

حَملتُ مَفاتيحِي و ٱرتديْت أوّل زوجِ أحذِيةٍ ٱعتَرَض طرِيقِي، و هَروَلتُ نحو البَابِ هامّة بالرّحِيل،

لكنّي سُرعَان ما اِفتَرشتُ الأَرضيّة البَيضاء حينَ تجاوَزَت قدمِي عَتبَة البَاب، اِشتدّ الألمُ برأسِي فأسدَلتُ جفنيّ و لم أحرّك ساكِنًا،

آسِفة لأنّي خذَلتُك،

إنّ قُيود الذّكريَات بدأَت تنفكّ، كمَا تجمّعَت قِطَعُ الأحجِيةِ المُشتّتة!

أنا رسميّا في حالة انهيار لأنو الروّاية متبقي لها فصل واحد ಥ_ಥ

ما رايكم؟

اتمنى ما في اخطاء املائية و مُلتقانا الفصل القادم انشالله 👋

Through The Window | ذكريات ضائعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن