أنصار الحسين الجزء الأول

14 1 0
                                    

لتسع مضين من المحرم، وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين (عليه السلام) فقال : أين بنو أختنا؟ فخرج إليه العباس وجعفر وعبد الله وعثمان بنو علي (عليه السلام) فقالوا له: مالك وما تريد؟ قال: أنتم يا بني أختي آمنون، قال له الفتية:
لعنك الله ولعن أمانك، لئن كنت خالنا أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟
الحسين يرى جده (صلى الله عليه وآله) قال: ثم إن عمر بن سعد نادى: يا خيل الله اركبي وأبشري فركب في الناس ثم زحف نحوهم بعد صلاة العصر وحسين (عليه السلام) جالس أمام بيته محتبيا (1) بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه، وسمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها، فقالت: يا أخي أما تسمع الأصوات قد اقتربت.
قال: فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه فقال: إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في المنام فقال لي: إنك تروح إلينا، قال: فلطمت أخته وجهها

العباس (عليه السلام) يكلم القوم وقال العباس بن علي (عليه السلام): يا أخي أتاك القوم، قال: فنهض، ثم قال: يا عباس اركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم فتقول لهم: مالكم وما بدا لكم؟ وتسألهم عما جاء بهم؟
فأتاهم العباس (عليه السلام) فاستقبلهم في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين (1) وحبيب بن مظاهر (2)، فقال لهم العباس: ما بدا لكم وما تريدون، قالو

جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم، قال: فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فأعرض عليه ما ذكرتم، قال: فوقفوا ثم قالوا: القه فأعلمه ذلك، ثم القنا بما يقول، قال: فانصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين (عليه السلام) يخبره بالخبر.
ووقف أصحابه يخاطبون القوم، فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين: كلم القوم إن شئت وإن شئت كلمتهم؟ فقال له زهير: أنت بدأت بهذا فكن أنت تكلمهم؟
فقال له حبيب بن مظاهر: أما والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه (صلى الله عليه وآله) وعترته وأهل بيته (عليه السلام) وعباد أهل المصر المجتهدين بالاسحار، والذاكرين الله كثيرا (1).
فقال له عزرة بن قيس: إنك لتزكي نفسك ما استطعت!؟
فقال له زهير: يا عزرة إن الله قد زكاها وهداها فاتق الله يا عزرة فإني لك من الناصحين، أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممن يعين الضلال على قتل النفوس الزكية

قال يا زهير: ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت عثمانيا.
قال: أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم؟ أما والله ما كتبت إليه كتابا قط، ولا أرسلت إليه رسولا قط، ولا وعدته نصرتي قط، ولكن الطريق جمع بيني وبينه، فلما رايته ذكرت به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومكانه منه وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم فرأيت أن أنصره، وأن أكون في حزبه وأن أجعل نفسي دون نفسه حفظا لما ضيعتم من حق الله وحق رسوله (صلى الله عليه وآله) قال: وأقبل العباس بن علي (عليه السلام) يركض حتى انتهى إليهم.
فقال: يا هؤلاء إن أبا عبد الله (عليه السلام) يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ينظر في هذا الامر، فإن هذا أمر لم يجر بينكم وبينه فيه منطق فإذا أصبحنا التقينا إن شاء الله فإما رضيناه فأتينا بالامر الذي تسألونه وتسومونه أو كرهنا فرددناه وإنما أراد بذلك أن يردهم عنه تلك العشية حتى يأمر بأمره ويوصي أهله فلما أتاهم العباس بن علي (عليه السلام) بذلك، قال عمر بن سعد: ما ترى يا شمر؟ قال: ما ترى أنت؟ أنت الأمير والرأي رأيك.
قال: قد أردت ألا أكون ثم أقبل على الناس، فقال: ماذا ترون؟ فقال عمر بن الحجاج بن سلمة الزبيدي: سبحان الله والله لو كانوا من الديلم (1) ثم سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليها.
وفي رواية السيد - عليه الرحمة - فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي: والله لو أنهم من الترك والديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم، فكيف وهم آل محمد (صلى الله عليه وآله) ؟!

وقد خرج الإمام الحسين في ليلة يوم العاشر يتفقد التلاع والعقبات وكلامه مع نافع بن هلال كان نافع ابن هلال (3) من أخص أصحاب الإمام الحسين عليه السلام به، وأكثرهم

ملازمة له سيما في مضان الاغتيال - وقيل أنه كان حازما بصيرا بالسياسة - فلما رأى الحسين عليه السلام خرج في جوف الليل إلى خارج الخيام يتفقد التلاع (1) والعقبات (2) تبعه نافع، فسأله الحسين عليه السلام عما أخرجه قال: يا بن رسول الله أفزعني خروجك إلى جهة معسكر هذا الطاغي.
فقال الحسين عليه السلام: إني خرجت أتفقد التلاع والروابي (3) مخافة أن تكون مكمنا لهجوم الخيل يوم تحملون ويحملون، ثم رجع عليه السلام وهو قابض على يد نافع، ويقول: هي هي والله وعد لا خلف فيه.
ثم قال له: ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل وتنجو بنفسك؟
فوقع نافع على قدميه يقبلهما ويقول: ثكلتني أمي، إن سيفي بألف وفرسي مثله، فوالله الذي من بك علي لا فارقتك حتى يكلأ (4) عن فري

زينب (عليها السلام) تحدث الحسين (عليه السلام) في استعلامه نيات أصحابه ثم دخل الحسين (عليه السلام) خيمة زينب، ووقف نافع بإزاء الخيمة ينتظره فسمع زينب تقول له: هل استعلمت من أصحابك نياتهم فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة.
فقال لها: والله لقد بلوتهم، فما وجدت فيهم إلا الأشوس (1) الأقعس (2) يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أمه.
قال نافع: فلما سمعت هذا منه بكيت وأتيت حبيب بن مظاهر وحكيت ما سمعت منه ومن أخته زينب.
قال حبيب: والله لولا انتظار أمره لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة.
قلت: إني خلفته عند أخته وأظن النساء أفقن وشاركنها في الحسرة فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجهوهن بكلام يطيب قلوبهن.
حبيب (عليه السلام) يخطب في الأنصار ويطيب خواطر النساء فقام حبيب ونادى: يا أصحاب الحمية وليوث الكريهة، فتطالعوا من مضاربهم

كالأسود الضارية، فقال لبني هاشم: ارجعوا إلى مقركم لا سهرت عيونكم.
ثم التفت إلى أصحابه وحكى لهم ما شاهده وسمعه نافع، فقالوا بأجمعهم:
والله الذي من علينا بهذا الموقف لولا انتظار أمره لعاجلناهم بسيوفنا الساعة! فطب نفسا وقر عينا فجزاهم خيرا.
وقال: هلموا معي لنواجه النسوة ونطيب خاطرهن، فجاء حبيب ومعه أصحابه وصاح: يا معشر حرائر رسول الله هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها إلا في رقاب من يريد السوء فيكم، وهذه أسنة غلمانكم أقسموا ألا يركزوها إلا في صدور من يفرق ناديكم.
فخرجن النساء إليهم ببكاء وعويل وقلن أيها الطيبون حاموا عن بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله) وحرائر أمير المؤمنين (عليه السلام).
فضج القوم بالبكاء حتى كأن الأرض تميد بهم (1).
ولقد أجاد الصحيح إذ يقول في ذلك:

عاشوراء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن