سماريا
الفصل الثاني
استغفروا.
بقلمي سما أحمد
______
بينما أنت لا تدري بنعمةٍ أنعمها الله عليك وتأباها، يكن غيرك في أشد الحاجة إليها، إياك وأن تأبى رزق رزقك الله لك، لعله أخير الأرزاق وهبها الله لك.
________________
نسمات الهواء الرطب تتأبط أشجار الحديقة التابعة للمنزل، فتأتي الشمس بشعاعها الذهبي تدلف غرفة الصغيرة فتُزعجها وتستيقظ لتنهض والدتها بحنان تحملها وتغني لها برقة حتى تهدأ، نامت مرة أخرى فابتسمت مروة بحنان وقبلت وجنتيها بنهمٍ شديد وتداعب أناملها، استيقظ زوجها بإرهاق واضح قائلًا:
- هل استيقظت للتو.
- نعم، ستأتي أمي بعد قليل.
- لقد كان يومًا مُتعبًا حَقًّا.
ابتسمت برضا قائلة:
- ولكن في النهاية حصلنا على وحريتنا الصغيرة، ماذا نُسميها برأيك؟
- لا أعلم هل نُسميها ملاك؟
- لا أعتقد، دع الأمر إلى أن يأتي أهلنا فقد ولدت في ليلة أمس وكنا وحدنا.
- لا بأس فقد كان ذلك لهجرتنا عن مدينتنا.
- لعله خير، ألا تتوقع ردة فعلهم حين يرون الصغيرة.
قطب حاجبيه بحيرة:
- لا أعرف أجهل ذلك حَقًّا.
________________
- ألم تنم مُنذ ليلة أمس.
- لا أستطيع أن أصف لكِ ما رأيت يا رُقية، لا أستطيع، فقد رأيتُ عجبا.
- لا أعي ما تقول أخبرني بوضوح -من فضلك-.
- اليوم وُلِدَ الكثير من الأطفال وأثناء العمل رأيت الأب والممرضة قادمين إلى، ظننت أن الطفل يعاني من شيءٍ ما ولكن عندما نظرت أليها وجدت حورية من السماء في عالم البشر.
- كيف؟ جميلة لهذا الحد؟
- ليس جمال يا عزيزتي، ولكنها لا تُشبه البشر، فلأول مرة مُنذ أن دخلت مجال طب الأطفال وأرى طفل عينيه سوداء هكذا وبها لؤلؤ داخل السواد ينعكس بأعين الآخرين، وشعرها الذي كان كطفلة في العاشرة من عمرها
ليست بيضاء ولا سمراء، إن بلون السحاب، الثلج شيء هكذا.
- سبحانك ربي، سبحانك ربي، أُريد أن أراها.
- لم أصورها، وأيضًا لا أعلم إن كانت ستأتي مُجددًا أم لا.
ابتسمت بتعجب قائلة:
- لو ما كانت طفلة حديثة الولادة لكُنت قتلتك.
ضحك بشدة وأمسك يديها بحب قائلًا:
هذه خلقت لكي نسبح الله ونتعجب، بينما أنتِ خلقتِ لكي أشكر الله على نعمته.
تهللت أساريرها من جملته وضمته بشدة فزاد من ضمتها قائلًا:
- حفظكِ الله لي أينما كنت، أين طفلي الصغير.
- جاء من المدرسة يبكي لأن أصدقاءه سخروا من عوينات (نضارته)، حدثته قليلًا حتى هدأ ونام.
- سأذهب وأراه، وغدًا سأذهب للمدرسة الخاصة به ولن يمر الأمر بسلام.
- لا يُزعجك الأمر، إنهم أطفال مازالوا في السادسة من عمرهم.
- لا سأذهب غدًا حتى ننهي هذا الهراء الذي يحدث كل يوم.
_____________
- ما هذا؟
ابتسمت بتردد وقالت بتوجس ناظر لزوجها التي بادلها النظرة قائلة:
- إنها ابنتي يا أمي.
- ابنتك؟ من هذه يا بنيتي، من هذه؟
إنها لا تُشبه البشر، ما رأيتُ طفلًا هكذا من قبل.
تحدث بنبرة محاولًا أن يكون هادئًا بقدر كبير:
- انظري حماتي، لا نعلم مِثلُك تمامًا لِما شكلها هكذا، ولكن أخبرني الطبيب بأنه طبيعية جِدًّا وتكونت أيضًا من ٤٦ كروموسوم يعني أنه ٢٣ من والدتها و٢٣ من لدي، ولكن أخبرني الطبيب رُبما أنها مُعجزة أم زيادة جمال لم يراه أحد من قط.
حاولت التحدث ولكن أولًا وجهت بصرها للطفلة الصغيرة بتعجب شديد وذهول اتضح بشدة على وجهها واقتربت منها قائلًا بصوت أشبه بالهمس:
- لعلها حورية، رُبما ملاك.
ابتسمت بسخرية قائلة:
- أمي كما قال لكِ خالد إنها طبيعية جِدًّا وتكوينها البيولوجي طبيعي ولكن هيئتها بها أمرٌ غامض لا يعلمه أحد منا جميعًا.
اقتربت من الفتاة، ففتحت عينيها فشهقت بصوتٍ عال عندما كشفت غطاء رأسها كانت فقط مُنبهرة من وجهها ولونها التي أشبه بلون السحاب الشفاف، ولكن ما إن رأت عيناها حتى انقلب الوضع تمامًا ووضعت يدها على فمها لتنعق صرخة قادمة فقالت في ذهول:
لم يولد طفل هكذا أبدًا، يا ابنتي هذه رُبما جنية، يجب أن تذهبوا لكبار الشيوخ في هذه الأمور.
تقلصت ملامحها بضيق قائلة:
- تدعين ابنتي بالجن؟ لا يا أمي لن نذهب بها إلى أي مكان إنها جميلة جِدًّا وقد رزقني الله بهذه النعمة فمن أنا لأعترض؟
وأيضًا صحتها جيدة وتتصرف بطبيعة الأطفال وما يختلف فقط هيئتها وأيضًا عندما تبكي تتحول تهبط عبارتها بلون الماس وما إن تصل إلى وجنتيها تتحول لماء.
- يا ابنتي استمعي، إن هذه الفتاة ستُسبب لكم العديد من المشاكل والاضطرابات، اقتلوها وتخلصوا منها فهي لن تجلب لكم سوى العار والمشاكل والهزائم، ستكسر أبيها حتمًا، ثم أنهت حديها بصوت مذهول:
- إنها فاتنة.......
فما للرجال منها؟ اقتلوها وهذا ليس حرام، فهي نقمة وليست نعمة يا أولادي وعار عليكم.
صرخت بها ابنتها قائلة:
- لا تتحدثي عن ابنتي هكذا، أتنفرين من رزق الله وتسمينه نقمة؟ والله إنه عارٌ عليك أنت يا أمي أن تلقبين ابنتي بهكذا.
بعد جدال دام بين الأم وابنتها حول الطفلة الصغيرة التي انتابها البُكاء من صوت الصراخ المحاوط لها فنظرت جدتها لصوتها ليس كبُكاء طفل، وإنما هي أوتار تُعزف بواسطة أحدهم، داهمتها الصدمة الكبرى عندما رأت عينيها وعباراتها التي تهبط منه بحزن وكأن الماء أحب الجريان تحت جفونها فكان ألماسًا ثم تحول إلى ماء لوثه خيبات البشر.
- هذه الفتاة لا يجب أن تعيش أبدًا، إنها عار يا بُني على العائلة بأكملها.
نظرت لزوجها الصامت ولم يتفوه بحرفٍ واحد قائلًا:
- مَعَك الحق يا أمي.
ارتعدت أوصالها كما لو أن دلو من الماء المُثلج سقط عليها قائلة بصوت أشبه بالهمس:
- ماذا تقول؟
نظر لابنته في حنان تحول لجمود عندما تذكر كلمات زوجة عمه وحماته أيضًا قائلًا:
- ستجلب لنا العار.
صرخت بها قائلة:
- كفى عن عادات قريش هذه، ماذا تقول بحق ربك.
تحدث بصوتٍ حاد أيضًا قائلًا وعقله بيمن غريزته الأبوية وأيضًا عادات الشرقية رُبما لن نطلق عليها شرقية إنما هي عادات قريشية:
- ما كُنت أقتلها لو ما كانت بهذا الجمال، إنها فاتنة للرجال حتى من هم في عمري سينتظرون بضع سنوات، وسيطمع بها الكثير، لن أدع رقبتي ورقبة هذه العائلة الكبيرة تحت حياة هذه الفتاة.
شعرت بأن روحها تكاد أن تقتلع منها فقالت بصراخ لأول مرة يخرج من حنجرتها ولك
ما كُنت أقتلها لو ماكانت بهذا الجمال، إنها فاتنة للرجال حتى من هم في عمري سينتظروا بضع سنوات، وسيطمع بها الكثير، لن أدع رقبتي ورقبة هذه العائلة الكبيرة تحت حياة هذه الفتاة.
شعرت بأن روحها تكاد أن تقتلع منها فقالت بصراخ لأول مرة يخرج من حنجرتها ولكن عزيزي القارئ إنها الأم:
-ماذا تقول، لعنك الله يا خالد، ماذا تقول؟
كيف لك أن تكون أبًا؟ إنها ابنتك.
-يا ابنتي نحنُ لا نُريد أن تذهب العائلة، ابنتك ستُدمر عائلتنا بأكملها وسيتشاجرون رجالنا مع الرجال الآخرين ومن الممكن أن تصل للقتل...
أشعر بكِ كثيرًا ولكن يجب أن تُقتل هذه الفتاة.
جلست أرضًا تستمع للهو الحديث التي تتفوه به قائلة:
تُقتل... ابنتي!
- أفضل من أن تُقتل بيد الآخرون وينهك عرض العائلة.
- ماذا تتفوهون بحق الله؟ ماذا؟
إذن سأذهب أنا وابنتي ولن ترنا أبدًا، أقسم لك بذلك ولكن ابنتي لاء.
صرخ بها يُطارد أفكاره المتشتتة وصراع بين قلبه وعقله قائلًا بصراخ في الحقيقة ليس لها ولكنه لقلبه الذي يأبى الاستماع:
- أم أنكِ تعلقتِ بها لهذه الدرجة!
بكت قائلة:
- لقد أصبحت تسير في دمائي، ألا تشعر بذلك أيضًا؟
أخفض رأسه أرضًا قائلًا:
- نعم أشعر بأكثر.. ولكن العرض والشرف أكبر وحمايتها بأن تُقتل وتذهب عند ربها أفضل.
انتفضت قائمة وصرخت ويدها تصفع صدره قائلًا:
-أليس الذي يحميها في السماء غيرُ قادر على حماتها في الأرض؟ أليس الذي خلقها غير قادر على أخذها؟
فلِمَا أنت تتدخل؟ لِمَا.
- لن تُقتل الفتاة.
التفتوا جميعم لصوتٍ أتى من باب المنزل فنظروا لذاك الشخص قائلين:
- من أنت؟