سماريا
الفصل الرابع.
صلوا على مُحمد.
بقلمي: سما أحمد
مرت عدة أيام وقد أمضى فيهم خالد بتجهيز ما اِتَّفِقُوا عليه، وبينما ذلك كانت نهى في أصعب فترات حياتها لمجرد تخيلها أن تذهب ابنتها من بين أحضانها، تبكي الليالي دمًاًّ.
على النحو الآخر
جلست سماريا تكتُب نعم فهي تعشق الكتابة وأيضًا والرسم.
لم تتعلمهما ولم ترى العالم سوى من خلال نقابها التي يضع غشاء على عينيها كي لا تظهروا ولكنها استطاعت رسم السماء بقمرها المضيء ونجومها المبتسمة بجماعتهم.
عندما استمعت إلى صوت الفتيات يتصدع بالشرفة المقابلة، ضغطت على قلمها ثم رسمت سريعًا فتاة بين الجدران مُكبلة اليدان، ضمت بسخافة ثم رمقت نقابها بكُره، وقالت:
- ليتني يوم أتخلص منك.
بعد قليل دخل خالد برتباك وعلى وجهه ابتسامة فنظرت له بأعينها الماسية فأدرف قائلًا بحنان:
- هل لي أن أجلس معك القليل؟
تحدثت بصوتها المُختنق:
- نعم أبي تفضل.
ما بِك يا لؤلؤة أبيكي.
- لا شيء يا أبي، أنا بخير.
نظر لها في عينيها وملس على خصلاتها بحنان قائلًا:
- ولكن يبدوا أن صغيرتي تشعر بالضيق الشديد.
نظرت له قليلًا ثم نهضت وجلبت نقابها وقالت بجمود:
- لِمَ هذا يا أبي؟ لِمَ أنا لستُ كمثل الفتايات؟
كم مرة خرجت في حياتي يا أبي؟
ليس لي أصدقاء، لا أحد يحبني فقط أنت وأمي من؟ من يحبني
لم يرى أحد وجهي، نظرت له بأعين أجزم لؤلؤها على الهبوط وشراعات عينيها تغلق مُستعدة للخوض في معركة من البُكاء:
- أنا لستُ كبقية البشر، ليس لدي أصدقاء، لم ألعب يومًا وألهوا، دائمًا ما كنت بغرفتي، انفجرت في البكاء قائلة:
- لا أحد يود مصاحبتي، لقد كنت أتحدث مع النجوم، والقمر لي يسمع.
أنا مثل القمر، يتعجب له الجميع ويود لمسه ولكنه وحيد.
وحيدة مُنذ ستة عشر أعوام.
جاءت نهى من الخلف وجذبتها لأحضانها قائلة:
- سيكون لكِ أصدقاء وزملاء ولن تبقي وحيدة مرة أخرى يا صغيرتي.
نظرت له بأعين دامعة لقد تعجبت أمها حقًا وكبرت الله أكبر
ثم مسحت عبارتها برقة شديدة خوفًا من أن يتضرر بريق عينيها بشيء ووجنتيها الناعمتين بينما شعرها الحريري الذي تم قصه عديد المرات لتستطيع الخروج، فإذا أرادت الخروج يتم اقتصاص جزء كبير منه كي ترتدي عباءة فضفاضة ونقاب وفيه طبقة تضع على العين لكي ترى الناس ولكن لا يرون عينيها.
تعجب أهل القرية وكثيرًا ما تعالت وتصدحت أحاديثهم البلدة بأكملها لارتداء فتاة من سن الخامسة عمرًا نقاب ولم يكن خالد الرجل المُتدين ولا زوجته أيضًا، وقبل سن الخامسة لم تكن خرجت من قبل من منزلهم حتى إذا جاؤهم زائر بقت في غرفتها مع جدتها التي توفت مُنذ ثلاثة أعوام وكانت تبغض سماريا كثيرًا لقولها
ستجلب العار للعائلة حتمًا
ولكن لم يهتم خالد ونهى وعزموا على عدم الاستسلام.
ضمها أبيها بحنان وأيضًا والدتها ونظروا لبعض بضعف شديد ولكن أعمض خالد عيناه ليطمئنها أن كل شيء سيكون خير.
___________
استيقظ من نومه على استدعاء أحد المُشرفين فنظر حوله ووجد الكل نيام، ثم أخذ عويناته ورأى صديقه يستيقظ أيضًا قائلًا في نوم:
- إلى أين أنت ذاهب.
فادرف يحيى قائلًا:
- لقد استدعاني المدير، سأذهب وأرى.
في الأسفل.
دخل المكتب بخطوات واثبة وما إن رأى والدته حتى جحظت عيناه ببريق شديد وهمت هي في النهوض لم يدعها حيث نزل أرضًا وقبل قدميها باشتيقا فمدت بيدها تحمله، نهض هو وضمها بشدة وشهقاته تتعالى وتتزايد قائلًا:
- اشتقتُ إليك يا أمي.
بكت وضمته بسعادة شديدة قائلة:
- وأنا أيضًا يا صغيري، سامحني يا بُني.
- أنا أعلم يا أمي أعلم.
ابتسم المُدير وقرر أن يخرج ولكن قال:
- هل أُخبرك خبر جيد يا يحيى؟
نظر له باهتمام؛ فأدرف الآخر قائلًا:
- تبقى شهر واحد كي تخرج من هُنا، وأيضًا ستتعايش مع الجميع دون تنمر وإن تعرضت لهذا فأنت مُستعد لمواجهته.
ابتسم بسعادة وقالت والدته:
- سامحني يا حبيبي، تركتك هُنا مُنذ أن توفى والدك ولم أستطع أن أفعلك لك شيئًا لتتخلص من هذه الأزمة النفسية وصعوبة التعايش.
ابتسم ثم ضمها؛ فشعرت والدته بشيءٍ غريب، هل كبر طفلها لهذه الدرجة، نعم تراه كل شهر تارة، ولكن حقًا لم تشعر يومًا أن هو من يحتضنها ويأخذها بين أحضانه ويشدد من ضمته وكأن طفلته ما بين أحضانه وليست والدته، ابتسمت بسعادة وحب شديد لم تشعر بالأمان مُنذ أعوام والآن استطاع ابنها أن يُعيد لها الأمان مرة أخرى.
_________________.
مرت عدة أيام وكان خالد ونهى وابنتهم التي ارتدت ملحفة ونقاب لا يُرىَ منها شيئًا، والتي تسألت كثيرًا فأجابتها والدتها بحنان قائلة:
- سنذهب إلى مكان جميل جدًا، مكان به الكثير من الأصدقاء، وأيضًا الأزهار والحدائق والطرقات النظيفة.
قالت في لهفة شديدة:
- سيكون لدي أصدقاء؟
ابتسم خالد قائلًا:
- بالطبع.
- هل سأرتدي هذا الزي مرة أخرى يا أبي؟
ضمها قائلًا:
- لن ترتديه يا ابنتي.
بينما نظرت له زوجته في ألم شديد وأيضًا هو وطبب على كتفها بحنان وبعد قليل كانوا بالمطار مما جعل سماريا تتعجب قائلة:
- أهذا الذي أراه في التلفاز يا أمي
- نعم يا حبيبتي.
- سنذهب معًا أليس كذلك؟
ابتلعت غصتها بصعوبة قائلة:
- بالطبع.
ابتسمت سماريا بسعادة بالغة تنظر للناس بتعجب.